إنا على العهد

ترجمات

تحليل غربي: أوروبا همّشت نفسها
03/03/2025

تحليل غربي: أوروبا همّشت نفسها

قال الكاتب في موقع "آسيا تايمز" جان كريك إنّ أوروبا تجد نفسها عالقة في أرض مقطوعة جيوسياسيًّا، وذلك في ظل دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وإيحائه بأنّ هناك تحولاً كبيراً في السياسة الأميركية.

وفي مقال له، أشار الكاتب إلى أنّ أوروبا تسبّبت بنفور الصين تجاهها، وأنّها قامت بقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، ولم تتوقّع التحول الإستراتيجي التاريخي من قبل ترامب، مضيفًا أنّ أوروبا عزلت نفسها على المسرح العالمي خلال بضعة سنوات فقط.

وذكّر الكاتب بما قاله الدبلوماسي الأميركي هنري كيسنجر عن أنّ ليس للولايات المتحدة أصدقاء دائمين، بل فقط مصالح، واضعًا ملف أوكرانيا في هذا السياق.

وأضاف: "قبل نحو ثلاثين سنة، قامت غالبية الدول الأوروبية بانتخاب قادة سياسيين من ذوي الميول الأطلسية، والذين كانوا منسجمين مع السياسات النيوليبرالية الأميركية"، لافتًا إلى دعم إدارات أميركية متعاقبة، مثل بوش وكلنتون وأوباما، توسع الناتو، ورأى أنّ الحُجّة كانت نشر الديموقراطية والحرية، والذي غطى على الأسباب الجيوسياسية والاقتصادية التي تعود جذورها إلى عهد الاستعمار.

كما تطرق الكاتب إلى نظرية "قلب الأرض" (Heartland Theory)، والتي طرحها العالم الجيوغرافي البريطاني هالفورد ماكندر Halford Mackinder، وذلك في أوائل القرن العشرين، والتي تقول إنّ الهيمنة الغربية تعتمد على الانقسام في منطقة أوراسيا، مشيرًا إلى أنّ ماكندر Mackinder تحدّث عن معركة بين القوى البحرية الناشئة، والتي كانت غالبيتها من أوروبا الغربية، والقوى البرية مثل روسيا والصين والهند، وأضاف أنّ بناء سكك الحديد شكّل تحديًّا للهيمنة البحرية لدى الغرب.

وتابع الكاتب أنّ زبغنيو بريجينسكي Zbigniew Brzezinski قد طوّر نظرية "قلب الأرض" في حقبة الثمانينيات، معتبرًا أنّ أوكرانيا هي البلد المحوري في الصراع على أوراسيا، لافتًا إلى أنّ اتباع بريجينسكي Brzezinski هم من هندسوا توسيع الناتو منذ حقبة التسعينيات، وأنّ إدارت أميركية متعاقبة دعمت هذا الموضوع.

كذلك، رأى الكاتب أنّ الحفاظ على الهيمنة الغربية العالمية استوجب استمرار الانقسامات في أوراسيا، وأنّ مبادرة الحزام والطريق الصينية أيضًا قد أقلقت مؤيدي الحلف الأطلسي، حيث إنّ هذه المبادرة تمتد إلى مختلف أنحاء أوراسيا.

وأردف الكاتب أنّ: "الحرب في أوكرانيا أنجزت المهمة من منظار أطلسي لجهة قطع أوروبا عن أوراسيا، وتفجير خط أنابيب Nord Stream، والذي يربط روسيا وأوروبا، كان جزءًا من البرنامج، إلّا أنّه أضاف أنّ الأطلسيين (أي المؤيدين للحلف الأطلسي)، ما كانوا ليتوقعوا أبدًا أن يُغيّر ترامب المشهد الإستراتيجي بهذا الشكل".

كما تحدّث الكاتب عن العامل المالي، إذ قال إنّ: "الولايات المتحدة تواجه دينًا يتنامى وغير قابل للاستمرار، وعجز في الميزانية وفي التجارة"، موضحًا أنّ هذا العجز الثلاثي يمكن استيعابه فقط إذا ما كان الدولار هو عملة الاحتياط العالمية.

هذا، وأشار الكاتب إلى التريليونات التي تجنيها الولايات المتحدة بسبب نظام الدولار العالمي، لكنه نبّه إلى أنّ الحكومة الأميركية أخذت قروضًا بقيمة 36 تريليون دولار لتعويض العجز في الميزانية. كما ذكر أنّ مدفوعات الفائدة على الدين الوطني هي أكبر من الميزانية العسكرية، وآخذة بالارتفاع، محذرًا من أنّ الولايات المتحدة مُتّجهة نحو الإفلاس أو التضخم المفرط إذا ما استمرّت على هذا المسار.

وتابع أنّ: "أولوية ترامب هي استعادة العافية المالية للولايات المتحدة، والتأكد من أنّ الدولار سيبقى العملة الاحتياطية العالمية"، ورأى أنّ هذا ما يفسر التهديدات التي يطلقها ترامب بفرض العقوبات على الدول التي تحاول اعتماد عملات بديلة.

كما أضاف الكاتب أنّ: "الغرب وضع توسيع الناتو في إطار ممارسة الديموقراطية والحرية، دون أن يُبالي برد الفعل المحتمل من روسيا، وجرى بالتالي اعتماد الأيديولوجية بدلًا من البراغماتية"، منبّهًا من أنّ النزول عن الشجرة سيكون مؤلمًا، مشيرًا إلى أنّ الإعلام الغربي وصف روسيا في بداية الحرب بالضعيفة والفاسدة والتي تملك جيشًا غير فاعل.

هذا، ولفت الكاتب إلى أنّ الغرب اعتمد على ثلاث ركائز انهارت الواحدة تلو الأخرى، وهي أنّ: العقوبات ستؤدي إلى إضعاف الاقتصاد الروسي أو انهياره وإشعال انتفاضة ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أمّا الركيزة الثانية، وفق الكاتب، فكانت عزل روسيا عن العالم الجنوبي (Global South)، بما في ذلك عن الصين والهند، حيث فشلت المساعي في هذا السياق أيضًا. وثالثًا، ذكر الكاتب موضوع إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا عبر أسلحة متفوقة يملكها الناتو، وهو ما لم يحدث.

كذلك، قال الكاتب إنّ: "الغرب لم يعد خطة بديلة، حيث كان واثقًا من أنه يُمكن إرجاع روسيا"، مردفًا أنّ الأوروبيين يضاعفون الجهود في ذات إطار ما اسماه "الحماقة الإستراتيجية"، مشيرًا إلى أنّهم يناقشون صندوق دفاع أوروبي جماعي، وبناء صناعات عسكرية لا تعتمد على الولايات المتحدة.

وأضاف أنّ: "الخبراء يتوقعون أنّ أوروبا قد تحتاج إلى عشر سنوات قبل أن تستطيع الاعتماد على ذاتها عسكريًّا، وهناك عدد متزايد من الدول الأوروبية التي تعرب عن استيائها حيال السياسة المعتمدة في ملف أوكرانيا"، وفي هذا السياق، نبّه الكاتب إلى أنّ نسبة تأييد غالبية القادة الأوروبيين هي دون 30%.

كما أكّد الكاتب أنّ أوروبا تعاني من ضعف جوهري لا يُمكن إخفاؤه، وأنّ أوروبا قد تجد نفسها على الهامش، في حال جرى نقاش بين الولايات المتحدة وروسيا والصين حول مشهد جديد ما بعد الحرب، ويكون بمنزلة اتفاقية يالطا ثانية، وقال إنّ: ""الفيروس الأطلسي" الذي انتشر في أوروبا، خلال العقود الثلاثة المنصرمة، قد غيّر وجه المشهد الأيديولوجي، حيث إنّ ما يُسمّى باليمين مثل حزب البديل في ألمانيا يدعو إلى السلام، بينما ما يُسمّى باليسار مثل "الخضر" يؤيدون مواصلة الحرب".

وفي الختام، تحدّث الكاتب عن ضرورة أن تنظر أوروبا في تحول الأدوار الأيديولوجية والتي ساهمت في المأساة الأوكرانية، وذلك عندما يعود السلام إلى أوكرانيا.

أوروبا

إقرأ المزيد في: ترجمات