معركة أولي البأس

ترجمات

"إسرائيل" تعتمد مقاربة فاشلة في غزة
08/12/2023

"إسرائيل" تعتمد مقاربة فاشلة في غزة

كتب روبرت بايب مقالة نشرت بمجلة "فورين أفارز" قال فيها إن الهدف من مقاربة "إسرائيل" في الحرب الحالية لا يزال غير واضح حتى في الوقت الذي تتقدم القوات الإسرائيلية أكثر عمقاً إلى جنوب غزة، وفق تعبير الكاتب.

وأضاف: بالرغم من أن القادة الإسرائيليين يدّعون أنهم يستهدفون حركة حماس فقط، إلا أن الطبيعة العشوائية للحملة الإسرائيلية تطرح أسئلة حقيقية حول ما تخطط له الحكومة الإسرائيلية، وسأل عما إذا كانت رغبة "إسرائيل" "بتحطيم" غزة هي نتيجة عدم الكفاءة ذاتها التي تمثلت بفشل الجيش الإسرائيلي "الهائل" بالتصدي لعملية طوفان الأقصى، مشيراً إلى أن الجيش الإسرائيلي و المسؤولين الاستخباراتيين كان بحوزتهم معلومات عن مخطط العملية قبل أكثر من عام من تنفيذها.

كذلك سأل عما إذا كان تدمير شمال وجنوب غزة مقدمة من أجل دفع سكان القطاع بأكمله إلى مصر، لافتاً إلى الورقة التي أعدتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية في هذا السياق.

الكاتب الذي يُعد من أشهر الباحثين الأميركيين في قضايا الأمن، أضاف "مهما كان هدف "إسرائيل" النهائي، فإن الدمار الجماعي لغزة يطرح العديد من الإشكاليات الأخلاقية، وتابع أن مقاربة "إسرائيل" مصيرها الفشل حتى على الصعيد الإستراتيجي، معتبراً أن الفشل بدأ يظهر من الآن".

وقال، إن العقاب الجماعي بحق المدنيين لم يقنع سكان غزة بوقف دعم حماس، بل إنه زاد من حالة الكراهية لدى الفلسطينيين، مردفاً بأن الحملة لم تنجح في تفكيك الجماعة التي يقال إنها المستهدفة، وبأنه وبعد مضي أكثر من خمسين يوماً منذ بدء الحرب وبينما تبين بأن "إسرائيل" قادرة على تدمير غزة، إلا أنها عاجزة عن تدمير حماس، معتبرًا أن حماس ربما هي اليوم أقوى مقارنة مع ما كانت عليه سابقاً.

كما قال الكاتب، إن التاريخ إنما يثبت بأن القصف الموسع للمناطق المدنية نادراً ما يحقق أهدافه، وأنه كان من الأفضل لـ"إسرائيل" لو أنها تعلمت هذه الدروس وردّت على عملية طوفان الأقصى بضربات محدودة تستهدف قادة ومقاتلي حماس بدلاً من حملة القصف الجوي العشوائي.

وتابع الكاتب بأن دولًا سعت منذ ولادة القوة الجوية إلى قصف الأعداء بهدف إرضائها وتحطيم معنويات المدنيين، كما أوضح بأنه وبناء على هذه النظرية، فإن المجتمعات ستنتفض ضد حكوماتها وتنضم إلى صفوف الطرف المقابل مع دفعها نحو الانكسار، معتبرًا أن إستراتيجية العقاب القسري هذه كانت في أوجها في الحرب العالمية الثانية، إلا أنها لم تحقق النجاح.

وأضاف الكاتب، أنه ورغم مضي قرابة شهرين على العمليات العسكرية الضخمة ومن دون أية قيود تقريباً من الولايات المتحدة وبقية العالم، فإن "إسرائيل" لم تحقق سوى نتائج هامشية، كما قال إن الخسائر التي ألحقت بحماس لن تقلص التهديد بشكل حقيقي للمواطنين الإسرائيليين، إذ إن عملية طوفان الأقصى أثبتت أن بضع مئات من مقاتلي حماس قادرون على إحداث حالة فوضى عارمة داخل المجتمعات الإسرائيلية.

كذلك أردف، بأن الأسوأ هو أن المسؤولين الإسرائيليين يعترفون بأن عدد "القتلى" المدنيين إثر الحملة العسكرية هو ضعف عدد "القتلى" لدى عناصر حماس، وتابع بأن ذلك إنما يعني بشكل شبه جازم أن "إسرائيل" "تنتج إرهابيين بأعداد أكبر مما تقتل" (وفق تعبير الكاتب)، إذ إن كل مدني "مقتول" لديه أسرة وأصدقاء يرغبون بالالتحاق بحماس من أجل الانتقام.

أما البنية التحتية العسكرية لحماس، فقال الكاتب إنها لم تتضرر كثيراً، وذلك رغم العمليات العسكرية التي استهدفت مستشفى الشفاء الذي زعمت "إسرائيل" أن حماس تستخدمه كمقر عملاني، كما أشار إلى أن المشاهد المصورة تظهر سيطرة "إسرائيل" وتدميرها لمداخل العديد من أنفاق حماس، لكنه أضاف أنه يمكن ترميم هذه الأضرار، واعتبر أن الأهم من ذلك هو أن قادة ومقاتلي حماس أخلوا الأنفاق قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، ما يعني أن أهم مكوّن من بنيتها التحتية -أي مقاتليها- بقوا على قيد الحياة.

كما تابع الكاتب بأن الحملة العسكرية الإسرائيلية لم تؤدِّ في العموم إلى إضعاف سيطرة حماس على غزة، وأن السبيل الوحيد لإلحاق هزيمة دائمة بحماس هو من خلال استهداف قادتها ومقاتليها وفي نفس الوقت فصلهم عن المجتمع المحيط، مشددًا على صعوبة مثل هذه المهمة خاصة وأن حماس تجند صفوفها مباشرة من السكان المحليين وليس من الخارج.

وأشار الكاتب إلى أن الاستطلاعات إنما تعكس كيف أن العمليات العسكرية الإسرائيلية تنتج "إرهابيين" أكثر مما تقتلهم، مستشهداً باستطلاع أجراه المركز العربي للبحث والتنمية في الرابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والذي بيّن أن 76% من المستطلعين قالوا إنهم ينظرون بإيجابية إلى حماس.
كما قال، إن ذلك يعني أن طيفاً واسعاً من الرجال الفلسطينيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً والذين يزداد عددهم عن 500 ألف شخص، أصبحوا قابلين للتجنيد من قبل حماس أو جماعات فلسطينية أخرى تحاول استهداف "إسرائيل" ومواطنيها.

وأضاف الكاتب بأن هذه النتائج تجدد التأكيد على دروس التاريخ، إذ إنه ورغم الاعتقاد السائد، فإن غالبية "الإرهابيين" لا يختارون "مهنتهم" بسبب الدين أو العقيدة، وإنما بسبب مصادرة أراضيهم.. كما رجّح بأن تؤدي إعادة احتلال غزة "لأجل غير مسمى" كما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى موجة جديدة من "الهجمات الانتحارية" ضد المواطنين الإسرائيليين، منبهاً من إمكانية أن تكون مثل هذه الموجة أكبر من سابقاتها.

كذلك رأى الكاتب، أن زيادة عديد اليهود في الأراضي الفلسطينية تشكل عاملاً مركزياً في إثارة النزاع، مشدداً على أن "حلّ الدولتين" هو فقط ما سيحقق الأمن الدائم للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وفق قوله.

كما تابع الكاتب، بأن السبيل الوحيد لهزيمة حماس على الأمد الطويل هو من خلال خلق فجوة سياسية بينها وبين الشعب الفلسطيني، مضيفاً أن الخطوات الأحادية الإسرائيلية التي تعكس التزاماً حقيقياً بمستقبل جديد ستغير الإطار والديناميات وتعطي الفلسطينيين بديلاً حقيقياً عن دعم حماس والعنف".

غير أن الكاتب أضاف بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تبدي أي استعداد للمضي في هكذا مخطط، لكنه أشار إلى إمكانية أن يتغير ذلك خاصة إذا ما قررت الولايات المتحدة استخدام نفوذها، وتحدث في هذا الإطار عن إمكانية قيام البيت الأبيض بتكثيف الضغوط خلف الكواليس على حكومة نتنياهو بغية الحد من الهجمات العشوائية في الحملة الجوية.

إلا أن الكاتب اعتبر أن الخطوة الأهم، ربما التي تستطيع أن تتخذها واشنطن الآن هي بدء نقاش علني حول سلوك "إسرائيل" في غزة، والذي يجيز البت المعمق في إستراتيجيات بديلة ويكشف المعلومات "الغنية" للأميركيين والإسرائيليين والشعوب حول العالم كي تقيم هي نفسها التداعيات.

كما تحدث الكاتب عن إمكانية أن تصدر الحكومة الأميركية تقييمات حول آثار الحملة العسكرية الإسرائيلية على حماس والمدنيين الفلسطينيين، وقال إن بإمكان الكونغرس عقد جلسات استماع حول سؤال أساس وهو ما إذا كانت الحملة "تنتج الإرهابيين أكثر مما تقتلهم".

واعتبر الكاتب أن فشل المقاربة الإسرائيلية الحالية يتضح يوماً بعد يوم، وأن النقاش العلني المستمر حول ذلك، إلى جانب دراسة حقيقية "للبدائل الذكية"، إنما يشكل الفرصة الأفضل لإقناع "إسرائيل" بالقيام بما يخدم مصالحها القومية نفسها.

إقرأ المزيد في: ترجمات