معركة أولي البأس

مقالات مختارة

حزب الله لا يضيره نجاح مهمّة هوكشتين
13/03/2024

حزب الله لا يضيره نجاح مهمّة هوكشتين

هيام القصيفي - صحيفة الأخبار

قد لا يضير حزب الله أن تنجح مهمّة الموفد الأميركي عاموس هوكشتين، في ظلّ مقاربة لموقعه الذي يتعرض لضغط داخلي وإقليمي، بعدما افترقت عنه القوى السياسية وتجذّر اختلافها معه منذ حرب غزّة.

لا تعوّل دوائر أميركية معنية على ما يمكن أن ينتج من مهمّة الموفد الأميركي عاموس هوكشتين. تحصر هذه الدوائر تعاملها مع جولته اللبنانية على أنها مهمّة موظف بدرجة موفد، لا مهمّة موفد مكلف بعقد تفاهمات على مستوى حلول كبرى لم يحن وقتها بعد. الترسيم البحري بتقنياته وأبعاده أمر، وما يراهن عليه لبنان من مهمّة هوكشتين أمر آخر. 

ورغم أن لا تفاوض مباشرًا بين حزب الله والأميركيين، إلا أن هناك ملامح يتلمّسها مطّلعون على مسار بعض المفاوضات، تفيد بأن حزب الله في مكان ما لا تضيره مهمّة الموفد الأميركي، ولا يستبعد أن يعوّل عليها أكثر ممّا يعوّل عليها الأميركيون، وحكمًا الإسرائيليون، انطلاقًا من أن الإسرائيليين أظهروا أنهم جادّون في تطويل عمر الاستنزاف في غزّة ولبنان شهورًا لا يمكن أن يتحمّلها لبنان نظرًا إلى الخسائر البشرية وحجم الدمار. 

في ما تنظر إيران إلى غضّ نظر واشنطن ودخولها في أشهر الانتخابات نظرة متوجّسة. كما أن الحزب لا يريد توسيع الحرب، وأيّ هدنة تنطلق من غزّة لا يمكن إلا أن تطاول الجنوب، والاستهدافات الإسرائيلية خارج حدود المواجهة الحالية لا تزال رسائل مضبوطة، وأيّ حل معقول يطرحه الموفد الأميركي قد يجد طريقه إلى التنفيذ ويعيد برمجة 1701 بطريقة مضبوطة الإيقاع. وبذلك لا يكون الحزب، بغضّ النظر عن أيّ واقع عسكري يؤكد جهوزيته له، قد قدّم أيّ تنازل وأعاد الاعتراف بالـ 1701 بوجهه الجديد.

لكنّ ما يراه خصوم حزب الله في إمكانات تحوّل ما في مقاربة الحزب للواقع العسكري، له أيضًا جانب محلي وإقليمي. فالحزب يتعرّض مجددًا لحملة عزل داخلية وإقليمية لا تساعده في حماية ظهره. وقد تكون ذكرى 14 آذار مناسبة لإعادة رسم المشهد الذي عرفه الحزب سابقًا. فاستذكار المناسبة لم يعد يعني تلقائيًا الكلام عن قوى 14 آذار، والحدث الذي شهده لبنان آنذاك، ومن ثمّ انفراط عقدها لاحقًا على مدى 19 سنة وتبدل أحوالها. إذ إن ما حصل في الجنوب، والمواجهة التي دخلها حزب الله مع "إسرائيل"، وارتدادها داخليًا، صوّب الأنظار إلى موقع حزب الله في المعادلة الداخلية في مشهد مكرّر لعام 2005.

بعد خمسة أشهر على اندلاع الحرب ومشاركة حزب الله من الجنوب، تبدّلت النظرة السياسية الداخلية. خوف الأيام والأسابيع الأولى من إقدام "إسرائيل" على حرب شاملة ضدّ لبنان، والتحذيرات من إقفال المطار وتوقف شركات الطيران ويوميات تأمين المواد الأولية، سحب قليلًا الاعتراض الداخلي ضدّ حزب الله، في وقت كان فيه بعض أشد معارضي الحزب من ناشطين وسياسيين يرحّبون بعملية حماس ضدّ "إسرائيل" من موقع عقائدي.

مع الدخول الأميركي، ومن بعده الهجمة الأوروبية على لبنان، لمنع تدهور المواجهة مع "إسرائيل" إلى حرب واسعة، تحوّل الكلام عن الجنوب عنوانًا ثانيًا وثالثًا في الأجندة الداخلية. ولولا طلعات "إسرائيل" الجوية والقصف الذي بدأ يخرج عن نطاق الجنوب نحو البقاع، لما خرجت سردية الحرب داخليًا عن الحيّز السياسي والإعلامي للقوى الموالية لحزب الله. يعيد هذا الابتعاد عن الحزب مشهد عام 2005، في صورة أكثر حدّةً، لأنه يعكس بعد 19 عامًا، تجذّر هذا الاختلاف، الذي تتراوح حدّته بين محطات تفاهمات والتقاءات تكتية، وبين الجنوح نحو الابتعاد جذريًا عن حزب الله حتّى في أحلك الظروف التي يمكن أن يتعرّض فيها للخطر، كحاله اليوم مع التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة حدّتها ضدّه.

ورغم محاولة بعض الأطراف المعارضة إضفاء الطابع اللبناني البحت على دور حزب الله في الصراع مع "إسرائيل"، إلا أن الغالبية لا تزال تتعامل معه على أنه حدث خارجي، كون العنصر الأساسي الذي أشعل الحرب يتعلق بحماس وبإيران. وبعكس ما كانت عليه حال الحزب عام 2005، انطلاقًا من حدث محلي يتعلق باغتيال الرئيس رفيق الحريري، إذ إن معارضيه تعاملوا مع الحدث حينها على أنه خارجي محض، لا يتعلق فقط ببيروت، بل بدمشق وطهران التي سجلت بعد الخروج السوري دخولها رسميًا إلى الساحة اللبنانية. وإذا كان التحالف الرباعي وقتها قد أعاد حزب الله إلى الحلقة المحلية من خلال تحالفات سياسية - طائفية، فإن هذا العنصر مفقود كليًا بغياب الطرف السنّي، رغم أنه يفترض أن يكون معنيًّا بالقضية الفلسطينية، فضلًا عن انصراف القوى المسيحية كليًا عن الحزب الذي أراد وصل ما انقطع مع التيار الوطني الحر على هذه الخلفية حصرًا. يضاف إلى ذلك عنصر جديد في تكتل دول إقليمية في وجه حزب الله سابقًا، هو موقع سورية التي وقف حزب الله معها في حربها ضدّ المعارضة. فهي لا تبدو في المشهد العام منذ حرب غزّة على أنها معنية كثيرًا بما يجري فيها، أو بما يتعرّض له الحزب. ولأول مرة، يظهر هذا التمايز منذ أن دخل الحزب إلى سورية إبّان حربها.

وبقدر ما حصل التحالف الرباعي، في صورة غير مباشرة، على مباركة خارجية وغضّ نظر أميركي سعودي، فإن معارضين لحزب الله يبدون خشية مماثلة من غضّ نظر أميركي جديد يعطي للحزب أسبابًا تخفيفية، ويجعل من الممكن إعادة تثبيت وقائع جديدة. ولهذا السبب، يترك الحزب الباب مفتوحًا مع الأميركيين من خلال عين التينة.

الصحافةعاموس هوكشتاين

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة