مقالات مختارة
سلامة الثابت في نظام لا يخدم شعبه: فرصة القضاء على حزب المصرف
إبراهيم الأمين – صحيفة الأخبار
حزب المصرف هو النادي الأكبر لحكام هذه البلاد ممن يتقبّلون اليوم العزاء بخروج رياض سلامة من مصرف لبنان. أعضاء الحزب يعرفون بعضهم بعضاً جيداً، من مصرفيين ورجال أعمال وسياسيين ومسؤولين وقضاة وأمنيين واعلاميين ورجال دين وسفارات ودبلوماسيين وشركات محلية وعالمية.
وفيما يراد اعتبار مغادرة سلامة منصبه مناسبة لتوقف عمل هذا الحزب، إلا أن الرجل لم يكن سوى أداة تنفيذية لجزء من عمل هذا الحزب الذي تعرض لنكسات كبيرة، لكنه لا يزال قوياً ومتجذراً في بنية النظام الطائفي. إذ أن التبدلات التي طرأت على المشهد القيادي للنظام لم تفتح الباب امام نسفه، او ابتداع آخر يحل محله.
كان رفيق الحريري «الامين العام» الجديد لحزب المصرف، برعاية عربية وغربية من السعودية الى الولايات المتحدة. وهو عندما تولى قيادة المشروع الاقتصادي والمالي في لبنان كترجمة للاتفاق الثلاثي السوري - السعودي - الاميركي، لم يكن ليواجه معارضة تمنع ذلك. فالمسيحيون، الحرس القديم في الحزب، ضَمِن الحريري مصالح الفئات المتنفذة منهم في أبرز عناوين مشروعه، من سوليدير الى القطاع المصرفي. كما كان يدرك أن هناك شركاء – أعضاء حكميين في الأمانة العامة، يفرض النظام الجديد وجودهم بصورة دائمة في قيادة الحزب الذي يميزه عما سبقه، قبل اتفاق الطائف، أمور كثيرة، من بينها ان السلطة النافذة كانت سابقاً تقتصر على رئيس الجمهورية ومجموعة صغيرة من الاقطاب، ولم يكن في الفريق المسلم من ينافس جدياً في إدارة وحدات في القطاع المصرفي أو في حجم الودائع. إلا أن هذا تغيّر تماماً، فكان الحريري والادوات التنفيذية ملزمين التعامل مع الاعضاء الحكميين، وهم أركان الترويكا التي كانت تقود اتفاق الطائف، الى جانب مسؤولين سوريين كان لهم نفوذهم واستفادتهم من هذا القطاع. وعندما اغتيل الحريري وخرجت سوريا من لبنان، بقي اركان الحكم في صلب القرار، لكن جميع اللاعبين، في لبنان وخارجه، اضطروا الى تكليف رياض سلامة مهمة الادارة التنفيذية في قيادة الحزب.
في السنوات الـ14 التي سبقت انهيار العام 2019، كان نفوذ حزب المصرف يتوسع يومًا بعد آخر. وبعدما بات سلامة لاعبًا في صنع السياسات المالية والاقتصادية، توسعت قواعده لتشمل ليس ممثلي الطوائف الكبرى فحسب، بل منافسيهم في داخل كل طائفة، وأضيف إليهم جيل جديد من السياسيين الذين كانوا مستبعدين ايام النفوذ السوري، وتعزز الحضور الغربي، والاميركي على وجه الخصوص، وبدأت واشنطن تطالب الحزب بالقيام بواجباته في مواجهة خصومها في لبنان. كما كان على ادارة الحزب المشاركة في ملاحقة تداعيات الانهيار في عدد من الدول العربية، نظرا لوجود كمية كبيرة من المودعين من اتباع انظمة سقطت، او زعامات رحلت، او قيادات بات لديها وضعها الجديد.
لم يكن لحزب المصرف أن ينعم بكل هذا الهدوء والاستقرار والتوسع ما لم يوزع رشاويه على المحازبين وأصحاب النفوذ. وأي تدقيق يجري في مصرف لبنان أو داخل هذا المصرف او ذاك، سيكشف حجم الانفاق السياسي والاعلامي، المشروع وغير المشروع. فالحزب، كلما اشتد الخناق عليه بسبب الفشل الهائل في استراتيجيته وبدء تعثر مصارفه، كان انفاقه يتوسع قاعديا، إلى درجة أنه تكاد لا توجد مؤسسة او مركز نفوذ في لبنان لم تطله «مكرمات» هذا الحزب، بما في ذلك نظام الرشاوى العام الذي استهدف الناس العاديين، بايهامهم ان المصارف وجدت لخدمتهم، فباتت توفر لهم القروض على انواعها في سياسة تسليفات للقطاع الخاص لم تستند الى قواعد علمية، فكان على طالب القرض ان يحصل على بطاقة مرور من احد قيادات حزب المصرف لينال فرصته. وعندما وقعت الازمة، بعد 17 تشرين، تبين ان حجم التسليفات التي وفرتها المصارف للقطاع الخاص (افرادا او مؤسسات او خلافه) وصلت الى نحو ستين مليار دولار، تم سداد نحو 75 بالمئة منها في الاعوام الاربعة الماضية. وبمعزل عن النقاش غير المرغوب به حول طريقة سداد هذه الديون، وعلى حساب من تم ذلك، الا ان الامر يتعلق هنا، بالرشوة الكبيرة التي لم تنفع في جعل الاقتصاد العام ينمو، بخلاف الوجهة المعتادة للتسليف. ولا حاجة إلى دليل على ان وجهة هذا التسليف انما كانت تخدم فقط اركان الحزب وسياساته.
اليوم، ينبغي النظر الى خروج سلامة باعتباره اشارة انطلاق لمعركة القضاء على حزب المصرف. وهذا لا يعني الناس العاديين فقط، بل يعني المصرفيين والاقتصاديين الحقيقيين الذين يعرفون ان ما كان قائماً ليس سوى كذبة كبيرة غطّت جريمة امتدت عقوداً. فقد بات من الصعب على من يرث وظائف سلامة ان يقوم بما كان يقوم به، ولم تعد القيادة السياسية لحزب المصرف قادرة على تعيين بدلاء من طينة سلامة نفسها. وهذه «الحسرة» الظاهرة في فلتات لسان اركان الحزب تدل على وجود فرصة للتصرف على ان خروج سلامة يفتح الباب امام فرصة للتخلص من هذا الحزب. على ألا يتوقف الامر على خروجه، بل ان المواجهة الفعلية مع حزب المصرف تكمن في ملاحقة الملف القضائي والمحاسبي لسلامة وكل فرقته المعلنة او غير المعلنة، سواء تلك المشتبه بها رسميا او المشتبه بها فعليا، وستكون محاكمته او مساءلته او محاسبته وفريقه، مناسبة للتخلص من كل اوساخ حزب المصرف، وربما هذا هو سبب القلق الكبير المسيطر على هؤلاء، في كل مواقعهم الرسمية والدينية والحزبية والامنية والاعلامية والاقتصادية والمصرفية والمالية. فهؤلاء يتحسرون على غياب رجلهم الاول، ويخشون تداعيات ملاحقته ومحاكمته، ويعرفون ان اي تدقيق جدي، او تحقيق محترف، او محاكمة شفافة، ستفتح ابواب السجون لكثيرين من الشركاء الحقيقيين، وعندها قد يكون ممكنا استعادة بعض الاموال التي نهبت على مدى عقود باسم مصالح الناس والطوائف والملل... ولنترك رجال هذا الحزب يندبون ويلطمون وهم يصرخون: لا عهد كعهدك يا سلامة!
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
20/11/2024
في بيتنا من يتبنّى فهم العدو للقرار 1701!
19/11/2024
محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024
شهادة رجل شجاع
13/11/2024
في أربعين السيّد هاشم صفي الدين
07/11/2024