بانوراما 2019
ليبيا 2019: حروب وأزمات ومساع فاشلة للحل
روعة قاسم
كانت سنة 2019 مليئة بالأحداث على الساحة الليبية المشتعلة والمفتوحة على كل الاحتمالات و هي التي لم تعرف الهدوء والاستقرار خلال السنوات التي تلت الإطاحة بنظام معمر القذافي الذي حكم ليبيا لأربعة عقود. وبالتالي، لم تشذ هذه السنة عن مثيلاتها في السنوات الأخيرة وجاءت عنيفة ودموية إلى أبعد الحدود وبات الحل السياسي نتيجة الأحداث التي شهدتها أمرا صعب المنال في الوقت الراهن على الأقل.
تدهور الأوضاع الأمنية
لم تكد تمضي أيام قليلة على حلول سنة 2019 حتى عرفت ليبيا اعتداء إرهابيا ضرب مبنى وزارة الخارجية واعتبر الأمر انتكاسة كبيرة لما يعرف بخطة الترتيبات الأمنية التي تراهن عليها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي عموما لإعادة الأمن لطرابلس وإنجاز باقي الاستحقاقات الدستورية والملتقى الوطني. كما اعتبرها البعض انتكاسة للعملية السياسية برمتها خاصة وأن المبعوث الأممي غسان سلامة كان يراهن بشكل كبير على استتباب الأمن بعد أن أنجز جملة من التوافقات مع الفاعلين في المشهد الليبي داخليا و خارجيا.
كما شهد بداية العام عجزا للبعثة الأممية في ليبيا على تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية، فعند طرح خارطة الطريق سابقا أعلنت هذه البعثة عن تنظيم الانتخابات مع حلول ربيع 2019 ثم حددت الموعد وأكدت انجازها في شهر مارس مع عقد الملتقى الجامع في شهر يناير كانون ثاني من نفس العام، لكن حل الموعد ولم تكمل البعثة ترتيبات انجاز الملتقى الجامع. واضافة الى ذلك فإن اجراء الانتخابات يتطلب توفير الميزانية المحددة بـ 40 مليون دولار وتنفيذ الترتيبات الامنية في طرابلس، فحل شهر يناير ولم ينظم الملتقى الجامع وحل شهر مارس آذار ولم يتم تنظيم الانتخابات.
صراع استعماري
وعرفت السنة المنقضية منذ بدايتها صراعا معلنا على النفوذ بين إيطاليا، المستعمر السابق للشمال الليبي، وفرنسا المستعمر السابق للجنوب. فقد شنت الحكومة الايطالية وأحزاب معارضة إيطالية حملة ضد فرنسا متهمة اياها بعرقلة الحل وتأزيم الاوضاع في الجنوب. واكد وزير الداخلية الايطالي ان الصراع بين فرنسا وايطاليا انما يدور حول قطاع النفط والغاز وبالذات بين شركة توتال الفرنسية وايني الايطالية في ليبيا.
فالصراع والتنافس بين الدولتين على الساحة الليبية اصبح علنيا وكلما بادرت فرنسا لجمع الليبيين عملت ايطاليا سريعا على اجهاض تلك المبادرة وينطبق الأمر على مؤتمر باريس الذي التقى فيه خليفة حفتر مع فائز السراج. اذ جرى استدعاء الأخير لزيارة روما قبل عودته الى طرابلس والضغط عليه لتوقيع مذكرة تفاهم حول الهجرة غير الشرعية مؤكدة لفرنسا ان اية حلول للازمة لا بد ان تمر على ايطاليا.
ويشار إلى أن تداعيات التنافس والصراع الاستعماري المذكور أثر على مواقف البعثة الاممية لدى ليبيا حيث تميزت بالتخبط والتناقض. فعلى سبيل المثال استنكر غسان سلامة دخول قوات حفتر الى سبها ليتراجع بعد ذلك ويرحب بعملية تطهير الجنوب.
معضلة الجنوب
وعرف شهر شباط تحرك قوات حفتر وسيطرتها على عاصمة الإقليم الجنوبي سبها دون قتال أو مواجهة حتى بسيطة، بمعنى أن لحفتر قبولًا لدى الأغلبية الساحقة من مكونات سبها والتي عارضت سابقا وجود قوات محسوبة على حكومة الوفاق وتحديدا من كتائب مصراتة. تحرك عسكري لحفتر رد عليه السراج بتعيين آمر عسكري لمنطقة سبها الشيء الذي يضع قوات السراج وقوات حفتر وجه لوجه وفي ظل الخلاف العميق بين الطرفين فمن البديهي وقوع احتكاك ومواجهة نسفت لاحقا الجهود في أن يكون هناك حل سلمي وسياسي للأزمة.
لقد أوشك الجنوب الليبي على الضياع، حيث تؤكد الأمم المتحدة وجود 700 ألف مهاجر غير شرعي وأقرت أيضا بوجود مجموعات مسلحة من الخارج، في حين كشف السراج أن عدد المهاجرين غير الشرعيين هو 800 ألف وسواء أكان عدد المهاجرين هو ذلك الذي أكدته الأمم المتحدة أم الذي صرح به السراج فإن إختلالا ديمغرافيا حصل في الجنوب الذي يقطنه 700 ألف ليبي.
هجوم حفتر على طرابلس
تفاجأ جل المتابعين للشأن الليبي في شهر نيسان بما يحصل في بلد عمر المختار من هجوم لقوات خليفة حفتر على العاصمة طرابلس وقتاله لقوات موالية لحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج الذي كان وحكومته ومجلس رئاسته نتاجا لاتفاق الصخيرات الذي يرفض حفتر الاعتراف به. فالسراج وجماعته يحظون بدعم إيطالي ويحظون أيضا ومن خلال روما بدعم أمريكي وبريطاني باعتبار أن الإيطاليين هم رعاة المصالح الأمريكية والبريطانية في ليبيا.
وقد أثارت جرأة حفتر على المجلس الرئاسي بطرابلس الكثير من الاستغراب والشك والريبة لدى عدد هام من المراقبين خاصة وأن اللواء الليبي المتقاعد يوالي بدوره أطرافا غربية وعربية لا يتصور أنها في الأوضاع العادية تسمح له بالذهاب إلى هذا الحد رغم معارضته لاتفاق الصخيرات واعتباره في أكثر من مناسبة أن حكام طرابلس المدعومين من أطراف "أصولية" لا يحظون بالشرعية. كما أن القوات التي بحوزة حفتر لم تكن، بحسب خبراء عسكريين وعارفين بالشأن الليبي، تمتلك المعدات اللوجيستية الكافية لخوض معركة طويلة الأمد في عمق طرابلس.
مساعي الجوار
وفي شهر حزيران، وفي إطار متابعة تنفيذ المبادرة الرئاسية الثلاثية للتسوية السياسية الشاملة في ليبيا، وبدعوة من وزير الشؤون الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، عقد وزراء خارجية تونس والجزائر ومصر اجتماعا تشاوريا حول ليبيا. وبحث وزراء خارجية الدول الثلاث خلال الاجتماع، السبل الكفيلة بوقف الاقتتال الدائر في هذا البلد الشقيق، واستئناف المسار السياسي الجاري تحت رعاية الامم المتحدة، خاصة في ظل التطورات الخطيرة التي تشهدها الأوضاع منذ بداية شهر نيسان واستمرار المواجهات العسكرية في محيط العاصمة طرابلس.
و صدر إعلان تونس للتسوية السياسية الشاملة في ليبيا الذي جاء تجسيدا لمبادرة رئيس الجمهورية التونسية الراحل الباجي قايد السبسي لتسوية الأزمة الليبية، وأكد بالخصوص على تحقيق المصالحة الشاملة في ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدتها الترابية والتمسك بالحلّ السياسي ورفض أي حلّ عسكري وأي تدخّل خارجي في الشؤون الداخلية لليبيا.
وفي شهر حزيران أيضا تمكنت القوات الموالية لحكومة الوفاق من شن هجوم على غريان و طرد قوات حفتر بعد أن تمكن أسامة الجويلي من اختراق أبناء الزنتان في جيش حفتر باعتباره أصيل الزنتان . فتمكن من السيطرة على مناطق "ابو رشادة - القواسم - المستشفى التعليمي غريان –مقر غرفة عمليات الكرامة فانسحبت اغلب قوات القيادة العامة كما أن غرفة عمليات طوفان الكرامة التابعة لحفتر والتي يديرها عبد السلام الحاسي تعاني خللا وضعفا ساهم في حدوث ما حدث وقد قلل المتحدث باسم حفتر احمد المسماري يومها من اهمية هذه التطورات مؤكدا بان خلايا نائمة تحركت في المنطقة المعروفة بالقواسم وان الجيش سوف يعيد السيطرة على الوضع .
مؤتمر برلين
وعرف شهر أكتوبر تشرين أول حلول وزير الخارجية الألماني بطرابلس في زيارة غير معلنة و التقى فور وصوله رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج. وتأتي زيارة الوزير الألماني إلى طرابلس في سياق التحضير لانجاز المؤتمر الدولي حول ليبيا.
وكان السراج رحب بانعقاد المؤتمر الدولي المذكور شرط عدم الوقوع في أخطاء الماضي دون المزيد من التوضيحات ودون تحديد تلك الأخطاء. من جانبه أكد الوزير الألماني على انجاز المؤتمر قبل نهاية العام الجاري والخروج بتوصيات تخدم جهود إنهاء الأزمة أي حصول توافق بين الأطراف المشاركة وتفاعل الأطراف المحلية الفاعلة على الأرض.
اتفاق السراج - اردوغان
واختتم العام باتفاق مثير للجدل بين الرئيس التركي رجب طيب اردوغان و رئيس حكومة الوفاق الليبية فائز السراج وصرح أردوغان بأن أنقرة لن تتراجع عن تنفيذ هذا الاتفاق. وبمجرد توقيع الاتفاق تحركت مصر عبر الرئيس عبد الفتاح السيسي ودعت لاجتماع عاجل ثلاثي يجمع - القاهرة وأثينا ونيقوسيا باعتبار الدول الثلاثة تجمعها اتفاقية تعاون عسكري - أمني وبجري للرد على الاتفاق الموقع بين أنقرة وطرابلس - من جهتها استدعت الخارجية اليونانية السفير التركي لدى اليونان وطلبت منه توضيحات حول مضمون الاتفاق.
وعبر مجلس النواب الليبي في طبرق عن رفض الاتفاق الموقع بين السراج واردوغان، وذكر المتحدث باسم المجلس أن السراج فاقد للصفة تبعا للمحكمة ذات الاختصاص في مدينة البيضاء. وجدد المتحدث باسم البرلمان التأكيد على أن طوق النجاة لليبيا هو جيشها الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر. في الأثناء تزداد معركة طرابلس ضراوة وعنفا وبدأ سكان المدينة يغادرونها واستعدت تونس لاستقبالهم في انتظار أن تحسم هذه الحرب أو تحصل هدنة أو اتفاق ينهيها.
إقرأ المزيد في: بانوراما 2019
30/12/2019