مقالات مختارة
قبرص ترضخ لأميركا: الجزيرة منصّة اعتراض ضدّ إيران وحزب الله
إبراهيم الأمين - صحيفة الأخبار
تنشط الولايات المتحدة لتوسيع التحالف العسكري المكلّف بحماية الكيان من ردود محور المقاومة. وتجاوز النشاط حشد القطع العسكرية، إلى خلق وقائع ميدانية تجعل من بعض دول المنطقة، ولا سيما الأردن وقبرص واليونان، "منصات اعتراض لتهديدات إيران وجماعاتها ضدّ إسرائيل".البارز في الحراك الأردني رغبة الملك عبد الله الثاني في عدم الظهور بصورة المدافع عن "إسرائيل"، خصوصًا أن الردود المرتقبة ضدّ العدوّ ليست عمليات تتعلق بـ"حرب بين أطراف خارجية"، كما عندما ردّت إيران على قصف العدوّ لقنصليتها في دمشق، إذ برّر أركان النظام موقفهم يومها بأنه لمنع توريط الأردن في صراع بين إيران و"إسرائيل". لكنّ عمان، رغم أنها لا تقف كثيرًا على خاطر شعبها ولا تهتم لغضب الشارع الفلسطيني، تواجه اليوم بعض الإحراج، إذ إن ما يطلبه الأميركيون منها هو توفير مظلة الحماية نفسها التي وفّرتها في ليلة المُسيّرات في 13 نيسان الماضي، في ما الأمر يتعلق اليوم بردّ على اغتيال قائد فلسطيني بارز هو الشهيد إسماعيل هنية، وعلى عدوان استهدف منشآت مدنية في اليمن، علمًا أن الأردن لا يعتبر نفسه معنيًا بردّ حزب الله، كونه ليس مضطرًا لاستخدام الأجواء الأردنية.
كل ما قامت به حكومة الملك عبد الله هو تكرار معزوفة السيادة الوطنية وعدم السماح لأي خرق لأجوائها، مع إضافة بأنها لن تكون جزءًا من أي تحالف، مصحوبة برسائل مكثّفة إلى محور المقاومة، مفادها أن القواعد الغربية في الأردن تتصرف وفق آليات لا تقف بالضرورة عند موقف الحكومة، وأن عمان لم تكن مرتاحة إلى إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في نيسان الماضي عن وجود قاعدة عسكرية لسلاح الجو الفرنسي في الأردن، لعبت دورًا في التصدي للمُسيّرات والصواريخ الإيرانية.
لكنّ أحدًا لا يصدق كلّ التبريرات الأردنية، ويُنظَر إلى دور عمان كشريك في العدوان مع "إسرائيل" والولايات المتحدة، تمامًا كما هو دور قبرص في هذه المواجهة. ففي ما حاولت حكومة الجزيرة تقديم صورة مختلفة لموقعها من الصراع، في ضوء التحذير الذي وجّهه إليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في حزيران الماضي، ينشط المسؤولون البارزون في الجزيرة، هذه الأيام لتبرير ما يجري على أراضيها من تحركات واستعدادات. وهنا أيضًا، ما من أحد يصدّق التبريرات التي يقدّمها المسؤولون القبارصة عبر وسائل مختلفة، إذ ثمة قناعة بأن حكومة الجزيرة انتقلت فعليًا إلى موقع الشراكة في العدوان مع الأميركيين و"الإسرائيليين" والبريطانيين في حربهم المفتوحة ضدّ الشعب الفلسطيني وقوى محور المقاومة.
ووصل إلى قبرص في الأيام القليلة الماضية وفد عسكري أميركي كبير، عقد اجتماعات عاجلة مع المسؤولين في وزارة الدفاع القبرصية وفي جهاز الاستخبارات. ورافقت الوفد قوة لوجستية وعسكرية وأمنية حملت معها كمية كبيرة من المعدات والأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي الحديثة، إضافة إلى مروحيات تمّ نقلها على عجل. ونُقل عن مسؤولين قبارصة أنه لم يسبق لهم أن شاهدوا مثل هذه الكميات والأنواع من الأسلحة. وأقروا بأن الأميركيين أبلغوهم بأن الغرض منها يتعلق بالتوتر القائم في المنطقة، وبأن الجزيرة ستكون إحدى منصات الاعتراض ضدّ هجمات متوقعة من إيران واليمن وحزب الله. كذلك أقرّ المسؤولون القبارصة بأن البريطانيين عزّزوا قواعدهم في الجزيرة، ونقلوا إليها خبراء ومعدات تتعلق بمنظومات الدفاع الجوي. كما تواصل الجانب الألماني مع السلطات القبرصية لإرسال قوات تعمل في البحر، قالت برلين إنها ستكون معنية بالمساعدة في عمليات الإجلاء في حال نشوب حرب واسعة.
لكن ما زاد في إرباك السلطات القبرصية هو مبادرة الجانب الأميركي إلى طلب المباشرة في إجراء مناورات مشتركة مع القوات الأميركية على أرض الجزيرة وفي بحرها. ومردّ الإرباك أن أي مناورات لا تتم بصورة مفاجئة، بل تحتاج إلى وضع برنامج يُعدّ قبل سنة على الأقل، وليس قبل 48 ساعة.
وحرص مسؤولون قبارصة على التواصل مع جهات لديها علاقات مع قوى ودول محور المقاومة، وخصوصًا مع حزب الله، لإيصال رسالة مفادها أن ما يجري "يتم خلافًا لإرادتهم، وأنهم لا يريدون توريط بلادهم في أي حرب"، وأعربوا عن خشيتهم من أن تصبح الجزيرة مسرحًا لمواجهة مع إيران وحزب الله وحتّى مع "أنصار الله".
غير أن هذه الرسائل لا تغيّر شيئًا في ظل زيادة وتيرة التنسيق المباشر بين سلطات الجزيرة وكيان الاحتلال، بعد موافقة قبرص على فتح الأجواء أمام الطيران المدني "الإسرائيلي" لنقل عشرات الألوف من المسافرين إلى العالم عبر الجزيرة، بذريعة أن شركات طيران عالمية أوقفت رحلاتها إلى تل أبيب، وأن شركة "العال" "الإسرائيلية" وشركات طيران خاصة، تسيّر رحلات إلى قبرص كمحطة ترانزيت يستخدمها المسافرون في طريقهم إلى وجهاتهم النهائية. وفي هذا السياق، زاد عدد الرحلات بين مطارات كيان الاحتلال ومطاري لارنكا وبافوس إلى نحو عشرين رحلة يوميًا، علمًا أن بعض القادمين على متن هذه الرحلات لا يغادرون الجزيرة، بل ينتقلون للإقامة في تجمعات سكنية، وبعضهم نقل أعماله إلى الجزيرة، وأسّس شركات فيها، علمًا أن "الإسرائيليين" سبق أن أسّسوا خلال الأشهر العشرة الماضية قاعدة أعمال في الجزيرة، واستأجروا عددًا كبيرًا من العقارات للسكن والعمل، قبل أن يعمدوا أخيرًا إلى شراء منازل ومكاتب للشركات، وتضاعف عدد "الإسرائيليين" في الجزيرة عدة مرات.
وإلى الحضور المدني، يؤكد سكان الجزيرة، خصوصًا في بافوس، أنه "صارت هناك تجمعات خاصة لليهود"، حيث لا يخالطون أحدًا، وقد عقدوا تفاهمات مع السلطات المحلية لاعتماد مرجعية "إسرائيلية" لمعالجة أي مشاكل مع السكان المحليين أو الشرطة. ولا ينفي مسؤولون في الجزيرة احتمال وجود أمنيين وعسكريين بين هؤلاء.
وتلقّت السلطات القبرصية أخيرًا طلبًا رسميًا من وزارة النقل "الإسرائيلية" برفع مستوى التعاون والتنسيق بين الجانبين، وعرضًا لإقامة منصة مشتركة في مطار لارنكا لإدارة عمليات إخلاء طارئة في حالة الحرب. وفي ما لم تقدّم الحكومة القبرصية جوابًا رسميًا بعد، قال المتحدث باسم الحكومة كونستنتينوس ليتيمبيوتيس الاثنين الماضي إن تصريحات وزارة النقل "الإسرائيلية" لا تتعلق بنقل مواطني "إسرائيل" إلى قبرص، بل بنقلهم إلى بلادهم.
وكانت "تل أبيب" أعلنت رسميًا في نيسان الماضي، أن سلاح الجو "الإسرائيلي" "أجرى مناورات جوية في الأجواء القبرصية مع نظيره القبرصي يحاكي هجومًا إسرائيليًا على إيران". وأفادت القناة الـ12 يومها بأن "المناورات جاءت في إطار الاستعدادات للردّ على هجوم إيراني محتمل".
الاستعدادات الحربية الأميركية لا تقتصر على قبرص، إذ يجري الحديث عن تدريبات قام بها سابقًا سلاح الجو "الإسرائيلي" ويقوم بها حاليًّا في اليونان. ويبرر العدوّ الحاجة إلى أراضي اليونان كونها "جبلية وتضم العديد من الجزر، وتُعد تضاريسها مثالية للتدريب على الهجوم على إيران".
وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أمر بنشر طائرات مقاتلة إضافية للدفاع عن "إسرائيل". وأعلن أن حاملة الطائرات "يو إس إس أبراهام لينكولن" ستحل محل "يو إس إس ثيودور روزفلت" في المنطقة. كما توجّهت 12 مقاتلة من طراز F / A - 18 وطائرة استطلاع من طراز E - 2D Hawkeye من خليج عُمان إلى قواعد عسكرية في الشرق الأوسط (الأردن وقبرص واليونان). ويجري الحديث عن نشر طائرات تابعة لسلاح البحرية على الأرض، بانتظار وصول طائرات F - 22 من محطتها الرئيسية في ألاسكا.
حزب اللهالولايات المتحدة الأميركيةالجمهورية الاسلامية في إيرانالكيان الصهيونيقبرصصحيفة الاخبار
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
20/11/2024
في بيتنا من يتبنّى فهم العدو للقرار 1701!
19/11/2024
محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024
شهادة رجل شجاع
13/11/2024
في أربعين السيّد هاشم صفي الدين
07/11/2024