مقالات مختارة
جعجع محبط وليزا متوتّرة: لماذا لا ينتفض السنّة ضد حزب الله؟
صحيفة الأخبار
القلق من تدهور الأوضاع الداخلية صار واضحًا في مداولات لا تزال بعيدة نسبيًا عن وسائل الإعلام. لكن البارز أن التشاور حول خطورة الأوضاع لا يقتصر على فريق بحدّ ذاته، بل يشمل مروحة واسعة من القوى السياسية والمرجعيات المدنية والعسكرية على حدٍّ سواء.
وينقل مطّلعون على اتّصالات جارية أنه بعد مرور أكثر من شهر على الحرب المفتوحة التي تشنّها "إسرائيل"، يمكن رسم مشهد مناقض لما كان الأميركيون يرغبون فيه. ويلخّص هؤلاء المشهد الحالي بالآتي:
أولًا، يقرّ الدبلوماسيون الأجانب والعرب في لبنان بأن "قصة انهيار حزب الله" لم تعد قائمة في حسابات أو حتّى أذهان أصحاب القرار في العالم، وحتّى في "إسرائيل" نفسها. ويبدو من الأسئلة التي يتوجّه بها "الأجانب" في لبنان مدى "الإحباط من فشل مهمّة فرط الحزب"، ومن بين الأسئلة مثلًا: هل تقاضى عناصر حزب الله رواتبهم كالمعتاد، وهل عادت مؤسسات الحزب المدنية تعمل كالسابق، وما حقيقة أن الحزب أعاد تنشيط علاقاته السياسية وعاد إلى التواصل مع القوى السياسية كافة، ومع الجهات الرسمية؟
ويُعتقد على نطاق واسع بأن الأميركيين يرون أنّ تحركًا داخليًا من شأنه التعويض عن الفشل العسكري، وخصوصًا مع ارتفاع أصوات "إسرائيلية" تسأل حكومة بنيامين نتنياهو عن سبب الفشل في وقف سقوط الصواريخ على المستوطنات الشمالية، وإعلان قيادة جيش الاحتلال أنه لن يكون بإمكان سكان هذه المستعمرات العودة إلى منازلهم قبل اتفاق سياسي.
ثانيًا، يتضح من طلب الأميركيين وعواصم أخرى، من قوى لبنانية التعجيل في إطلاق حملة داخلية ضدّ حزب الله، بأن هناك فشلًا كبيرًا في مهمّة جيش الاحتلال. وقد سعت السفارة الأميركية إلى إقناع عدد كبير من الشخصيات والقوى السياسية والإعلامية بالدخول في برنامج سياسي وإعلامي وشعبي ضدّ الحزب، لكن الحصيلة، حتّى الآن، تظهر أن التجاوب حصل فقط من جانب “القوات اللبنانية” وبعض الشخصيات العاملة معها، إضافة إلى بعض الأوساط القيادية في حزب الكتائب وليس الحزب كله، إذ ينقل عن الرئيس السابق أمين الجميل تحذيره نجله سامي من "مشاريع سمير جعجع".
ثالثًا، تبدي السفارة الأميركية استغرابها واستياءها من عدم وجود "مزاج سنّي" يلاقي الحملة على حزب الله. وينقل زوّار عوكر كلامًا لافتًا من نوع "نحن نعمل مع "إسرائيل" لتخليص السنّة من أكبر خصم لهم، من دون أن يتجاوبوا معنا". حتّى إنه نقل بأن نائب بيروت فؤاد المخزومي رفض الدخول في أيّ حملة سياسية ضدّ حزب الله، أو حتّى الحديث عن مخاطر كثافة وجود النازحين في بيروت، بينما قال النائب وضاح الصادق إن "الشارع" لا يقبل القيام بأيّ عمل يمكن أن يظهر على شكل دعم لحملة "إسرائيل" ضدّ الحزب.
رابعًا، إحباط قائد "القوات اللبنانية" من رفض شخصيات سنّية بارزة المشاركة في لقاءات تعقد في معراب للحديث عن "مرحلة ما بعد حزب الله". ونقل عن شخصية سنّية لا تربطها علاقات جيدة مع حزب الله أن مشكلة جعجع في كونه "يتطوّع لمهمة لم تقدر أميركا و"إسرائيل" على تنفيذها"، مع إضافة لافتة بأن "هناك من يلعب بعقل جعجع لإقناعه بأنه المرشح المناسب لرئاسة الجمهورية".
خامسًا، تبيّن أن الرئيس سعد الحريري، الذي قال في اتّصالات مع حلقة ضيقة إنه ليس جاهزًا للعودة إلى لبنان في هذه المرحلة، دعا أنصاره إلى تقديم كلّ ما يقدرون عليه لمساعدة النازحين، وإن أي طارئ سياسي يجب أن يتعاملوا معه بالتشاور مع الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط. وترافق ذلك مع رفض إعلاميين مقربين من تيار المستقبل المشاركة في الحملة السياسية على حزب الله. لا بل إن بعض هؤلاء تولّوا الردّ على خطاب جعجع الأخير الذي دعا إلى أنعقاد مجلس النواب ولو من دون حضور النواب الشيعة.
سادسًا، ظهور بوادر قلق عند سياسيين يدعمون وصول العماد جوزيف عون إلى رئاسة الجمهورية، ومردّه "بروز نزعات متطرّفة" لدى فريق "القوات" في ما يتعلق بالنازحين السوريين. وقد تجمّعت لدى أجهزة أمنية رسمية معلومات عن اجتماعات وتواصل بين قيادات من "القوات" وناشطين من المعارضة السورية في لبنان وخارجه للاستفادة من تجمعات النازحين السوريين في أي "انتفاضة شعبية ضدّ حزب الله". وبحسب ما ينقل عن داعمي قائد الجيش، فإن القلق موجود أساسًا لدى قيادة المؤسسة العسكرية، كونها ستكون المسؤولة عن مواجهة مثل هذه الأعمال، وخصوصًا أنه لا يمكن ضبط مخيمات النازحين السوريين. كما أن البطريرك الماروني بشارة الراعي يشارك قائد الجيش قلقه، وهو أيضًا ما يثير مخاوف التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل.
لقاء السرايا السنّي
وفي السياق نفسه، قال مرجع سياسي بارز إن الاجتماع الذي دعا إليه الرئيس نجيب ميقاتي للنواب السنّة، الأسبوع الماضي، لم يكن بعيدًا عن مشاورات جرت مع عواصم عربية معنيّة بالوضع في لبنان، مع إشارة مباشرة إلى مصر والأردن على وجه التحديد. وقال إن الاجتماع كان شاملًا، مع إشارة إلى أن غياب النائبين أسامة سعد وحليمة القعقور سببه رفضهما المشاركة في أيّ لقاء له بعد طائفي، لكنهما لا يعارضان ما تمّ التطرق إليه لجهة عدم السير في برنامج أعمال هدفه الفتنة بين اللبنانيين. وقال المرجع إن ميقاتي، الذي نشّط علاقاته الدبلوماسية الإقليمية والدولية، يعرف أنه قد لا يبقى في منصبه في العهد الجديد. لكنّ ثمة مساعي لأن يكون هو الأكثر مقبولية من جميع الأطراف اللبنانية في ظل استمرار امتناع الرئيس سعد الحريري عن العودة إلى النشاط السياسي في لبنان، وأن لقاء السرايا كان هدفه القول لفريق "القوات اللبنانية" إن "السنّة ليسوا في حالة ضياع، ولديهم آليات العمل التي تضمن تمثيلهم الحقيقي في الدولة وفي المحافل السياسية، وإن سنّة لبنان، رغم كلّ ملاحظاتهم واختلافاتهم مع حزب الله حول أمور داخلية، لا يقبلون مجرد محاولة عزل الحزب أو الشيعة".
وبحسب المرجع نفسه، فإن السعودية، التي لن تغضب في حالة هزيمة حزب الله أو حماس، لا تريد التورط في مشكلات في لبنان. وأضاف أن السعودية التي تموّل إعلامًا يقود حملة مفتوحة ضدّ حزب الله، عملت على تخفيف حدّة الحملات، وطلبت من قناة "العربية" وقف بثّ برنامج سياسي للمعمّم محمد الحسيني بعدما تحوّل إلى "ناطق ممهّد لعمليات الاغتيال التي تقوم بها "إسرائيل" في لبنان".
ويقول المرجع إن الاتّصالات السعودية – الإيرانية حول المنطقة تشمل لبنان، من باب رغبة الجانبين في عدم الاشتباك في هذه الساحة. لكنّه نفى أن يكون هناك أيّ تفاهم إيراني – سعودي حول لبنان، مشيرًا إلى أن السعودية لم تتخلّ عن فريقها السياسي المحلي، بما في ذلك "المجموعة الشيعية"، كما لم تغيّر موقفها من الرئيس الحريري ولم تفتح الأبواب أمام عودته إلى بيروت. وأضاف أن السفارة السعودية في بيروت مهتمة بأن "لا ينخرط السنّة في حملة لتغطية حزب الله ربطًا بالحرب مع "إسرائيل"، وأنه سبق لها أن دعت قيادات دينية وسياسية سنّية إلى عدم الدفاع عن حركة حماس، والتمييز بين مهاجمة ما تقوم به "إسرائيل" والدفاع عمّا تقوم به حماس".