مقالات مختارة
عيشوا وتنعّموا وحلّوا عن المقاومة
إبراهيم الأمين - صحيفة الأخبار
قسم غير قليل من اللبنانيين يسألون عن احتمال الحرب مع "إسرائيل". كلّ اللبنانيين لا يريدون الحرب. لكن بعضهم لا يريدها مهما كان السبب. يعني، يريدون أن تتوقف المقاومة عن إطلاق النار، حتّى لا تشن "إسرائيل" حربًا على لبنان. وهؤلاء يرفضون كلّ المنطق الذي يقدمه حزب الله في سياق شرح أسباب انخراطه في جبهة إسناد المقاومة والمظلومين في غزّة. وليس من المنطقي اتهام هؤلاء، أو قسم كبير منهم، بأنهم عملاء للعدوّ، كما لا يحقّ لهؤلاء اتهام المقاومة بأنها مصدر خراب لهذا البلد. النقاش قائم منذ قيام كيان الاحتلال حول موقع لبنان في الصراع مع "إسرائيل". وثمّة دفق هائل من الوثائق اللبنانية و"الإسرائيلية" والأميركية والفرنسية والبريطانية والعربية، التي تشير إلى أنّ لبنانيين، على هيئة أفراد أو جهات أو أكثر، بنوا علاقات مع "إسرائيل"، وبعضهم ساهم في نشوء الكيان قبل العام 1948، عندما شارك في عمليات بيع الأراضي للشركات الصهيونية التي كانت تعدّ العدّة لبناء مستوطنات نراها اليوم قبالة حدودنا. ومع ذلك، فلا أحد يريد ترجمة معنى أنّ لبنان يعتبر "إسرائيل" عدوًا له.
قبل أشهر قليلة، كان السيد حسن نصر الله يعدّ لخطاب يردّ فيه على القائلين بأن حزب الله يحتكر قرار السلم والحرب. وكان في أوراقه جزء من أرشيف يشرح ما قام به الفرقاء الذين يرفعون هذا الشعار اليوم. وهو أعدّ جيدًا لعرض كلّ ما قام به هؤلاء من حروب داخلية، ومن استجداء لجيوش عربية كانت أو "إسرائيلية" أو أميركية أو فرنسية للدخول إلى لبنان. وكيف تورّط كلّ هؤلاء، في حروب عسكرية مدمّرة، أدّت إلى مقتل عشرات الآلاف من اللبنانيين في أنواع مختلفة من الحروب، وطبعًا، كانوا يفعلون ذلك من دون استئذان أحد. وكانوا يبرّرون لأنفسهم أنهم قاموا بما قاموا به دفاعًا عن لبنان، وعن وجودهم، ودفاعًا عن جماعاتهم بمعزل عن مسمّياتها الطائفية أو المذهبية أو الجهوية.
لم يكن السيد حسن يريد من ذلك الحصول من هؤلاء على صكّ براءة من قرار قتال "إسرائيل". وهو ما لا ينشده لا من هؤلاء ولا من غيرهم، لكنّه كان يريد أن يخاطب العقل الجمعي لجمهور هذه القوى، وأن يشرح لها أن من يرفع لواء الحملة ضدّ المقاومة إنما سبق أن جرّبه اللبنانيون لعقود من الزمن، وكيف ألحق بهم الهزائم والأضرار والعار أيضًا.
صحيح أن شخصًا مثل السيد حسن ملّ كثيرًا من الردّ على أتفه القوم عندنا، لكنّه بحكم موقعه، مضطرّ إلى أن يتفاعل مع كلّ الطروحات. ومع ذلك، فإن كلامه، ولو عاد وقاله في خطاب لاحق، لن يغيّر في خطاب أعداء المقاومة، ليس لأنهم لا يعرفون المنطق، بل لأنهم لا يريدون الإقرار بأن خياراتهم التي بنوا عليها مجدهم، وخسروا الكثير، هي نفسها التي يصرّون عليها اليوم، وهم ليسوا في وارد التغيير، حتّى لا تجلب لهم المزيد من الخسائر والهزائم.
لكن، ألا يوجد اليوم بين هؤلاء، أو بين جمهورهم، من يستخدم العقل ولو لبعض الوقت حتّى يجري المقارنة المنطقية، لناحية علم الخسائر والأرباح، قبل أن يحكم على ما تقوم به المقاومة؟
الوافدون إلى لبنان، من مغتربين أو سائحين، يأتون خلافًا لكل ما يتلقّونه من نصائح أو حتّى تعليمات صادرة عن الدول التي يعملون أو يعيشون فيها، أو حتّى يحملون جنسيّتها. وطبعًا لا يأتي هؤلاء إلى الموت. بل هم يحضرون، وهم على ثقة بأن ما يجري في لبنان اليوم، لن يدفعهم إلى فم التنّين. هؤلاء، حتّى ولو لم يصرّحوا علنًا، مثل كثيرين من أبناء لبنان، يعرفون أن المقاومة تخوض اليوم حربًا حقيقية، مهما قال الناعقون من غربان السياسة اللبنانية، ويعرفون أن هذه الحرب لا تشبه أيّ حرب تخوضها "إسرائيل" في تاريخها. هم يعرفون أنّ العدوّ الذي يقصف ويقتل ويدمّر، إنما هو مقيّد بحيث لا يمكنه التصرّف كما تعوّد في كلّ ساحات القتال، ويعرفون أن بمقدور أبناء مدينة مثل صور وزوّارها، أن يصلوا الليل بالنهار، فرحًا وسهرًا واحتفالات، ولو كانت الأجواء مليئة بصوت القصف. لكنّهم يعرفون أن العدوّ غير قادر على إغاظتهم أو إصابتهم، أو تعطيل تجارتهم أو سياحتهم أو لهوهم.
وهذه الثقة ليس مصدرها رحمة العدوّ، والمجرم الفالت من عقاله في غزّة، هو مجرم في لبنان، لكنّه مجرم مكبّل بقيود لم تمسك به في تاريخ صراعه مع العرب. وهو منضبط في لبنان بخلاف كلّ جنونه في غزّة. وهذا ليس بكرم أخلاق أحد، وليس استجابة لأيّ دعوات لضبط النفس كالتي تخرج من أفواه الغربيين، ويقصدون بها فعليًا وقف عمليات المقاومة.
يحقّ لمن يرفض المقاومة أن يرفضها. ويحقّ لمن لا يريد التضحية بأيّ شيء أن يبقى على موقفه، ويحقّ للخائف أن يعبّر عن خوفه، لكنْ للمقاومة على كلّ هؤلاء حق دائم، وهو أنها تدير حربًا وفق قاعدة تقول بأنها وأهلها المباشرين يتحمّلون بصدرهم كلّ أتعاب هذه الحرب وأكلافها، قتلًا أو دمارًا أو خرابًا. وأن هذه المقاومة تقول للناس جميعًا أن اذهبوا، ليس بعيدًا عن بلادكم، بل بعيدًا ولو قليلًا عن خط الجبهة، وواصلوا عيشكم كما ترغبون، واتركوا لي مهمّة قتال العدو، سواء أفعل ذلك من أجل ناسي وأهلي وبلدي، أو نصرةً لأهلي في غزّة.
أما الذين يعتقدون أن الدول والحضارات تبنى بأشعار وخرافات وأساطير الأقدمين، فهم لا يتعلّمون من دروس التاريخ. ولن يكون بمقدور هؤلاء، كما لن يكون بمقدور رعاتهم من عرب وغربيين، تجهيل هويّة المسؤول عن سرقة ثروات الناس والدولة، ولا تبرئة من هو مضبوط، مهما رفع حواجب بينه وبين الناس. وهؤلاء سيبقون حيث هم، في عيش ذليل يسبق دائمًا الموت اللئيم!
المقاومة الإسلاميةحزب اللهغزةالقوات اللبنانيةسمير جعجعالجنوبالكتائب