مقالات مختارة
إطلاق «قائد» حزب الله في أميركا
فؤاد بزي-"الأخبار"
أطلقت سلطات الولايات المتحدة من وصفه الإعلام الأميركي سابقاً بـ«أخطر عنصر في حزب الله على التراب الأميركي»، وحيكت حوله روايات هوليوودية، وصدر عنه كتابان، وفيلم وثائقي، وعشرات التقارير الصحافية. 23 سنة قضاها «قائد حزب الله في القارة الأميركية» محمد يوسف حمود في السجون الأميركية، بعدما حُكم عليه بالسجن 155 عاماً، من دون أي دليل سوى روايات لـ«شاهد ما شافش حاجة». خرج حمود أمس، بلا أي تعويض معنوي أو مادي، سوى استقبال أهل منطقته له استقبال الأسرى المحرّرين من سجون العدو
عاد إلى لبنان، أمس، «الأسير المحرّر من المعتقلات الأميركيّة»، كما يصفه أهله، محمد يوسف حمود. مرفوعاً على الأكفّ، استُقبل حمود في برج البراجنة التي غادرها مهاجراً عام 1992، وعاد إليها بعمر الـ49 عاماً، قضى منها 23 سنةً سجيناً تنفيذاً لحكم بالسجن لـ 155 سنة بناءً على وشايةٍ مصدرها أشخاص في لبنان، وأحد المغتربين الذي قبض ثمن سجن حمود «إسقاطاً للتهم عنه، وفتح الأراضي الأميركية لـ12 فرداً من عائلته».
حمود الذي التقته «الأخبار»، وصف النظام القضائي الأميركي بـ«التعيس، الذي يكذب ويصدّق كذبته». لم يجد الأميركي أيّ دليل ضدّه، وتعمّد أن يحوك من قضيته قصة أشبه ما تكون بقصص «الخيال العلمي». فاعتمد على كلام شاهد دخل في نظام حماية الشهود، وباع حمود بـ«اتفاق قضائي»، فأدانه النظام من دون أدلّة بتمويل أنشطة حزب الله في لبنان بـ 3500 دولار أرسلها لأمّه كي تصرفها على الفقراء. أُلصقت بحمود كلّ التهم الممكنة وغير الممكنة، وحيكت حوله مؤامرات،
وأُنتجت أفلام وثائقية عن «أخطر عناصر حزب الله في القارة الأميركيّة»، وكُتب عن «وصول عناصر الحزب إلى التراب الأميركي». وأصبح حمود في الإعلام الأميركي صديق (الشهيد عماد) مغنية، ومنسّق أعمال الحزب بين كندا والولايات المتحدة وفنزويلا، وصديقاً للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ومسؤول التواصل المباشر مع مكتب السّيد محمد حسين فضل الله. وهي تهمٌ كبيرةٌ إلى درجة لم يهضمها حتى بعض الإعلام الأميركي أيضاً! علماً أن «أنشطة» حمود المقيم في ولاية نورث كارولينا لم تتعدَّ حضور دعاء كميل كلّ ليلة جمعة.
القصة بدأت بوشاية من س. حرب، وهو لبناني من برج البراجنة يعيش في الولايات المتحدة. «ويُعرف بين أبناء الجالية بقيامه بأعمال غير قانونية، كتزوير بطاقات الائتمان والشيكات، وإدارته موقعاً إباحياً، ورشوة موظفي الهجرة». مقابل هذه التهم، واجه عقوبة السّجن مدى الحياة، فكان الحل بالنسبة إليه الكذب، والقبول بـ«تسوية قضائية تقتضي القول بأنّه ينقل أموالاً إلى حزب الله في لبنان بطلب من حمود».
مشى حرب في «الاتفاق القضائي» مع نظام العدالة الأميركي. ومقابل هذه الصفقة، خُفضت محكوميته من 30 سنة إلى 47 شهراً فقط. في المقابل، «اقتحمت الشرطة بيت حمود، فلم تجد سوى سلاح فردي مرخّص». منذ اللحظة الأولى، «بنيت تهمة نقل الأموال إلى حزب الله، بناءً على سيناريو جمع الناس يوم الخميس، وعرض مقاطع مصوّرة لعمليات عسكرية للحزب، والطلب من الحاضرين التبرع» يقول حمود. ولكن، «حاول المدّعي العام الأميركي إثبات ذلك لـ3 سنوات، ولم يفلح، إذ لم يعترف أحد». ويضيف: «وجدوا شيكاً واحداً محرّراً لمكتب السّيد فضل الله عام 1995، قيمته 3 آلاف دولار. والدفعة كانت قانونية تماماً في ذلك الوقت».
خلال سنوات الاعتقال الأولى، لم يثبت النظام القضائي الأميركي شيئاً على حمود، باستثناء مشاكل في الضرائب. في مقابل عقد عشرات المؤتمرات الصحافية، وإنفاق الملايين. «لم يعجب الأمر المدعي العام»، يقول حمود، فـ«أصبح النظام القضائي أمام أمر من اثنين، إمّا تركي، أو سجن س. حرب في التهم المثبتة عليه. فقبل حرب الاتفاق، وقال إنني أعطيته 3500 دولار لإرسالها إلى حزب الله عام 1999، وهو العام ذاته الذي تركت فيه لبنان نهائياً». ويشير حمود إلى أنّ «المدعي العام أنقذ نفسه أيضاً بهذه الصفقة، وقال في أحد تصريحاته الصحافية إنّ هذه القضية هي ضربة العمر».
لم تقف الأفلام الأميركيّة عند هذا الحدّ، بل استأجر الادّعاء خبيراً، دفع له 25 ألف دولار لتتبّع أحوال حمود في لبنان. خرج تقرير الخبير بخلاصات مثيرة للسخرية، فوصف المدرسة التي نشأ فيها حمود في برج البراجنة بأنّها «أكثر مدرسة متشدّدة ومعادية للأميركيين»! ومن التناقضات والقصص الخيالية، «تشبيه الاتصال بمكتب السّيد فضل الله بالاتصال بالمكتب البيضاوي». بالتالي، استنتج بأنّ حمود يجب أن يكون شخصاً هاماً جداً ليتمكن من الوصول إلى مكتب فضل الله. في المقابل «رجوتهم إجراء اتصال حقيقي بمكتب السّيد فضل الله، وأخبرتهم بسيناريو الوصول إلى السّيد، إذ سيحاول مساعدوه أخذ الاتصال عنه، وعند الإصرار سيعطون موعداً للتكلم معه». لكنّهم نسفوا كلامه من المحاضر. حُكم حمود بدايةً بالسجن 155 سنة، وعام 2012 خُفّفت إلى 30 سنة، وصولاً إلى 25 سنة عام 2019. تنقّل خلال تأديتها بين عدد من السّجون، في ولايات تكساس وإنديانا وكنتاكي. ودرس القانون، وإدارة الأعمال، وعلم النفس، إضافة إلى عشرات المقرّرات العلميّة. أمّا السّجون التي مرّ عليها، فمنها المشدّدة الحراسة، وأخرى معروفة بـ«الدموية» بسبب أحداث العنف التي تجري فيها. ويقول: «احتاروا أين يسجنونني، فأنا لست عضو عصابات، أو مداناً بأمور مالية». ويضيف أنّ أصعب أيامه قضاها في سجن إصلاحي، تُقفل فيه الزنازين لـ23 ساعة، إلى أن وُضع في سجن خاص بالإرهابيين يدعى «وحدة إدارة الاتصال»، وهي وحدات سجن تجريبيّة سيئة السّمعة افتُتحت خلال «فترة الحرب على الإرهاب».
يروي حمود كيف كان يخشى السّجناء التعامل معه بسبب الصيت المرافق له، فـ«هو قائد حزب الله على الأراضي الأميركيّة»، بحسب الإعلام الأميركي. ويقول: «في إحدى المرّات تشاركت غرفة مع رئيس إحدى العصابات، الذي تراجع عن استعراض قوته أمامي، بعد أن رأى مجلة «reader digest»، وعلى غلافها صورتي وتقرير يقول عنه إنّي أخطر إرهابي في العالم».
إقرأ المزيد في: مقالات مختارة
20/11/2024
في بيتنا من يتبنّى فهم العدو للقرار 1701!
19/11/2024
محمد عفيف القامة الشامخة في الساحة الإعلامية
19/11/2024
شهادة رجل شجاع
13/11/2024
في أربعين السيّد هاشم صفي الدين
07/11/2024