نصر من الله

#عهدنا_مقاومة

العهد.. بيتنا الأول وأول حروف المقاومة
18/06/2020

العهد.. بيتنا الأول وأول حروف المقاومة

أمير قانصوه

كان ذلك في خريف العام 1991، أول يوم لي في جريدة "العهد".. بعد أقل من ساعة من دخولي مكاتب العهد في حارة حريك، طُلب إلي أن أذهب فوراً الى حي السلم، أسرعت الى هناك متأبطاً جهاز تسجيل وبعض أوراق بيضاء برفقة المصور عصام والزميل جعفر (مراسل اذاعة النور). كان المشهد مأساويا وصادما، بيوت الفقراء قد دخلتها السيول المتدفقة من نهر الغدير..
 
هناك تعرفت الى المآسي المزروعة على ضفاف المدينة، والى صور من الفقر الساكن في كثير من مواطننا.. الحرمان في أطراف العاصمة أيضاً وليس فقط في أطراف الوطن.

كانت "العهد" تلاحق أوجاع الناس وتخصص من صفحاتها مساحة واسعة لصرخاتهم، وكنا نحن العاملين فيها مشغولين بتلك الحكايا، على امتداد ما يمكن أن تصل اليه اقلامنا أو تصل عدسات المصورين.

العهد.. جريدة الفقراء كما هي جريدة المقاومة، والمقاومون هم أصحاب الجريدة، تتصدر انجازاتهم "المانشيت"، وأينما ذهبت بين أوراقها ستجدهم، قائداً يتحدث، وجريحاً يتذكر.. واسيراً تحكي أوجاعه، وشهيداً قصة وقصيدة ونعشاً مرفوعاً فوق الايادي..

في العام 2009، كتبت آخر مقال على صفحات الجريدة الورقية، بعنوان "نصف عمري من وريقاتها"، والعمر هو ليس أياما وسنوات نعدّها، في الجريدة هو أحداث نعيشها وتصير مع الزمن ذكرى، والعهد هي تلك الذاكرة التي انتمينا اليها، منذ كنا فتية في الركب، كنا ننتظرها كل يوم جمعة، كانتظارنا للمجاهدين العائدين من المواجهات، لنسمع التفاصيل، تلك التفاصيل التي لم يكن غير "العهد" يهتم لروايتها.

كانت اسبوعية "العهد" حاضرة في كل تلك المفاصل، في المقاومة توثق كل دقائقها، واذا ما كان الحدث بحجم الوطن، خرجت في اليوم التالي لاستشهاد السيد عباس باصدار استثنائي، وتنشر مراسليها في حرب الايام السبعة (تصفية الحساب) على مناطق المواجهة ليكونوا مع المقاومين وأهلهم الصامدين.. وهي الشاهد على مظلومية المقاومين في 13 أيلول 1993.. وصوت المقاومة في عناقيد الغضب 1996.. والنصر في العام 2000 لا يكتمل الا بـ"العهد"، التي وصلت كاميراتها الى الحدود قبل أن تصل قوافل العائدين، فكانت صور الانتصار زاهية بالألوان على صفحاتها، كما العيد الجميل.

أذكر في بداية حرب تموز العام 2006، وكنا مشغولين باصدار العدد، اتصل أحد الإخوة للسؤال عن حال الضاحية التي كانت تتعرض لأولى الغارات، فقلت له إننا نضع اللمسات الأخيرة على العدد، فسألني وهل ستصدر الجريدة؟ قلت صباحاً ان شاء الله. فكان جوابه المليء بالأمل "هذه المقاومة التي لا توقف اصدار جريدتها في عزّ العدوان.. لن تهزم".

صدرت العهد مرتين في الاسبوع لتغطية أحداث العدوان، لتثبت أن المقاومة التي تَهزم العدو في ميادين المواجهة، حاضرة باعلامها وصوتها على رغم حجم العدوان الذي حاصر مكاتب العهد ودمّر مطبعتها في قلب الضاحية.

"العهد" هي كتابنا الأول، فيه تعلمنا أول حروف المقاومة، وعلى أوراقها كتبنا مع الطلقات الأولى "الموقف سلاح".
 العهد، مرآتنا، تشبهنا، مثل أهلها، حبرها من تراب أرضهم.. وتبر مقاومتهم، بوصلتها فلسطين وصراطها يمتد الى كل المظلومين.
تمضي "العهد" اليوم على عهدها.. كما كانت خلال أربعة عقود، تصدح في الفضاء الواسع صوتاً للمقاومة وتكتب بروح من هذه المقاومة وإرادتها الصلبة.

في العيد السادس والثلاثين لانطلاقة العهد.. يشدنا الحنين الى تلك الأوراق المطبوعة، الى صباح كل يوم جمعة، اشتياقاً الى بيتنا الأول الذي ما بارحنا ظله.. ليبقى #عهدنا_مقاومة.

الانتقاد

إقرأ المزيد في: #عهدنا_مقاومة