فصل الخطاب
السيد نصرالله لسيد شهداء المقاومة: حفظنا الوصية.. المقاومة أقوى من أي زمن مضى.. اسرائيل ستزول
أكْد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله أنّ السيد عباس الموسوي غاب بجسده لكن بالروح والفكر والثقافة والأخوّة والرّفاق والتّلامذة والعائلة وكلّ من واصل دربه لا يزال موجوداً بكلماته وخطاباته.
كلام السيد نصرالله جاء في مقابلة مع قناة "المنار" تناولت مسيرة الأمين العام السابق لحزب الله الشهيد السيد عباس الموسوي، حيث كشف أنّه "التقى فيه في 16-17 كانون الأوّل 1976 في النّجف الأشرف بعد أن عرّفه به الشهيد الشيخ علي كريم الذي كانت تربطه معرفة به"، وقال "عندما وصلت إلى النّجف كان عمري 16 عامًا وكانت المرّة الأولى التي أسافر فيها خارج لبنان، وبعدها أخذني السيد عباس إلى الشهيد السيد محمد باقر الصدر "قدس" بعد أن ذهبنا إلى منزله، وما إن التقينا بالسيد الصدر حتّى أخذ يسألني بمجموعة أسئلة عن لبنان تخصّ السيد محمد الغروي الذي سلّمني ثلاثة رسائل لمراجع كبار لأعرضها عليهم ومنهم السيد الصدر، وحينها طلب من السيد عباس الموسوي ترتيب كلّ أموري السكنية والمعيشية والدراسية وأعطاني مبلغ من المال".
وعن تطوّر علاقته بالسيد عباس الموسوي، قال السيد حسن نصر الله: "السيد عباس الموسوي كان ذكي جداً وحاضر ولديه جدّية في عمله ودرسه، وكان طالبًا مُجِدًّا جدًا ولا وقت لديه ليضيّعه وفي أوّل زيارة له إلى النّجف بقي هناك 3 سنوات متواصلة على غير عادة الطلبة، وتبنّى مجموعة من الطلاب ومن حسن التوفيق أنّه بجوار منزله كانت هناك مدرسة أخذني إلى غرفة فيها وأسكنني بها".
وأضاف السيد نصرالله أنّ "السيد عباس كان عندما يعطي الدرس في اليوم التالي ويقوم بالتسميع وفي أوّل سنة دراسية في النّجف الأشرف معه لم تكن هناك عطل أبدًا، فالسنة الدراسية مع السيد عباس الموسوي كانت توازي 3 سنوات بدون مبالغة من حيث الدروس وجدّية التّحصيل.. وكان دائماً وفي كلّ يوم يسأل عن الطلاب وعن أكلهم وشؤونهم وكلّ أمورهم، وكان يمشي يومياً إلى الدرس والزيارة في حرم أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام نحو 3 كيلو متر، وفي النجف الأشرف كان الأب والأم لطلبته، ويعمل على تخريج القادة والكوادر".
وتابع سماحته "لقد ذهبنا مع السيد عباس مشياً إلى الزيارة في كربلاء، وبعد أن بدأت مرحلة الاعتقالات سألت سلطات صدام حسين عن السيد عباس بعد أن كان قد ذهب إلى لبنان للتبليغ، عندها أرسلنا إلى السيد عباس أنّ سلطات صدام تبحث عنه وعليه أن لا يعود إلى النجف لكي لا يتمّ القبض عليه، وهي حضرت إلى مدرستنا وبدأت تأخذ الطلاب لكن نحن كنّا في زيارة أمير المؤمين (ع) وهذا ما نجّانا من يدهم، وبعد العودة من النّجف أوّل من سألنا عنه هو أستاذنا السيد عباس الموسوي فذهبنا إلى منزل أهله في الشياح وسألناه ما الذي يجب أن نفعله؟.
وعن المرحلة التي عاد فيها السيد عباس الموسوي إلى لبنان، لفت السيد نصرالله إلى أنّ السيد عباس الموسوي حصل على إجازة من السيد محمد باقر الصدر لتأسيس حوزة دينية في منطقة بعلبك وكذلك دعم من السيد موسى الصدر وعلى دعم لعدّة سنوات من السيد محمد حسين فضل الله"، مضيفاً أنّه "كانت علاقة السيد عباس مع الشهيد محمد باقر الصدر علاقة مميّزة وكان متأثّراً جداً به ويعتقد بمرجعيته وقيادته وولايته، وذائبًا وفانيًا به، ولكن أيضاً كان يحترم كلّ المراجع الدينيّة".
وأضاف السيد نصرالله أنّه خلال انتصار الثورة الإسلامية في إيران، كان العالم كلّه يواكب حركة الإمام الخميني (قده) ويوم الإنتصار كانت الفرحة عارمة جدًا وكان حلمنا الذي يتحقّق والسيد عباس الموسوي كان متفاعلًا جدًا وكان الأكثر سعادة.
وأشار السيد نصرالله إلى أنّ رعاية السيد عباس الأبوية والاجتماعيّة والدينيّة والشخصيّة للطلاب كانت مستمرّة، وأهم أسلوب تبليغي كان يعتمده هو السهرات الليليّة، مضيفًا أنّ هيئة علماء البقاع كان السيد عباس أحد المؤسّسين الأساسيين لها.
كما أضاف السيد نصرالله أنّه عندما "حصل الاجتياح الإسرائيلي للبنان نحن كنّا في طهران وعدنا والموقف حسم منذ البَداية هناك بمواجهة العدو الإسرائيلي وقتاله حتّى إخراجه من لبنان"، لافتًا إلى أنّ المكان والإطار الذي تأسّس فيه حزب الله هو من خلال صدفة طيّبة في الحوزة الدينية في بعلبك، وبيّن أنّ سبب مجيء الحرس الثوري إلى لبنان هو اعتقاد الإمام الخميني (قدس) أنّ الاجتياح لن يقف حيث وقف، إذ بقي قسم من الحرس للتّدريب في لبنان وكانت مخيّمات الحرس مفتوحة لكلّ من يريد قتال "اسرائيل"، والسيد عباس كان أساسيًا في كلّ اللّقاءات التي عُقدت من اليوم الأوّل للتأسيس، وكان المتحدّث باسم الوفد التأسيسي عند الإمام الخميني.
ورأى السيد نصرالله أنّ "خطّنا الأساسي كان مواجهة الاحتلال وعنواننا الرّئيسي كان المقاومة وكلّ شيء أتى فيما بعد، والإمام الخميني بارك الخطوة وأيّدها وتحدّث عن النصر وقال "إني أرى لواء النصر معقودًا في جبينكم".
واعتبر السيد نصرالله أنّ موضوع ولاية الفقيه لدى السيد عباس هو من فكر السيد محمد باقر الصدر ومع انتصار الثورة الإسلامية طبّق الإمام الخميني ولاية الفقيه علماً أنّ أهم من أصّل لفكرة ولاية الفقيه هم فقهاء جبل عامل.
وحول اختيار اسم حزب الله، بيّن السيد نصرالله أنّه "كان التّوفيق من الله سبحانه وتعالى فالأرض والقواعد والمقـاومة في حزب الله هي التي ذهبت في البداية إلى هذا الاسم".
وكشف أنّ أوّل قاعدة عسكرية للمقاومة في بعلبك كانت في المدرسة الدينية والسيد عباس من اليوم الأوّل ارتدى البدلة العسكرية مع العمامة وكان يضع العباءة فوق البدلة، وهو حضر في الدورة التدريبية الأولى وكان معه الحاج محمد رعد وكانت نوبتنا نحن في الدورة الثانية.
ولفت السيد نصرالله إلى أنّه بالموقع التنظيمي أوّل شورى شكّلت لحزب الله بالانتخاب كان السيد عباس عضوًا فيها وبقي ينتخب دائمًا إلى أن انتُخب أمينًا عامًا تولّى مسؤوليات بعضها غير علني، وأعطى في الجنوب جهدًا كبيرًا للمقاومة والعمل العسكري وكان يبيت في منازل الشباب، ويقضي وقته كلّه في الجنوب حينما كان مستباحًا وحركته علنيّة وكان يحضر تشييع الشهداء ويخطب في المناسبات، وعلاقته مع شباب المقاومة كانت ممتازة وعاطفيّة ويحضر إلى غرف العمليات ويودّع الشّباب قبل توجّههم إلى العمليات وكان موجودًا في الخطوط الأمامية.
وتابع السيد نصرالله أنّ السيد عباس كان ليلة الجمعة يأتي من الجنوب إلى الضّاحية يجلس معي ساعة أو ساعتين ويذهب إلى البقاع يصلّي صلاة الجمعة هناك ثمّ يعود إلى الجنوب مساء الجمعة أو صباح السبت ، بحيث كانت سيارته هي منزله.
وبيّن أنّه وقت حصلت عملية الأسيرين عام 1986 ذهب السيد عباس إلى صريفا التي كانت خطّ التّماس الجديد وطلب إليه الشباب أن ينتقل إلى قرية خلفية ولم يكن يقبل فطُلِب مني أن أتحدّث أنا إليه وأطلب منه ذلك لكنّه رفض وبقي إلى أن انتهت العملية وغادر الإسرائيليون صريفا.
كما لفت السيد نصرالله إلى أنّ مشروعنا الحقيقي هو العدالة والسّلام ومشروع المقاومة الانتصار وحماية الناس والدفاع عن الحرية والوطن والأمة والمقدّسات، وما حصل في لبنان هو مصداق للوعد الإلهي في كتابه و"اسرائيل" هذه ستزول من الوجود هذا الكيان سيزول هذا الكيان مؤقت وأؤيد إطلاق تسمية الكيان المؤقت عليه.
وكشف السيد نصرالله أنّ موضوع الحرب مع لبنان يُضرَب له ألف حساب ولم يعُد كإدخال فرقة موسيقية.
وعن انتخاب أمين عام لحزب الله، قال السيد نصرالله أنّه "بقينا عشرة أيام لانتخاب أمين عام وكلّ يوم نتجادل مع السيد عباس ليقبل في النّهاية قال لي الاخوان في هذه الجولة إذا لم يقبل السيد عباس عليك أن تقبل أنت" مضيفًأ أنّ "السيد عباس لم يكن يسعى إلى أي منصب في حزب الله ولم يطلب أي دنيا من حزب الله وعند السيد عباس "ما في شي اسمو عباس الموسوي".
كما اعتبر السيد نصرالله أنّ السيد عباس الموسوي كان في مواجهة الأعداء صلب لا يلين لديه شجاعة منقطعة النّظير وفي قلبه لا مكان ولو ذرّة للخوف، وفي المُقابل كان مع الناس حنون ومحب وعاطفي ودود ومتواضع للصغير والكبير لا أنانية أو تكبر لديه، وكان فوق كلّ العصبيات.
ورأى أنّه "عندما يطلبون منّا أن نسكت فلينظروا إلى كلّ الذين سكتوا وسلموا سلاحهم وليأخذوا الجواب فعندما تسكت وتسلم سلاحك وتستسلم ماذا تقول لعــدوك، تقول أنا ذليل وضعيف وهو مستكبر سيزيدك ضعفًا".
كما أشار السيد نصرالله أنّ السيد عباس الموسوي كان من البداية مهتمًا بالموضوع الاجتماعي وبالفقر والحاجة، فيما فتح علاقات واسعة لحماية المقاومة وتحصينها سياسيًا
ورأى السيد نصرالله أنّ السيد عباس الموسوي كان رأيه بوجوب المشاركة في الانتخابات النيابيّة، والفكرة كانت أنّ حضورنا في المجلس النيابي ومؤسّسات الدولة يحقّق حماية المقاومة حتى لا تُطعن من الخلف ومن أجل خدمة الناس.
وأضاف أنّه قبل شهادته بشهرين تقريبًا قال السيد عباس الموسوي لي "أنا مش مطوّل" وأخبرني مناماً فسّر بأنّه سوف يستشهد مع السيدة أم ياسر وابنه حسين وكان لديه يقين أنّه سوف يستشهد على يد الصّهاينة.
وكشف أنّ السيد عباس الموسوي كان ليلة شهادته مريضاً جداً ولديه رشح قوي ولم يكن قادراً حتّى على الوقوف لكنّه في اليوم التالي قام وذهب إلى جبشيت.
واعتبر السيد نصرالله أنّ المقاومة أقوى من أي زمن مضى ولم يمرّ على المقاومة الإسلامية زمن أو يوم كانت فيه بهذه القوّة بكلّ أبعادها العسكرية والمادية والروحية والإيمانيّة، ولا سقف لهذه المقاومة وهي تُدرك جدّيًا حجم التّهديد والمخاطر والمشروع وبالتّالي ستبقى محكومة بـ"وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة".
وحول جمهور وبيئة المقاومة اعتبر السيد نصرالله أنّها أكبر من أي زمن مضى، وهذا الجمهور هو أكبر جمهور في لبنان وهو ليس فقط قصّة عدد بل هناك جمهور وبيئة مضحية تعطيك أولادها حتّى الوحيد منهم ليقاتل وهناك بيئة تتحمّل معك التّبعات وهي تصرّ على خيارها وهذا أمر عظيم جدًا، لافتًا إلى أنّ جمهور المقاومة اليوم يخوض معركة لا تقلّ قساوة عن القصف الجوي الذي يحصل في الحرب.
وتوجّه السيد نصر الله قائلاً للسيد عباس الموسوي: أنت يا سيّدنا كنت تتحدّث عن إزالة "إسرائيل" من الوجود نعم هذه المقاومة تسير باتّجاه هذا الهدف والوصية محفوظة.
وأضاف شهادة السيد عباس أدخلت المقاومة وحزب الله إلى كلّ عقل وبيت وضمير وحمّلت مسؤولية لمن بقي بعده أن لا يفكّر لا بالملل ولا بالتّعب ولا باليأس هذه الشهادة أحدثت تحوّلًا روحيًا هائلًا ولا شكّ أنّها كانت لمسيرتنا مفصلًا تاريخيًا وأسّست لمرحلة جديدة كمًا ونوعًا.
وختم سماحته بالقول أعتبر نفسي واحدًا من شباب المقاومة وربّما أصغرهم، مشيراً إلى أنّ الكرة الأرضية تقترب وتسير باتّجاه العدل الذي يُريده الله ومنطقتنا لن تبقى بهذا الظلم والظّلام.
لمشاهدة المقابلة كاملة إضغط هنا
إقرأ المزيد في: فصل الخطاب
25/08/2024