معركة أولي البأس

حصاد العام 2018

العراق 2018... عام الانتخابات وترتيب أوراق ما بعد
31/12/2018

العراق 2018... عام الانتخابات وترتيب أوراق ما بعد "داعش"

بغداد: عادل الجبوري

مثلما كانت الأعوام السابقة حافلة بالكثير من الأحداث والوقائع السياسية والأمنية المهمة في العراق، شهد العام 2018 أحداثاً ومحطات مفصلية، شغلت حيزاً واسعاً من الاهتمام، وتركت بصمات شاخصة في المشهد العراقي العام.

معارك انتخابية ساخنة     

وإذا كان العام الماضي 2017، قد اعتبر عام القضاء على تنظيم "داعش" الارهابي، وتحقيق الانتصار التاريخي الكبير بفضل تكاتف وتآزر كافة مكونات الشعب العراقي، فإنه يمكن اعتبار عام 2018، عام الحراك الانتخابي الأكثر إثارة وجدلاً واختلافاً.

ورغم أن أحداثاً ووقائع كثيرة وكبيرة وملفتة، تخللت المشهد العراقي، خلال عام 2018، الا أن الملف الانتخابي شغل الحيز الأكبر والأوسع.

وبينما تم تأجيل انتخابات مجالس المحافظات التي كان من المقرر اجراؤها في خريف عام 2017، الى إشعار آخر، بدا أن هناك إصراراً على إجراء الانتخابات البرلمانية العامة في الثاني عشر من شهر ايار/ مايو الماضي، وهو الموعد الذي حدده مجلس الوزراء العراقي.

ولأنه منذ بداية عام 2018، كانت مجمل المؤشرات قد ذهبت الى أن إجراء الانتخابات في موعدها المذكور بات أمراً محسوماً وحتمياً، لذلك فإن مختلف القوى والكيانات السياسية راحت ترتب أوراقها وتتهيأ لخوض معركة الانتخابات بكل ما لديها من امكانيات.

وهكذا ألقت الانتخابات بظلالها على عموم المشهد منذ بداية العام، لتصبح الحدث رقم واحد تقريباً، وحتى بعد أن وضعت تلك المعركة أوزارها، ظل المشهد محتدماً الى حد كبير، لأن النتائج التي خرجت بها، واللغط الذي أثير حول عمل مفوضية الانتخابات، وطبيعة الاصطفافات والتحالفات التي أفرزتها، كانت من العوامل المؤثرة في رفع وتيرة الاحتقانات والتشنجات السياسية، وهو ما انعكس فيما بعد على موضوع تشكيل الكتلة البرلمانية الأكبر، واختيار رئيس الوزراء، ومن ثم تشكيل الحكومة الجديدة، والتي انتهى العام دون تكتمل حتى الآن.

ونفس المشهد الانتخابي العام، تجلى وبرز في إقليم كردستان، اذ إن انتخابات البرلمان المحلي التي جرت في الثلاثين من شهر ايلول/سبتمبر الماضي، أفرزت أرقاما حرجة ومعقدة، عمقت المأزق السياسي الكردي، وأبقت الأمور معلقة، مثلما هو الحال في بغداد، وربما يحتاج الأكراد الى عدة شهور لحسم أمر رئاسة برلمانهم، ورئاسة الحكومة والاقليم، وآلية توزيع الحقائب الوزارية والمناصب العليا الأخرى بين القوى المتنافسة والمتصارعة.         

الحشد الشعبي في دائرة الاستهداف

وفي الوقت الذي كان الحشد الشعبي حاضراً فيه بقوة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وشكل، من خلال عدة عناوين سياسية، رقماً صعباً ومحورياً، فإنه بقي ضمن دائرة الاستهداف السياسي من قبل جهات خارجية وداخلية عديدة، في مقدمتها الولايات المتحدة الاميركية والسعودية.

وقد شهدنا خلال عام 2018، حملات اعلامية وسياسية ممنهجة ومنظمة ضد الحشد، وهذه الحملات جاءت ضمن المحاولات والمساعي المحمومة، لتفكيكه وانهاء وجوده، بيد أن تلك المحاولات قوبلت بمواقف سياسية وشعبية حازمة وقوية، كانت بمثابة رسائلة بالغة الأهمية والدلالة عن المكانة الكبيرة والمهمة التي شغلها الحشد الشعبي، لا على الأرض فحسب، وانما في نفوس وقلوب معظم العراقيين.

والى جانب استهداف الحشد، فإن مساعي واشنطن لتعزيز وجودها العسكري في العراق استمرت وتواصلت بطرق وأساليب مختلفة، وربما جاءت الزيارة السريعة والسرية الأخيرة التي قام بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعراق ليلة الخامس والعشرين من شهر كانون الاول/ ديسمبر الجاري، لتفقد الجنود الأميركيين وتقديم التهاني لهم بمناسبة أعياد الميلاد، في اطار النهج الأميركي العدواني المرفوض من قبل العراق جملة وتفصيلا.  

ويبدو أن المواقف السياسية والشعبية التي أدت الى سن قانون الحشد الشعبي قبل أكثر من عامين، هي ذاتها التي ستساهم في تشريع قانون انهاء التواجد الأجنبي في البلاد في غضون الفترة القصيرة المقبلة.   

تظاهرات احتجاجية    

وقد هيأ الانتصار التاريخي الكبير على تنظيم "داعش" الارهابي، الظروف المناسبة، لكي تتصدر المطالب الشعبية بتحسين الخدمات ومحاربة الفساد والقضاء على البطالة، اهتمامات وأولويات شرائح وقطاعات اجتماعية مختلفة، اذ مثلت التظاهرات الاحتجاجية التي شهدتها مدن ومحافظات عراقية عديدة، أبرز تعبير عن حجم المشكلات والأزمات التي يفترض بالجهات المسؤولية والمعنية حلها ومعالجتها، في سياق مرحلة الاصلاح واعادة البناء التي أعقبت مرحلة الحرب ضد الارهاب.

ولعل التظاهرات الاحتجاجية الأكبر والأوسع، هي تلك التي شهدتها محافظة البصرة، ثالث أكبر محافظات العراق بعد العاصمة بغداد ونينوى، والأغنى من ناحية الثروات النفطية، والبعد الاقتصادي التجاري.

وقد انطلقت التظاهرات الاحتجاجية في البصرة في شهر تموز/ مايو الماضي، وهدأت قليلاً بعد أسابيع، لتعاود التصعيد في أواخر شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، ومن ثم تأخذ طابعا سياسيا الى حد ما في منتصف شهر كانون الاول/ ديسمبر الجاري، ارتباطا بملابسات الصراع والتنافس حول منصب المحافظ ومنصب رئيس مجلس المحافظة بين عدد من الكتل والقوى والشخصيات السياسية.

ولا شك أنه في ظل استمرارـ بل استفحال ـ مظاهر الفساد والتردي الاداري والمالي، والتنافس السياسي المحموم على مواقع السلطة والهيمنة والنفوذ، من الطبيعي جداً أن تتصاعد حمى التظاهرات الاحتجاجية، وكذلك من الطبيعي أن تتداخل الأجندات والمشاريع التخريبية مع المطالب المشروعة، وهذا ما تم التحذير منه والتنبيه اليه من قبل أوساط ومحافل مختفلة، تخشى من انزلاق الأمور الى منعطفات ومسارات خطيرة.

وتجنب هذا الخيار السيئ والخطير، يتمثل في سرعة وجدية استجابة الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية لمطالب الناس، وطرح الحلول والمعالجات الواقعية والسريعة التي من شأنها أن تنعكس على الجوانب الحياتية والمعيشية لعموم المواطنين، لا سيما الطبقات الفقيرة والمحرومة منهم.

ولعل تصدي شخصيات سياسية تمتاز بالعقلانية والاعتدال والمهنية، وتحظى بالمقبولية، مثل عادل عبد المهدي لرئاسة الحكومة، وبرهم صالح لرئاسة الجمهورية، وأسماء أخرى في بعض المناصب الوزارية، يمكن أن يدفع باتجاه اصلاحات حقيقية وضرورية، فيما اذا لم تتشبث القوى السياسية بمصالحها الضيقة، وأجنداتها الخاصة.

مؤشرات أمنية واقتصادية جيدة

وفي خضم الحراك السياسي والشعبي المحتدم، برزت مؤشرات أمنية واقتصادية ايجابية مهمة، ينبغي أن لا تغيب أو تُغيّب، في أي تقييم عام لمسارات واتجاهات الأمور.

ومن بين المؤشرات الأمنية الايجابية، استمرار المنحى التصاعدي لتحسن الوضع الأمني، من خلال الانخفاض الكبير والملموس في العمليات الارهابية، الذي استتبعه انخفاض كبير في ضحايا الارهاب الى مستويات متدنية جداً، وهذا ما أوضحته التقارير الاحصائية  الشهرية لبعثة منظمة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، وتقارير المؤسسات الأمنية والصحية الحكومية العراقية.

وتحسن الوضع الأمني ساعد في عودة أعداد كبيرة من النازحين الى مناطقهم الأصلية، وخصوصاً في محافظات نينوى وصلاح الدين والانبار وديالى، وساعد أيضا في انتعاش عموم الوضع الاقتصادي، الذي كان من بين أبرز معالم تحسنه هو ازدياد صادرات العراقية النفطية، وارتفاع معدلات انتاج الغاز الطبيعي، وتقليل معدلات احراق الغاز المصاحب لعمليات استخراج النفط الخام، وتفعيل وتعزيز العلاقات الاقتصادية، من خلال ابرام اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع عدد من الأطراف الاقليمية والدولية، في مقدمتها الجمهورية الاسلامية الايرانية والصين وروسيا، وهو ما ساهم في زيادة الموارد المالية للعراق، وتنويع مصادرها بدرجة أكبر.

ويؤمل، في حال انحسرت مساحات الصراعات والاحتقانات السياسية، وأتيح للحكومة تنفيذ برنامجها التنموي الاصلاحي، أن تفضي التحولات الأمنية والاقتصادية الايجابية، الى جعل العام الجديد 2019، عام انجازات واستقرار وازدهار وانفتاح في شتى الجوانب والمجالات، ليستعيد العراق حضوره الاقليمي والدولي الفاعل والمؤثر، ويتحرر من الارادات والمشاريع والأجندات الخارجية المضادة لمصالحه الوطنية والمهددة لسيادته واستقلاله.

إقرأ المزيد في: حصاد العام 2018