الرد القاسم
دماء العظيم سليماني: تغيير لوجه المنطقة
د.علي مطر
يقول الإمام الخميني المقدس "يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تُقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال. مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي". لقد قال هذا الرجل العظيم عندما استشهد ابنه السيد مصطفى رضوان الله عليه بشكل أذهل العالم إن "الخير في ما وقع"، وفعلاً فإن دماء السيد مصطفى يومها أعادت الوهج للثورة ضد الشاه وكانت بداية انتصار الثورة الإسلامية. اليوم يتكرر المشهد، وستكون دماء القائد العظيم الحاج قاسم سليماني - ومعه الحاج أبو مهدي المهندس - الذي فجع كل المؤمنين والمستضعفين والأحرار في العالم بشهادته- الوهج القادم الذي سيغير معالم المنطقة، على الرغم من هذه الخسارة الكبيرة.
في لحظة سياسية وأمنية تعد الأخطر والأدق في منطقة الشرق الأوسط، أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على مغامرة متهورة باغتيال القائد الكبير الحاج قاسم سليماني والقائد الحاج أبو مهدي المهندس. هذه اللحظة التي أرادها دونالد ترامب مقدمةً لخوضه غمار الانتخابات المقبلة، والتغطية على فشل سياساته الخارجية، في لحظ بدأ الداخل الأميركي ينقلب عليه، ويرى فيه رئيسًا غير مناسب للولايات المتحدة، ستشكل لحظة انتحاره سياسياً، فلا مجال للمقارنة التي ظنها ترامب ستمر مرور الكرام، فالجمهورية الإسلامية الإيرانية ودماء سليماني، ليست كأوراق التوت الأميركية مثل أبو بكر البغدادي واسامة بن لادن، لكي تمر هذه المغامرة دون الرد المناسب ودون حصول تحول سياسي وأمني على قدر الحدث.
دون أدنى شك، فإن هذه الدماء التي تتحمل مسؤوليتها واشنطن، ستغير وجه العالم وليس المنطقة فقط، وذلك من خلال إعادة ترتيب أوضاع منطقة الشرق الأوسط بأكملها، ومنطقة الخليج فيها بشكل خاص، حيث لم يعد يمكن أن تسع هذه المنطقة الوجود الأميركي، وفي ظل وجود قوة إقليمية كبيرة كالجمهورية الإسلامية، التي أصبحت اللاعب الإقليمي الفذ في ميزان القوى داخل هذه المنطقة.
لقد أرادت إدارة دونالد ترامب، أن تعيد تثبيت قوتها في منطقة الشرق الأوسط من خلال هذه الجريمة، والقول لمحور المقاومة بأكمله إن القوة الأميركية لا تزال في أوجها وقادرة على توجيه أي ضربة، وتصفية كل من يشكل خطراً عليها وعلى الكيان الإسرائيلي، وبالتالي تريد أن تقول إن اليد الطولى هي ليست لمحور المقاومة إنما لها، إلا أن هذا العمل الطائش سياسياً وأمنياً، الذي سيؤدي إلى دفع واشنطن ثمنه برد قاس وفق ما أعلن الإمام السيد علي الخامنئي، سيغير بنظرنا وجه كل المنطقة من الناحية السياسية والأمنية، وسيكون هناك تحول مصيري في الصراع الحاصل، سيؤدي الى تراجع أميركي واضح، بعد التراجع في ملفات عدة في المنطقة وتلقي خسائر متعددة.
وبناء على التجارب التاريخية، فإنني أجزم أن الخسائر الأميركية الكبرى التي ستتجلى بعد هذه المغامرة، من خلال خسارتها العراق، البلد الذي لطالما سعت إلى احتلاله وتثبيت قواعدها فيه والاستفادة من ثرواته، وكما خسرت هي وحلفاؤها كل حروبها ضد المقاومة من حرب تموز إلى الحرب السورية مروراً بالحرب ضد "داعش" في العراق، فإنها ستتلقى خسائر كبرى قد يكون العراق أولها، وهذا ما سيجعل أميركا تندم على هذه الحماقة غير المحسوبة، لأن الشهيد سليماني ليس رجلاً عادياً، بل رجل على مستوى العالم، وكان لديه يده القوية العاملة في كل محور المقاومة، وهذا ما سيجعل كل المحور يكون على يد واحدة، وفي قلب رجل واحد، للرد على هذا الفعل الأميركي.
لقد أرادت واشنطن أن تغطي على فشلها في الملفات الإقليمية والدولية، وتقهقرها في معارك عدة في ملفات إقليمية، فذهب دونالد ترامب نحو فتح باب الحرب مباشرة وبشكل واضح مع كل محور المقاومة، وهذا ما سيجعل أمنها وأمن قواعدها ومصالحها في المنطقة وأمن الكيان الإسرائيلي في خطر محدق، وهذا ما يعلمه كل من يعلم كيفية عمل العقل الإيراني، الذي ينظر إلى أميركا على أنها الشيطان الأكبر، وهذا ما يجعل الخوف ينتاب أميركا والكيان الصهيوني، حيث بدآ بتشديد الترتيبات والإجراءات الأمنية في كل سفاراتهما ومصالحهما في العالم.
وعلى الرغم من هذا المصاب الجلل، فإن العدو يعلم مدى قدرة محور المقاومة على الرد والوقوف بإرادة صلبة، ومع ذلك فإن العدو لا يمكن أن يستفز القيادة العظيمة لأخذها بلحظة غدر، فالقيادة العظيمة للإمام الخامنئي هي من تقرر ماذا سيحصل وكيفية الرد، ولا يزال محور المقاومة جاهزاً قوياً شامخاً بما يملكه من مجاهدين وقادة، فنهاية الجهاد هو العز بالاستشهاد، وكما أثمرت دماء الحاج عماد مغنية وتحولت المقاومة إلى قوة إقليمية لا يستهان بها، وباتت تشكل تهديداً استراتيجياً على الكيان الصهيوني، فإن جبهة المقاومة لن تضعف على كل المحاور بل ستثمر دماء الحاج قاسم سليماني والقائد الحاج أبو مهدي المهندس، نصراً عظيماً سيغير وجه المنطقة بأكلمها والأيام تثبت ذلك.
إقرأ المزيد في: الرد القاسم
23/01/2020