الرد القاسم
صواريخ طهران وشعارات كربلاء تصيب البيت الابيض
بغداد: عادل الجبوري
من غير الواضح حتى الآن فيما اذا كان ساسة البيت الأبيض قد وضعوا في حساباتهم ما يمكن أن تفضي اليه عملية اجرامية ارهابية، من قبيل اغتيال الفريق قاسم سليماني والقائد ابو مهدي المهندس من نتائج وتبعات.
اذا كانوا قد افترضوا أن جريمة بهذا المستوى الكبير والخطير يمكن أن تمر مرور الكرام، فإنهم جاهلون في حقائق الواقع، وعاجزون عن فهم بواطنها.
واذا كانوا قد وضعوا في حساباتهم أن تكون هنا ردود أفعال من نوع معين وبدرجة ما على ذلك، فهذا يفترض أنهم تحسبوا لذلك جيدا، لا سيما وانهم يدعون أن بلادهم تعد القوة العظمى الأولى في العالم، وتمتلك القدرة الكافية على فرض ما تريده وما تقرره.
الضربة الجوية الايرانية التي استهدفت قاعدة عين الأسد في الانبار وألحقت بها اضرارا وخسائر مادية وبشرية كبيرة، جاءت بعد ستة ايام من عملية اغتيال سليماني والمهندس، أي أن الرد كان سريعًا وقويًا وحازمًا.
ومنذ اللحظات الأولى بعد عملية الاغتيال، بدا الارتباك والاضطراب واضحًا وجليًا في مراكز القرار العليا بواشنطن، وارتفعت وتيرة ذلك الارتباك والاضطراب، مع التأكيدات الايرانية المتكررة أن الرد سيكون سريعًا وقاصمًا ومؤثرًا، ومع ردود الفعل العراقية الغاضبة والمستهجنة ومعها المواقف السياسية الشجاعة والجريئة للحكومة والبرلمان، القاضية بإنهاء الوجود العسكري الأجنبي على الأراضي العراقية.
واليوم تبدو واشنطن عاجزة تمامًا عن فعل شيء تستعيد من خلاله هيبتها المفقودة وكرامتها المسلوبة، وهي تواجه انقسامات داخلية حادة، ومواقف دولية سياسية وشعبية رافضة، وان كان هناك من رحب باستهدافها سليماني والمهندس، وهناك من أدان الضربات الايرانية لقواعدها، مثل بريطانيا والمانيا ودول قليلة اخرى.
ولعل الضربة القاصمة التي تلقاها ترامب بعد اغتيال سليماني والمهندس، تمثلت بتصويت مجلس النواب الأميركي قبل أيام قلائل على مشروع قرار يقضي بالحدّ من قدرة الرئيس الأميركي على القيام بأيّ عمل عسكري ضد إيران، دون مواقفة الكونجرس.
وقبل ذلك، شهدت عدة ولايات ومدن اميركية عشرات التجمعات الرافضة للحرب والتصعيد ضد طهران، والمنددة بسياسات ترامب وقراراته المتهورة والارتجالية.
الى جانب ذلك، فإن وسائل الاعلام الاميركية المؤثرة والواسعة الانتشار، مثل قناة فوكس نيوز التلفزيونية، وشبكة سي ان ان، وصحف نيويورك تايمز وواشنطن بوست، حذرت في تقارير ومقالات لها من تبعات ومخاطر قرارات ادارة ترامب.
ومن زاوية أخرى، تجلى تخبط وارتباك واضطراب مراكز القرار السياسي الاميركي، بأوضح الصور، بعد تصويت البرلمان العراقي بأيام قلائل على قرار اخراج القوات الاجنبية من البلاد. فالقائد في القيادة المركزية الوسطى للجيش الاميركي الجنرال وليام سيلي قال في رسالة قيادة العمليات العراقية المشتركة، التي تم تسريبها من قبل بعض وسائل الاعلام، انه "احتراما لسيادة العراق، ستقوم قيادة قوة المهام المشتركة باعادة تمركز القوات خلال الايام والاسابيع المقبلة، ويتوجب على قوات التحالف اتخاذ اجراءات معينة لضمان الخروج من العراق بشكل آمن وكفوء، وستكون هناك زيادة برحلات الطائرات المروحية داخل وحول المنطقة الخضراء في بغداد، بواسطة طائرات (47-CH و 64-AH و 60-UH)".
في حين خرج وزير الحرب مارك اسبر لينفي ما ذكره الجنرال سيلي، ويقول "لا يمكن تأكيد صحة رسالة تفيد باعتزام التحالف بقيادة الولايات المتحدة الانسحاب من العراق". اما رئيس هيئة اركان الجيش الاميركي الجنرال مارك ميلي فقد صرح قائلا "ما نشر هو مسودة غير موقعة، حيث وصلت للجانب العراقي عن طريق الخطأ، ولم يحدث أي تغيير في سياسة الولايات المتحدة في ما يتعلق بوجود قواتها في العراق".
ويتفاقم العجز، ويتجلى الارتباك والتخبط والاضطراب الامريكي بدرجة أكبر، حينما يكون رد واشنطن على طهران مشكلة لها، وعدم الرد مشكلة من نوع اخر.
ولعل ما قاله ترامب في خطابه الأخير مساء الاربعاء الماضي، هو مصداق واضح لذلك العجز والاضطراب والتخبط والارتباك.
تمخض الجبل فولد فأرا!، هكذا وصف الكثيرون خطاب ترامب، فبعد ان كان العالم يترقب اول ظهور اعلامي له بعد ساعات من الضربات الصاروخية الايرانية ضد بعض مواقع الوجود العسكري الاميركي في العراق، لم يأت ترامب بما هو جديد، فقد خيب امال الذين كانوا يتوقون لسماع اعلان الحرب الشاملة على ايران ومحور المقاومة، وصدم الذين كانوا يتوقعون ان يأتي الرد الاميركي متناسبا مع مكانة اميركا العالمية وحجم ادعاءاتها وتخرصاتها وتهديداتها.
وحينما يخرج نائب الرئيس الاميركي مايك بينس منشرحا ومرتاحا، ليكشف الحصول على معلومات استخباراتية تؤكد ان ايران طلبت من فصائل المقاومة القريبة منها في العراق بعدم الرد حاليا، فإنه في واقع الامر يطلق رسالة اخرى عن الحال البائس لادارة البيت الابيض، التي اكتفت حتى الان بإصدار حزمة عقوبات جديدة ضد شخصيات ومؤسسات ايرانية زعمت وزارة الخزانة الاميركية أنها ضالعة او مساهمة في تنفيذ الضربات الاخيرة.
ومن يدقق ويتأمل جيدا، يجد ان الصفعات السياسية والعسكرية التي تلقتها واشنطن خلال ايام قلائل من بغداد وطهران كانت قوية ومؤثرة الى حد كبير، وهناك صفعة اخرى جاءتها من كربلاء المقدسة ظهر يوم الجمعة، وتحديدا من مرقد الامام الحسين عليه السلام، فبينما كانت واشنطن طيلة اربعين عاما تسمع الشعارات المعادية لها من قبيل (كلا كلا اميركا) و(الموت لاميركا) و (الموت للشيطان الاكبر) من الجماهير الايرانية، فإنها هذه المرة سمعتها من الجماهير العراقية التي كانت حاضرة في مراسم صلاة الجمعة العبادية-السياسية. وعلى ساسة واشنطن ومنظريها، ان يقرأوا ما بين سطور الحدث من حيث الزمان والمكان، لتكتمل صورة الموقف العراقي منهم، كما هي صورة الموقف الايراني واضحة منذ زمن طويل.
إقرأ المزيد في: الرد القاسم
23/01/2020