الرد القاسم
ما بعد الاغتيال: مرحلة جديدة اقليميا ودوليا
إيهاب شوقي
عندما اعلنت المقاومة مقاربتها الشهيرة "لا حرب ولا مفاوضات"، كان المقصود بها انه التقدير العقلي والموضوعي للأمور ولتوازنات القوى، وكان لا بد وان يفهم ان المقاربة تحمل شقين، احدهما تقديري والاخر تقريري.
وبالفاظ اكثر وضوحا، فإن اللشق الاول المتعلق بنفي وجود الحرب هو امر متعلق بتقدير التوازنات ودراسة الموقف، وليس قرارا اتخذته ايران او محور المقاومة، حيث الجهوزية لاي حرب تفرض على المحور متوفرة، ولا يخشى منها اي طرف بل واي فرد ينتمي بصدق لمحور المقاومة.
اما الشق الثاني المتعلق بنفي المفاوضات، فهو قرار من المقاومة بعدم التفاوض لان المفاوضات المطروحة تتعلق بثوابت وقيم ومبادئ لا تستطيع المقاومة التفريط بها.
ومن هنا فقد اثبتت ايران واثبت محور المقاومة في جبهاته كلها انه لا خشية من الحرب وان الهاوية التي يضعغ معسكر العدو الصهيوامريكي الجميع على حافتها، يمكن الانزلاق اليها عند مجرد محاولة تغيير قواعد الاشتباك، فما بالنا بتجاوز الخطوط الحمر.
واليوم وبعد الجريمة القذرة التي استهدفت رمزا كبيرا وعلما ضخما من اعلام المقاومة، فإن اكثر الخطوط حمرة قد تم تجاوزه، وانتهكت كافة قواعد الاشتباك وبشكل متعدد الاوجه.
فالاستهداف بالاغتيال هو قاعدة اشتباك، والاستهداف في الخارج وفي بلد بحجم وخصوصية وتعقيدات العراق هو خلل كبير بهذه القواعد.
وهنا لا بد من تناول عدة نقاط بشكل مختصر:
1ـ على الجانب العراقي، فإن ما حدث من اغتيال للشهيد ابو مهدي المهندس وهو قائد عسكري عراقي لفصيل رسمي هو مساس مباشر بسيادة العراق وتكريس لأن الوجود الامريكي ليس الا احتلال عملي دون تجميل او مواربة، كما ان استهداف الشهيد قاسم سليماني وهو من هو وتداعيات جريمة اغتياله معلومة، هو اعلان للحرب من ارض العراق.
2ـ على الجانب الايراني، فإن عقيدة المقاومة لم ولن تهتز بغياب اي رمز مهما كان حجمه، ولن تثني مرارة خسارة الفقيد عن استمرارية المقاومة، وقد جاء الرد الايراني بسرعة البرق في تكريس ذلك بتعيين خلف له في قيادة فيلق القدس، واعلان العزم على الثأر وعدم السماح بتغيير قواعد الاشتباك وتجاوز الخطوط الحمر.
3ـ على الجانب الامريكي، بدا الهلع واضحا في تصريحات الخبراء وسيناتورات الكونجرس، وهو ما يشي بأن الجريمة ليست محل اتفاق او دراسة، ويشي بمعرفة وثيقة بأن ايران ومحور المقاومة ليس ممن يستهان بهم او من المتاجرين بالشعارات الجوفاء.
بقيت محاولة لتفسير الخطوة الامريكية الى حين تكشف المعلومات، حيث تقول جميع الحسابات ان هذه الخطوة هي اعلان صريح للحرب في وقت لا تسمح به التوازنات الاقتصادية والعسكرية والدولية بحرب لا يستطيع احد منع انزلاقها وتدحرجها، فهل كان الاستهداف عن طريق الخطأ دون معرفة بوجود الشهيد سليماني كما ذهب البعض، ام ان القرار اتخذ على عجل لعدم اضاعة فرصة استهدافه باعتباره صيدا ثمينا؟ ام ان امريكا اتخذت بالفعل قرار الحرب بعد يأسها من تحقيق اي انتصار وبعد فشلها الذريع امام محور المقاومة في جميع الجبهات الممتدة من سوريا الى اليمن؟
ايا كانت الامور فإن هذه الجريمة افتتحت مرحلة جديدة اقليميا ودوليا، وليس ما بعدها كما قبلها من خطوط وحدود وقواعد للاشتباك.
وبقي ان يعرف كل عربي ومسلم حجم الخسارة التي منيت بها الامة، فأكثرية الشعوب تجهل الدور الذي قام به الشهيد في الزود عن الامة كلها بجميع دياناتها ومذاهبها، ومحاولة حصر الشهيد سليماني بأنه قائد ايراني او حصره في لون مذهبي، هو جريمة اخلاقية نربأ بالعرب والمسلمين ان يرتكبوها.
هذا القائد التاريخي والملقب بالشهيد الحي، ساهم دون مبالغة بحجم لا يعيه الكثير في حماية شعوب المنطقة من مخططات لو نجحت، لكان الكثير من رجال الامة ونسائها في حكم سبايا الارهاب والاحتلال.
الشهادة لهذا الرجل هي خاتمة مشرفة تليق به، وجريمة اغتياله دون تقدير للتداعيات ومعرفة بعقيدة المقاومة وقوتها هي غباء وحماقة تليق بالمعسكر الصهيو امريكي، وسيعلمون اي منقلب ينقلبون.
وقد عاش الشهيد سليماني يحلم ويعمل لزوال الكيان، وسيعجل دمه الزكي بهذا الزوال.
إقرأ المزيد في: الرد القاسم
23/01/2020