الرد القاسم
ليلة الكرامة: لا "هيبة" لواشنطن بعد اليوم
أحمد فؤاد
أراد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يكون 2020 عام تراجع إلى الوراء، زمن ما قبل الفعل الإيراني، عصر ما قبل "محور المقاومة"، نشد وضع قواعد اشتباك جديدة، مستهدفًا قلب المحور النابض، قائد فيلق القدس، الوجه الذي زرع الانتصار والأمل والأمنيات على طول الخط من طهران إلى بغداد ثم دمشق فبيروت وصولا الى القدس.
دماء القائد المجاهد الفريق قاسم سليماني، كانت ضربة قاصمة لواشنطن، كاتبة بأطهر مداد نهاية الإمبراطورية الأشنع في التاريخ، الدولة التي قامت على دماء السكان الأصليين، المدفوعة بدماء أبناء إفريقيا، المستعبدين، والمستمرة بالنهب والسلب والقتل والاستكبار، بطول العالم وعرضه.
في ليلة ستوضع حتمًا بمكانها، كأطول ليلة في الشرق الأوسط منذ عقود، واجهت الولايات المتحدة ما لم يخطر على قلب بشر فيها، ليلة صنعها ترامب، وصقور إدارته، حاكوا مشاهدها مسبقًا، وجهزوا الفخ الشيطاني، لكسر ما اعتقدوا -واهمين- أنه من الممكن كسره، الروح التي تربت في مدرسة الحسين عليه السلام.
تقف فيه إيران للعام الأربعين أمام حصار اقتصادي خانق، وسيف عقوبات لم يبتعد سوى لشهور قليلة، تؤلّب باسم العدالة والحقوق المعيشية بعض الواهمين ضد حكوماتهم، وبقيادات خائنة، وتتناسى العدو الناهب، ثم تضع سيف غضبها في قلبها، من باب الجهل أو الأسر للدعاية السوداء.
وبالتوازي مع المظاهرات "المضخمة"، جرى زيادة الخنق الاقتصادي، وبالتالي تقليل الخيارات أمام صناع القرار بشأن الاستجابة لعاصفة المطالب، ما أدى إلى شعور بأن أقل فرصة أمام لبنان أو إيران أو العراق للخروج من "المأزق" سيجري استغلالها بلا شروط، بل ربما تحتفي بها طهران، وتسرع إليها فورًا.
في اللحظة التي شدد فيها ترمب ضغطه الاقتصادي العدواني، جاءت جريمة اغتيال القائد الشهيد الفريق قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المهندس، ورفاقهما الأبطال، وفي ظل حزن الفراق وألمه، أتى خطابه في توقيت محسوب بدقة، تلميحًا برفع العقوبات الاقتصادية بحق طهران، وكان المطلوب فقط من طهران أن تقبل الصفعة، في شخص أحد أعظم قادتها، وأكثرهم حضورًا في الساحة العربية، كشريك ومساهم رئيس في كل انتصار عربي، وصانع الخط الجديد المفتوح ما بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت، وصولًا حتى إلى غزة، التي استأثرت بجهد بالغ من الشهيد وزملائه في فيلق القدس.
في الوقت المناسب تمامًا، وقبل أن يوارى جثمان القائد في الثرى، بمقبرة الشهداء بكرمان، كانت صواريخ إخوانه وأبنائه، بالحرس الثوري، تطرب القلوب والأرواح، وتزيل ألم الصدور بفراق النفر الأعز إلى قلب كل حر في هذه المنطقة. موجتان هائلتان إلى قواعد الشيطان الأميركي على أرض العراق، كتبتا ليلة ما قبلها ليس كما بعدها بكل تأكيد وبلا أدنى ميل للمبالغة.
الإعلان الإيراني الأول عن الاستهداف جاء قاطعًا في ألفاظه، واضحًا في دلالاته، حاسمًا حازمًا في جرأته للحصول على الحق الأغلى، حق الدم. ببراعة فائقة وقدرة متفردة كانت اليد الإيرانية ترفع رايات الثأر للشهيد في العراق الذي لاقى فيه مكرمة الشهادة، قبل أن ترتفع في كل مدينة بالجمهورية الإسلامية، لتمحو عقودًا من الكذب الممنهج والدائم والمستمر، عن الأهواز، وعن المظاهرات الإيرانية الأخيرة، وكأن الشهيد صمم على الانتصار وهو في عالمنا، ثم حقق انتصارًا آخر قبل أن يفارقنا.
وبعد التبني الفوري، المدعم بالصور والفيديوهات لعمليات الإطلاق والوصول للأهداف، وباسم الجمهورية الإسلامية، كما ورد في البيانات الإعلامية للعملية المباركة، جاء اختيار القاعدة التي زارها ترامب في العراق، عين الأسد، كأول الأهداف، والتي اشتعلت فيها النيران فورًا، لتكتمل ملامح الليلة الأكثر بهاء، بمراسم توديع ودفن جسد الشهيد القائد، بعد القصاص.
ما حدث، ويجب أن يروى، أن حرس الثورة جسدوا وصف الحال لكلمة "كرامة" بلا نقصان أو تقصير.
لا يهم هنا صدق الإعلان الأمريكي عن عدد الضحايا، فالضربة أطاحت بالبقية الباقية من هيبة واشنطن، وكسرت أسطورة تفوق سلاحها وجيشها، الجيش - المفترض به - الأقوى في العالم لم يستطع التصدي لأي صاروخ، رغم أن الاستهداف موجه إلى قواعد جوية، ومن المنطقي أن تتوافر لها حماية من منظومات باتريوت بشكل دائم ويقظ!
وبعدها كانت بيانات الخارجية الإيرانية هادئة - كعادتها - بغير ضعف، لكن الإصرار والتحذير كان من بيان غير مسبوق من قيادة الحرس الثوري، من حماقة أميركية جديدة، ستحرق كل مصالحها بالشرق الأوسط.
الرد الأميركي كان ردًا على طريقة دول الخنوع العربي، فأمام الكرامة والإرادة والقدرة، لا يوجد مجال للمناورة أو الاستمرار، لا تجيد الولايات المتحدة خوض حرب، تحت ظروف عادلة، وهزائمها من كوريا إلى فيتنام، مرورًا بلبنان ثم الصومال ونهاية بسوريا، تؤكد أنها تعتمد على السمعة والدعاية اللتين توفرهما أشرطة هوليوود الخيالية.
في ليلة الكرامة، شاهدنا الجمهورية الاسلامية تضرب وتقصف علنًا، وتعلن بتصميم عن الاستهداف، بل وتهدد بالمزيد، وتبتلع واشنطن الإهانة غير الاعتيادية بصمت وهدوء بالغين.
صدق وعد الإمام القائد، السيد علي خامنئي قائد الثورة، وتحقق النصر لدم الشهيد، ورأى العالم انتقامًا شديدًا للمجرمين الذين تلطخت أيديهم القذرة بالدماء الطاهرة للشهيد الفريق سليماني والشهيد الحاج أبو مهدي المهندس، وغابت أوهام وظنون عودة الهيمنة الأميركية لتسيطر على البقعة الأكرم من أرضنا.
لن يتسع المقال هنا لسرد جهد عظيم وكريم، قضى فيه الشهيد القائد وصحبه أعمارهم، لكن غزة وحدها يمكن أن تكون الوسام الأعظم في حياة الشهيد قاسم سليماني، البقعة المعزولة المحاصرة، البعيدة عن كل العالم، اكتسبت مناعتها وقوتها بفضل عمل دؤوب ومنظم، جعل منها بؤرة رعب للكيان الصهيوني، وحولها إلى صداع دائم في رأس جيشه المهلهل، وقياداته المجرمين، ونظرة وحيدة إلى كلمات قادة الجهاد وحماس والجبهة الشعبية كافية لتخيل دور القائد في تمهيد الطريق إلى القدس.
إقرأ المزيد في: الرد القاسم
23/01/2020