معركة أولي البأس

مقالات مختارة

إحياء عاشوراء طريقنا إلى المهدي
25/07/2023

إحياء عاشوراء طريقنا إلى المهدي

طراد حمادة- صحيفة "الأخبار" 

يحيي حزب الله في لبنان هذا العام 1445 هـ / 2023 م، ذكرى عاشوراء تحت شعار/ عنوان هو «إحياء عاشوراء طريقنا إلى الإمام المهدي (عج). وهذه سُنّة اتبعها حزب الله في اختيار عناوين لسنوات الإحياء تتفق مع حركة الأحداث وما تطرحها من إشكاليات فكرية أو سياسية. ما لفتني في هذا الشعار أنه قريب من نظرة ميتافيزيقية إلى عاشوراء تقوم على أن حقيقتها لا يمكن إدراكها إلا ميتافيزيقياً، وهذا ما كنت قد شرحته في كتابي «ميتافيزيقا عاشوراء» المطبوع عام 2004، لست في معرض شرح نظرية ميتافيزيقا عاشوراء من حيث إدراك حقيقتها الجوهرية. بل ما تقصده هذه المقالة هو ربط حركة عاشوراء بسلوك الطريق إلى قيام المهدي إمام العصر والزمان. كيف يكون إحياء عاشوراء طريقنا إلى المهدي وفق العنوان الذي اختار حزب الله لإحياء هذه المناسبة هذا العام؟
إنّ النظر الميتافيزيقي لواقعة عاشوراء، يقوم على اعتبارها تجلّياً من تجليات العقل النبوي (أو الفلسفة النبوية) في ساحة التاريخ الإنساني، وباعتبارها على هذه الحقيقة، فإنّ تجلياتها أو ظهوراتها تتحقق في ساحتين.
 

الساحة الأولى: وجودية، أو تمظهر العقل النبوي في الوجود، وتشمل وقائع حادثة الطف كما تناقلها الرواة على اختلاف ميولهم، شرط دراسة هذه الروايات دراسة نقدية، وقبول ما يتفق فيها مع حركة العقل النبوي، واعتبارها جزءاً من حركة هذا العقل، تندرج في آليته العامة، وشروطه الإلهية، تماماً، كما هو الأمر مع النص المقدس، في الكتاب والسنة، لاعتبارها تقريراً من أعمال الإمام المعصوم. وهذا الظهور للعقل النبوي في ساحة الوجود، يصدقه، على صعيد علم أصول الفقه، ما يعتبره المسلمون الشيعة من سريان «مرحلة التشريع» في عصر الأئمة، حيث تبدأ مرحلة الاجتهاد عند الشيعة مع الغيبة الكبرى للإمام الثاني عشر.
وبالمعنى الفلسفي، فإنّ الروح أو العقل في هذا الظهور، يكون في مرحلته العقلية الخالصة، وهي مرحلة ظهورات الوحي المتتابعة مع أقوال وأعمال وتقريرات الرسول (ص) ومن بعده الأئمة المعصومين، وعليه لا يمكن التعامل مع هذه المرحلة، ومنها حادثة عاشوراء، كفعل للعقل في مرحلة خروجه من دائرته الخاصة إلى دائرة خارجه، بل استمرار فعله الخاص في الوجود المتحقق، إنه السفر من الحق في الحق، في تجليات أسمائه داخل دائرة النبوة والولاية على صعيد القول والفعل والتقرير.
الساحة الثانية لهذه التجليات: هي الساحة المعرفية، أو الظهور الإبستمولوجي، وتقوم على قدرة العقل الإنساني في دراسة ما حققه العقل في سفره من الحق إلى الحق من خلال السفر الرابع الذي يتميّز عن السفر الثاني، ودلالة تحقق العقل نفسه من ذاته باعتباره عقلاً نسبياً منفتحاً على المطلق يبحث في مسار السفر من الحق إلى الحق، كما يتجلى في الخلق، إنه دراسة لتجليات سفر «العقل المطلق» من جانب أو «العقل النبوي» في الوجود وساحاته المختلفة، وإذا طبقنا منهج اعتبار المراحل المختلفة لظهورات العقل النسبي برهاتٍ متتابعة في سعيها إلى المطلق تظهر معنا نتائج في غاية الأهمية، من حيث إدراك دور هذا العقل في حركته داخل الظهور التاريخي له.

تؤدي دراسة ميتافيزيقا عاشوراء، إلى كشف معاني هذه التجليات الوجودية والمعرفية. التجليات الأولى، تكشف لنا عن القواعد العامة لحركة «العقل النبوي» في واقعة تاريخية محددة هي واقعة الطف، وكل ما يستخلص منها هو بمثابة القواعد المنهجية والتأسيسية في عمل هذا العقل في ساحته الخاصة، باعتباره عقلاً نبوياً محضاً. والتجليات الثانية، في تحقق قواعد هذا العقل النبوي المستفادة من حركته الوجودية في عاشوراء داخل التاريخ، أو حركة الساحة التاريخية. ومجموع هذه التجليات مع تحققها التاريخي هي المقصود المباشر لتعبير «ميتافيزيقا عاشوراء».

إن ثورة مثل الثورة الإسلامية في إيران أو حركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، يكون لها نصيب أعلى من التحقق الوجودي والمعرفي في مسار ثورة الإمام الحسين

لقد عرف التاريخ حركات ثورية عديدة، ما موقع هذه الحركات من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)؟ ما الذي يميّز ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) عن الثورة الفرنسية، أو الثورة البلشفية أو الصينية، أو الثورة الإسلامية في إيران؟ هل يشبه الإمام الحسين، قادة هذه الثورات؟ وهل يمكن قياس المفاهيم والدروس في هذه الثورات على ثورة الإمام الحسين أو قياس ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) عليها. هل يشبه الإمام الحسين قادة هذه الثورات أو يشبهونه؟ وأين مجال المقارنة والاتفاق والاختلاف فيها؟

وفق نظرتنا إلى «ميتافيزيقا عاشوراء»، تمثّل هذه الثورات برهاتٍ متتابعة في حركة ثورة الحسين في التاريخ، مثلما تمثل حركة النسبي برهاتٍ في المسار نحو المطلق، فهي تندرج فيها كبرهات متتابعة، ولكل منها نصيبه من الظهور الوجودي والمعرفي في مساره إلى مطلقه المتحقق في تجليات العقل النبوي على مستوى الظهور التاريخي في شكله المتحقق بواقعة الطف.
وعليه، تنال هذه الثورات نصيبها من القرب والبعد وفق تحقّقها الوجودي والمعرفي، أو مستوى التجلّي الذي للمتجلّى ذاته، ووفق نصيبه من الوجود ومن الحقيقة المتحصلة وجودياً ومعرفياً في ثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
ومدار المقارنة، ومعرفة برهات هذه الثورات يقوم أصلاً على معرفة ميتافيزيقاها. إن دراسة ميتافيزيقا الثورة الفرنسية أو غيرها من الثورات في الساحة التاريخية، يحدّد موقع هذه البرهة في المسار الحسيني – إذا صحّ التعبير.
وعليه، فإن ثورة مثل الثورة الإسلامية في إيران أو حركة المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، يكون لها نصيب أعلى من التحقق الوجودي والمعرفي في مسار ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) التي لن تجد مطلقها التام، إلا في ظهور الإمام الثاني عشر المهدي عج، ومن الناحية الوجودية والمعرفية، لأنه في ظهور المهدي عج، يتحقق المعنى التام للوجود وللحقيقة القرآنية. ولذلك ذهبنا إلى أن ميتافيزيقا عاشوراء هي أصول الدين: التوحيد، النبوة، المعاد، الإمامة والعدل، بمعنى أن انكشاف المعنى المطلق لهذه الأصول في ظهورات تاريخية، فيها تحقق خاص في ثورة الإمام الحسين، وفي ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) قيماً للثورات الإنسانية الأخرى برهات يتفاوت نصيبها من الظهور والتجلي، بقدر ما تحقق أحداثها من مطابقات مع الميتافيزيقا الأساسية للإسلام، وإذا كانت هذه الأصول الإلهية هي الدين كله للإنسانية جمعاء، وهي اكتمال الدين، وختم النبوة واستمرارها في دائرة الولاية حتى ختمها مع ظهور الإمام ولي العصر والزمان، تكون كل واحدة من الثورات الإنسانية خطوة في حركة الإنسان نحو المطلق، وتحقيق غاية الخلق، ولا يتم هذا التحقيق إلا عن طريق النبوة والولاية، الأمر الذي قصدناه في اختبارنا دراسة «ميتافيزيقا عاشوراء» كميتافيزيقا للقيامة أو للظهور...

إنّ إحياء ذكرى عاشوراء بصفة متابعة حركة العقل النبوي في التاريخ، تؤدّي أنه كلما ازدادت حركة الإحياء حضوراً كلما تقدمت الإنسانية خطوات إلى الأمام نحو ظهور الإمام. لأن حركة الإصلاح الحسيني في مؤداها التاريخي الوصول إلى خلاص الإنسان بقيام دولة العدل والقسط مع ظهور الإمام المهدي عج. حركة التفاعل وإحياء ثورة الحسين حركة تقدمية في التاريخ للوصول إلى قيامة المهدي وتحقيق الدورة الآدمية غايتها من الاستخلاف في الأرض.
وهذا يقدم دليلاً فلسفياً متفقاً مع فلسفات عدة منها الهيغلية على سبيل المثال في بلوغ الإنسانية خلاصها الأخير، وكذلك فكرة الخلاص في المسيحية، وفي غيرها من العقائد والأديان.

إنّ ما ذكرته من فعل حركة العقل النبوي في التاريخ الجامع إلى حركة الحرف الحسيني والحرف المهدوي في الكلمة المحمدية، يقوم على مفهوم عرفاني من اعتبار المهدي صاحب الولاية المحمدية الخاصة، وإن ما أراده الحسين ع من ثورته يتحقق في ظهور الإمام المهدي. وفي المفهوم الأصولي والفقهي، فإن فعل الحسين وتقريره وقوله هو في مكانة فعل النبي وتقريره وقوله كما ذكرنا، وهكذا يستمر فعل العقل النبوي في التاريخ حتى نهاية الغيبة الكبرى. وظهور المهدي صاحب الولاية المحمدية الخاصة لينفذ أهداف الإمام الحسين من ثورته ويأخذ بثأره، وأن الإنسانية نفسها تكون قد بلغت مرحلة كمالها في حركة تطور خلافة آدم في الأرض وتحقيق معنى النبوة المحمدية الخاتمة في الولاية المندوبة الخاصة.

وهذا بحث في شؤون الولاية يستحق أن يفرد له مقالة خاصة به. لكن قصد هذا المقال شرح المعنى المستفاد من شعار الإحياء لذكرى عاشوراء هذا العام في عنوان «إحياء عاشوراء طريقنا إلى المهدي عج». 

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة