#عشرة_الفجر
الثورة الاسلامية: نافذة المرأة على المجتمع
د. عبير شرارة
ونحن نلج عتبة الذکری السنویة الثانية والأربعين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران لا بد من التأكيد أنه رغم التحديات والعوائق الخارجية التي تحاول قوى الاستكبار العالمي وضعها أمام طموحات المرأة الإيرانية المسلمة، تمكّنت هذه المرأة من تحقيق طموحاتها وتطلّعاتها التي بذر نواتها الأساسية الإمام الخميني (قدس)، من خلال إيمانه المطلق بأن المرأة كالقرآن أوكل الله إليهما صناعة الإنسان، وأنها في موقع الانسانية، لا فرق بينها وبين الرجل مطلقاً؛ فلها دورها الفاعل في بناء المجتمع الإسلامي على كافة الأصعدة، ولها الحقّ في تقرير مصيرها عبْر الإدلاء بصوتها. وكذلك بفضل توجيهات آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي، من أنه لا يمكن لأي بلد من البلدان أن يستغني عن جهد النساء وعطائهن الفذّ، وأن البلد إذا أراد إطلاق نهضة حقيقية، فعليه تركيز جلّ اعتماده ونظرته على الإنسان والطاقات الإنسانية. ولا يغفل عن النساء اللواتي يشكّلن نصف الطاقات البشرية، وإن الثورة الإسلامية هي ثورة فكرية اجتماعية تربوية سياسية اقتصادية تؤتي أكلها كل عام من خلال بلورة حقيقة المرأة، وإعطائها الهوية الواقعية، وتحويلها من امرأة على شاكلة المرأة الغربية إلى عنصر فعال مؤثر، تفجّرت فيها مكامن القوة والمواهب والطاقات في كل مجالات الحياة، وهي بكامل عفافها ورصانتها وكرامتها، فهي بالرغم من أنها أمّ مربّية للأجيال، وزوجة صالحة، ومنبع للخيرات والفضائل، هي إنسانة قد دخلت معترك الساحة العلمية، أصبحت أستاذة في الجامعة، ومن أعضاء الهيئة العلمية، وتولّت الإشراف على مراكز إدارية ومؤسساتية، وشغلت العديد من المراكز الاجتماعية والثقافية، كما تولّت مناصب حكومية في الدولة، فكانت وزيرة دولة ومستشارة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهذا ما شهدناه في الحكومة الحالية والحكومات التي سبقتها.
وهذا يدلّ على أن دخول المرأة الإيرانية الساحات المختلفة في المجتمع الإسلامي، ونشاطها وإبداعها، لهو خير دليل على ثمرة الثورة، بعد مضي هذه السنوات.
والحقيقة، إن أهم إنجاز تمكّنت الثورة الإسلامية في إيران من تحقيقه، هو التخلّص من قيود التبعية للدول الغربية، وعلى رأسها الشيطان الأكبر (أمريكا)، والوصول إلى الاستقلالية في اتخاذ قراراتها، والاكتفاء الذاتي، والتحكّم بكل مفاصل الدولة، رغم الضغوطات التي تمارس ضدّها، والحملات الإعلامية التي تُبث هنا وهناك. لقد حاول أعداء الثورة جاهدين، وبكل الوسائل، القضاء على هذه الثورة عن طريق الغزو الفكري والثقافي، لا سيما المرأة التي تمثل الركن الأساس في انتصار الثورة وتثبيت دعائمها.
فالمرأة الإيرانية بلغت من الوعي درجة لا يمكن التأثير عليها، وهذا بفضل ما قامت وتقوم به إيران من خلال بثّ الوعي، ونشر الصحف والمجلات النسوية، وإقامة مؤسسات ومراكز أنشطة خاصة بالمرأة، وافساح المجال أمام المرأة لتواجدها في الساحة الفكرية والثقافية والاجتماعية والرياضية والسياسية، فكان هذا عاملاً مساعداً على تعزيز قدرات المرأة، وترسيخ موقعيتها كإنسانة لها تأثيرها ودورها، لكن هذا لا يعني الغفلة عن الاستمرار في توعية المرأة، وتسليح فكرها، حتى لا تقع فريسة للأفكار المعادية، ولمن يريد النيل منها.
ولا شك في أن الإعلام الإيراني الهادف المتمثل بكل وسائله المسموعة منها والمرئية، تمكّن بشكل واسع لا نظير له، من إبراز الصورة الواقعية للمرأة الإيرانية رغم محاولات الإعلام المعادي التعتيم على تلك الصورة وتشويهها، لقد تمكّن الإعلام الإيراني أن يتواجد حيث تتواجد المرأة، ويقوم بتغطية أنشطتها، وبثّ أفكارها وآرائها ومواقفها وإبداعاتها في كل المجالات، كما استطاع أن يبثّ الندوات والمؤتمرات التي تشارك فيها المرأة أينما كانت ووُجدت، وبذلك تمكن من إسكات كل صوت يقول بالتعارض بين العمل والنشاط الاجتماعي، الثقافي، السياسي، وغيره وبين حجاب المرأة وعفّتها، حتى أن المرأة الإيرانية كان لها دور في المشاركة في المسابقات الرياضية المختلفة والمتنوعة من دون أن يخدش ذلك التزامها وتقيّدها بالحدود الشرعية، كما إن الإعلام الإيراني قام بالتغطية الإعلامية لهذا الجانب، مراعياً الحدود الشرعية.
والمجتمع الواعي الذي يتطلّع إلى الرقي في جميع مجالات الحياة، عليه أن يواكب متطلبات عصره لكافة الأفراد، وعلى كافة المستويات. والتركيز على الجانب النسوي من الأهمية بمكان، وذلك لكون المرأة هي أمّ بالدرجة الأولى، وكما يقول الإمام الخميني (ره): من حضن المرأة يعرج الرجل في سلّم الإيمان، والجانب الروحي، فالمرأة هي مربّية للأجيال، وبتربيتها تقدّم إنساناً صالحاً للمجتمع، ومن هنا تكون الحاجة أشدّ بالنسبة إلى الجانب النسوي في تناوله احتياجاتها وتلبيتها، لأننا إذا قصّرنا - لا سمح الله - في هذا المجال، سوف يجد الأعداء الأرضية المناسبة لتلبية احتياجات المرأة بحسب ما يرتؤونه من أفكار غربية هزيلة، أو عربية منحرفة بعيدة عن الإسلام، وعندها سوف تعيش المرأة حياة التخبّط والضياع، وفقدان الهوية والهدفية.
ومن هنا، يجب علينا ومن منطلق الإنصاف في الحكم على الآخرين، أن ننظر إلى الظروف والمعاناة والعوائق التي قد يكون لها الدور الأساس في عدم دخول المرأة معترك الحياة، أو تقويض حجم دورها. إن المرأة جزء من هذا العالم، وهي ربما تسعى إلى أن تكون عنصراً فاعلاً، لكن هناك عوائق قد تحول دون ذلك، من قبيل: قوانين ومقرّرات الدولة – الأعراف والتقاليد – البيئة الأسرية – اعتقاد المرأة في بعض الأحيان أنها غير قادرة على العطاء بسبب رسوخ مفاهيم بالية في ذهنها، حالت دون رقيها وتطورها، ولذلك فإننا نجد المرأة في المجتمع الإيراني قد نالت حظها الأوفر ببركة جهود الإمام الخميني(قدس)، والقيادة الحكيمة للقائد الخامنئي (دام ظله)، وأعضاء الدولة والنُخب في المجتمع، والطبقات المثقفة التي ساهمت وتساهم في رفع مستوى المرأة، ومشاركتها في مجالات الحياة المختلفة.
إننا إذا قمنا بالمقارنة بين المرأة الإيرانية، ونظيرتها في المجتمعات الأخرى –على الرغم من وجود نشاطات للمرأة في مجتمعات متعددة– فالمرأة الإيرانية من الناحية النظرية هي امرأة آمنت بقدراتها وإمكاناتها في المشاركة والعطاء، وأنها بالقوة تملك استعدادات وقابليات تمكّنها من بلوغ مراتب لا يُستهان بها، ومن الناحية العملية، انتقلت هذه القوى إلى مرحلة الفعلية، وبرزت قدرات المرأة عبر مشاركتها في كافة الميادين العلمية والثقافية والتربوية والسياسية وغيرها، وهذا بفضل القيادة الحكيمة والمجتمع الواعي.
إقرأ المزيد في: #عشرة_الفجر
01/02/2024