معادلة الردع
كيان العدو تحت رحمة الرد الآتي.. شلل كامل
أحمد فؤاد
"هو سيد كما يصفون، سيد في النسب، فجده نبي الأمة، وسيد في الكلام والخطابة، وهو سيد في الوقار واللين، وسيد في القيادة والحنكة".. الجملة السابقة كانت افتتاحية مقال الأستاذ محمد حسنين هيكل، عن لقاء له مع سماحة السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، وتستحق أن توضع فاتحة لخطاب السيد الأخير، فما بعده ليس بالتأكيد كما كان قبله، السيد بعبارات بليغة، ومواقف حاسمة، وضع أساس علاقة جديدة في الشرق الأوسط، جديدة بالكامل.
على مستوى الحدث، الخطاب تاريخي، بكل ما تحمله الكلمة -التي أساء إعلام البترودولار إليها للأسف- من معنى. عبارات لا تحتمل التأويل والاجتهاد، رد المقاومة آت حتمًا، والتوقيت والهدف بيد الظروف الموضوعية والقادة الميدانيين، وهذا الرد سيضمن تحقق الردع مع العدو الصهيوني.
السيد، خلال خطابه، مارس أقصى درجات الحرب النفسية على العدو، المأزوم أصلًا، وأحرق بطاقات جرّ الحزب ولبنان إلى مواجهة بالتوقيت الصهيوني. هذه ليست أول مرة ينجح فيها الحزب في إدارة الصراع، مهما كانت الظروف معقدة، ومهما كان الظرف الدولي غير مناسب، فمن المهم إن قررت أن تخوض معركة، أن لا تدع للخصم اختيار القواعد والقوانين.
سجل السيد النصر على العدو الصهيوني نقطة بتفويت فرصة الرد المتعجل. وهو حق لا شك، من أجل التهيئة لظرف يناسب الحزب ولبنان، ومحور المقاومة بأكمله. والتحكم بتوقيت الرد، وإن بدا للبعض غير مفهوم في مقاصده، يحقق اليوم نصرًا آخر، يخص الجبهة الداخلية لكيان العدو. فجيش الدمى صار أضحوكة "السوشيل ميديا"، وانهارت في تتابع بديع كل الأكاذيب التي يحاول العدو نسجها حول قدرته وقوته وجبروت آلته العسكرية، والتي -للمرارة- تنطلق بأقلام عربية، وفرت لها عروش الخليج المال للقيام بدور حصان طروادة على وعي الشعوب المقهورة.
الكيان الصهيوني، كما وصفه سيد الوعد الصادق، كان "أوهن من بيت العنكبوت"، وسيظل في وهنه وضعفه، طالما امتلكت المقاومة الإرادة والقدرة لكشفه، والمجتمع الذي ينتمي اليه الجيش الصهيوني ليس شعبًا ودولة، بل مشروع استعماري، يتغذى على الفرقة والضعف والتخاذل العربي، ومجرد التلويح بالرد تسبب في فراغ هائل بشمال فلسطين المحتلة، الكل هرب إلى مناطق أبعد، والجيش المنوط به حفظ الحدود وأمنها، يخشى الاقتراب لكي لا يكون صيدًا سهلًا للمقاومة.
بالطبع لم تخرج الأخبار بعد، من الصحف التي تخضع للرقيب العسكري الصهيوني، لكن "يديعوت أحرونوت" كتبت منذ أيام ثلاث، عن حالة الرعب والفزغ في المغتصبات القريبة من غزة، نتيجة صورايخ وقذائف المقاومة الفلسطينية الباسلة، وأوردت الصحيفة نصًا: "إن الفترة الماضية شهدت ارتفاعاً هائلاً بأعداد المستوطنين المتوجهين لمراكز الدعم النفسي في مستوطنات غلاف غزة، وأن 3381 مستوطناً جديداً توجهوا خلال الشهور الماضية لتلقي علاج نفسي، بسبب نقص في ساعات النوم، كذلك عدم التوجه للعمل، إضافة إلى حالات القلق والتوتر التي تعاني منها معظم الحالات"، وأضافت الصحيفة: "إن الوضع الأمني الصعب في غلاف غزة يؤثر على المستوطنين هناك، خاصة مع اقتراب العام الدراسي الجديد حيث أعرب بعض المستوطنين عن قلقهم من إرسال أبنائهم للمدارس خشية وقوع تصعيد مفاجئ".
ويمكن بالقياس العقلي، فقط، تخيل الحال في شمال فلسطين المحتلة، وصولًا إلى "تل أبيب"، مع اليقين الصهيوني بفارق القدرة الشاسع بين غزة المحاصرة وحزب الله، والفوارق بين حرب 2006 والاشتباكات المتتالية في غزة، للخروج بنتيجة واحدة، تقول إن نصف الكيان الصهيوني على الأقل يعيش في حال شلل كامل، ينتظر فقط الرد من المقاومة.
الأمنيات الصهيونية باتت تدور فقط حول "رد محدود" من الحزب، بعد أن ربحت المقاومة الجولة الأولى. هذه الأمنيات عبر عنها أحد "العقول المفكرة" في الكيان عاموس يدلين، مدير معهد أبحاث الأمن القومي ورئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني السابق، الذي رجح أن يكون الرد محدودًا، بحيث لا يتسبب في التدحرج إلى حرب، وهو ترجيح أقرب ما تكون للتمني من التوقع، فالكيان لن يحتمل ضربة كبيرة، تتسبب في زيادة اهتزاز الأرضية التي يقف عليها، وهي بالفعل تتشقق من تحته.
إقرأ المزيد في: معادلة الردع
03/09/2019