مقالات مختارة
معادلة الردع الاستباقي تُعزّز مقاومة فلسطين وتحصّن لبنان
صحيفة الأخبار - علي حيدر
ما من حاجة للبحث عن مواقف وتقارير تُثبت أن أجهزة التقدير والقرار السياسي والأمني في كيان العدو استوعبت مؤشرات اللقاء الذي جمع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري والأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي زياد النخالة مع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وفهمت رسائل صورة اللقاء الثلاثي التي أُريد إيصالها الى من يهمّه الأمر، إذ إن العدو أصبح أكثر إدراكاً لمخاطر تحولات بيئته الإقليمية، وأكثر تلمّساً لمعادلات القوة التي استجدّت، وخصوصاً أن اللقاء يأتي امتداداً للمعادلة التي أرساها السيد نصر الله إزاء أي خيار عدواني ينفذه العدو ضد قادة المقاومة وكوادرها (لبنانيين وفلسطينيين وغيرهم) في لبنان.
يأتي اللقاء الثلاثي تتويجاً لارتقاء مستوى التنسيق، وتمهيداً لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة، انطلاقاً من حقيقة أنه كلما تصاعدت الضغوط على كيان العدو في الداخل الفلسطيني، زادت حافزيته لتوسيع نطاق استهدافاته في الخارج، ومن ضمنه لبنان. لذلك، ينطوي اللقاء وما سبقه من مواقف وخطوات على مروحة من الرسائل والتقديرات.
تكشف رسائل حزب الله المتعددة، وصولاً الى اللقاء الثلاثي، في المضمون والتوقيت، عن طبيعة المرحلة التي بلغتها المقاومة في فلسطين، كما تضيء على إدراك قادة المقاومة للمخاطر التي تنطوي عليها، ما يفرض مقابلتها بمعادلة ردّ قوي، ومستوى أعلى من التنسيق.
يتعزز رصيد هذا السيناريو في ضوء فشل العدو في إجراءاته الدفاعية والقمعية في الضفة، ومع تلمّس قيادة العدو مخاطر تحول المقاومة في الضفة الى عامل استنزاف ستكون له تداعيات أكثر خطورة على الأمن القومي الإسرائيلي في ظل ما يواجهه من تحدّيات داخلية ومخاطر خارجية متصاعدة. ومن المؤشرات الإضافية التي تؤكد حضور هذا التقدير تلميح وتصريح قادة العدو بتوسيع نطاق الاستهدافات، رغم ما تحمله من مخاطر.
يكشف هذا المشهد وما يحمله من سيناريوات لاحقة عن عمق الارتباط بين ما يجري داخل فلسطين والساحة اللبنانية، وبأن أمن لبنان - ببعديه القومي والجاري - هو رهن بالمتغيرات الإقليمية التي يمكن أن تنعكس على ساحته بشكل أو بآخر. وتتعدد العوامل التي تؤكد خصوصية لبنان في هذا المجال، من ضمنها متاخمته لفلسطين المحتلة، وكونه ساحة لمقاومة حققت انتصارات استراتيجية وتاريخية على العدو، إضافة الى عناصر أخرى تجعله أكثر قابلية للتأثر السلبي بهذه المتغيرات، تتمحور حول عناصر ضعف تكوينية تتجلّى بمحدودية إمكاناته (بعيداً عن قوة المقاومة) ومساحته الجغرافية والديموغرافية والانقسام الحاد في مجتمعه وقواه السياسية حول هويته وموقعه من الصراع.
في المقابل، تُظهر الخطورة الكامنة في تداعيات هذه المتغيرات على لبنان حاجته الدائمة الى قوة فاعلة تحمي أمنه ووجوده، وتأخذ في الحسبان الفارق الهائل في موازين القوى. وما إمكانية انعكاس تطور المقاومة في فلسطين على لبنان، وقبل ذلك العديد من المتغيرات والمحطات التي كان لها انعكاساتها المباشرة وغير المباشرة عليه، إلّا تجلٍّ صريح لهذا المفهوم.
في مواجهة كل ذلك، تصبح مبادرة حزب الله الى معادلة ردع استباقي أكثر وضوحاً في سياقها وأهدافها. فأن تستند هذه المبادرة الى حزب الله بما يمثله من إرادة وقدرات وتصميم، يعني أنها ستكون أكثر حضوراً وتأثيراً لدى مؤسسات التقدير والقرار في كيان العدو. ويُفترض أن يساهم ذلك في تقليص خطئهم في تقدير نتائج وردود فعل أي عمل عدواني على الأراضي اللبنانية وإن كان لا يُلغيه. وبالحد الأدنى تساهم هذه المعادلة في كبح اندفاع العدو عن الذهاب بعيداً في ارتكاب أي خطأ.
في كل الأحوال، الأهم أن معادلة الردع الاستباقي تساهم في تعزيز مظلة الأمن والحماية لكوادر المقاومة في لبنان وفي تعزيز خيار المقاومة في فلسطين. وبحسب تعبير خبير الشؤون الإقليمية البروفيسور آيال زيسر، تحوّل لبنان الى المكان الأكثر أمناً في الشرق الأوسط بسبب معادلة الردع القائمة بين حزب الله وإسرائيل، مشيراً الى أن قادة المقاومة الفلسطينية يشعرون في ضوء ذلك بالأمن أكثر من أي مكان آخر.
تحول معادلة الردع الاستباقي، على وقع المتغيرات الفلسطينية – الإسرائيلية، دون إعادة استباحة العدو للساحة اللبنانية بالاغتيالات لإدراكه أنه سيدفع مقابلها أثماناً مؤلمة. ويمكن التقدير أنه في حال نجاح العدو - وهو أمر مستبعد - في إرساء معادلة توفّر له هامش المبادرة الى تنفيذ سياسة الاغتيالات في لبنان، فإنها ستؤسس لمسار أكثر خطورة تكون له تداعياته الخطيرة على مجمل الوضع في لبنان.
بالنتيجة، بارتداع العدو بفعل هذه الرسائل يكون قد تحقق المطلوب للمقاومة في لبنان وفلسطين. وإن غامر مدفوعاً بعوامل متعددة. ومن الواضح أنه سيدرك خطأ رهاناته بعدما يكون قد دفع أثماناً مؤلمة في أمنه ودمائه.
ضمن هذا الإطار الجامع، يصبح سياق تعهّد السيد نصر الله بـ«ردّ فعل قوي ولا يمكن السكوت عنه، ولا يمكن تحمّله» أكثر وضوحاً وتناسباً مع طبيعة المرحلة التي تمرّ بها المقاومة، ويساهم أيضاً في توسيع هامش المقاومة تحت سقف القواعد التي نجحت في إرسائها، وازدادت رسوخاً على وقع التطورات.
لا شك في أن العدوّ يقف مذهولاً أمام حالة التوثب التي يشهدها حزب الله في مواجهة أي اعتداء خارجي، في ظل ما يشهده لبنان من انهيار مالي واقتصادي وصعوبات اجتماعية وانقسام سياسي حاد، إذ كان يُفترض، بحسب بعض التقديرات السائدة، أن يساهم ذلك في تقييده والحدّ من فعالية قوة ردعه. إلا أن أداء حزب الله نجح في تحويل ذلك الى دافع إضافي باتجاه منع العدو من تثميره في أكثر من اتجاه. وبنظرة خاطفة الى خيارات العدو ومخاطر كل منها، تتجلّى حقيقة أنه يواجه مأزقاً لا مخرج له منه. وسيتعمق هذا المأزق كلما واصلت المقاومة في فلسطين مسارها التصاعدي.