معركة أولي البأس

مقالات مختارة

«موجة حمراء عملاقة»: ترامب يتهيّأ للعودة
08/11/2022

«موجة حمراء عملاقة»: ترامب يتهيّأ للعودة

 

صحيفة الأخبار - ملاك حمود

تنحصر انتخابات التجديد النصفي، اليوم، في المربّع القديم نفسه؛ فهي صورة طِبق الأصل عمّا واجهته البلاد إبّان رئاسيات 2020، فيما يدور صراع بين وجهَيها الديموقراطي والجمهوري: جو بايدن ودونالد ترامب، أكثر حدّة من ذي قبل، بفعل ما كثّفته السنتان الأخيرتان من عوامل شقاق يَصلح معها تسمية «النصفيّات» بـ«الأكثر استقطاباً» في التاريخ الأميركي - حالها حال الرئاسيات السابقة، وتتابُعاً المقبلة -، أو كما وصفها بايدن بـ«الأكثر أهميّة في تاريخنا»، و«اللحظة الحاسمة لأُمّتنا»، وهو يحذِّر من مغبّة سيطرة خصومه على بيت التشريع الأميركي. على أن خطّ النهاية، وفق ما تُبيّنه أرقام استطلاعات الرأي، لا يستبطن مفاجآت سارّة للرئيس الأميركي الذي يُنذر التخبُّط في عناوين أجندته البعيدة كلّ البعد عن هموم المواطنين، بـ«موجة حمراء عملاقة»، وعَد بها الرئيس السابق، حين شدّد هو الآخر على «(أنّنا) أمام أهمّ انتخابات في تاريخ الولايات المتحدة».

هذا التنافر والتشظّي الحزبي، حدا ببايدن إلى رسم صورة قاتمة ستتجلّى في حال خسارة حزبه الديموقراطي الانتخابات، والتحذير، توازياً، من «عامَين مروّعَين»، إذا أُتيحت للجمهوريين استعادة مجلسَي النواب والشيوخ أو أحدهما. وإذ لا يبدو الرئيس الحالي - على رغم كونه في موقع الدفاع - في موقع يسمح له بالدفاع عن إنجازاته المُحقَّقة، لنُدْرتها، فهو ظلّ يكرّر الإشارة إلى تعاظم المخاطر التي تتربّص بالديموقراطية، واحتمال «الذهاب إلى مرحلة من الفوضى»، على غرار ما حدث في السادس من كانون الثاني 2021، يومَ اقتحم أنصار ترامب «الكابيتول» العريق. لكن هذا العنوان لا يَظهر، راهناً، جذاباً بما يكفي لقلب الطاولة لمصلحة حزبه المنقسم بين جناحَين متنافسين: «ليبرالي» و«تقدُّمي». وقبل أسبوع من الاستحقاق الانتخابي الذي يصوّت فيه الناخبون لتجديد جميع مقاعد مجلس النواب، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، ولحكّام غالبية الولايات، وغيرهم من المسؤولين المحليين، سعى بايدن إلى استدرار تعاطف الناخبين، بتجديد دعوته إلى «حماية الديموقراطية»، وهو ما يُنذر بأزمة طاحنة بصرف النظر عن نتيجة الاقتراع، ويهيّئ المسرح أمام تكرار سيناريو 2020.

وبتجنُّبه الإشارة إلى القضايا التي تهمّ الناخب، وفي مقدِّمها التضخّم، الذي سيضعه 77% من الناخبين في حساباتهم لدى توجّههم للتصويت، وفق استطلاع رأي نشرته حديثاً شبكة «إيه بي سي» الإخبارية وصحيفة «واشنطن بوست»، يكون بايدن قد افتعل أوّل أزمة للديموقراطيين، الذين أظهر بعضهم، بحسب وسائل الإعلام الأميركية، امتعاضاً من الأجندة التي تبنّاها حزبهم. وبدلاً من التركيز على المسائل الحياتية الملحّة، اختار بايدن تسليط الضوء على القضايا الخلافية، وعلى رأسها الإجهاض والأسلحة النارية والنظام الصحّي، حاثّاً الأميركيين على منْحه الغالبية الكافية لـ«الالتفاف على القواعد البرلمانية التي تمنعه حالياً من تشريع الإجهاض في جميع أنحاء البلاد، أو حظر الأسلحة النارية». على أن هذين العنوانَين لطالما مثّلا نقطة ارتكاز في أيّ انتخابات رئاسية كانت أو نصفية، لكنهما ليسا همّاً أميركيّاً أوّل.

في هذا الوقت، نجح الحزب الجمهوري في توظيف ورقة التضخّم، لترجيح كفّة مرشّحيه. على هذا، قال 80% من الناخبين ذوي الميول الجمهورية، إنهم متأكدون من أنهم سيصوّتون أو قاموا بذلك بالفعل، وفق استطلاع «إيه بي سي» - «واشنطن بوست»، فيما يضع ثمانية من كلّ عشرة ناخبين محتمَلين الاقتصاد في مقدّمة أولوياتهم الانتخابية، لأن 43% منهم أكدوا أن أوضاعهم المالية باتت أسوأ، مقارنةً باليوم الذي تولّى فيه بايدن الرئاسة، قبل عامين. وبينما تشير استطلاعات الرأي إلى تقدُّم شبه محسوم للجمهوريين في مجلس النواب، تدور المعركة الأساسية بين الحزبَين على مجلس الشيوخ، الذي لا يزال الديموقراطيون يأملون عدم خسارتهم وتقدُّمهم فيه بصوت واحد، هو صوت نائبة الرئيس، كامالا هاريس (50 سيناتوراً لكلٍّ من الحزبَين حالياً).

في خضمّ الاستقطاب السياسي المتزايد بين الحزبين وفي داخلهما، انتقل ترامب الذي لا يزال يتمتّع بقبضة قوية على حزبه تكاد تهمّش الجمهوريين التقليديين مِن مِثل ميت رومني وميتش ماكونيل، إلى مرحلة الهجوم، بإعلانه احتمال ترشُّحه للرئاسة، ولا سيما أن وجهة المعركة المرتقبة اليوم من شأنها أن تَحسم مبدئيّاً نتائج رئاسيات 2024، والتي لن يكون بايدن، بحال من الأحوال، أحد وجوهها، إذا خسر حزبه اليوم.

يدفع الحزب الديموقراطي، في هذه الانتخابات، ثمن إصراره، أوّلاً، على تعزيز حظوظ بايدن ليكون دوناً عن سواه، وخشية تصعيد «التقدميّين»، مرشّحه إلى الانتخابات الرئاسية. فمع تراجع شعبيتّه التي لامست حدود الـ 42%، والتي قد تؤدّي دوراً حاسماً في خسارة الحزب الديموقراطي سيطرته على مجلسَي الشيوخ والنواب، لا يبدو الرئيس الأميركي منخرطاً في الشؤون «الشعبية»، بل مركّزاً جُلّ اهتمامه على قيادة الصراع مع روسيا، وما ستؤول إليه معركة الريادة والديموقراطية التي يضعها، والحال هذه، في صلْب أولويّاته. في المقابل، فإن ترامب، المنافس الآخر في الانتخابات، متيقنّ بالنصر، فهو قال من بنسلفانيا، التي تُعدُّ ولاية أساسية لجهة حسْم معركة مجلس الشيوخ: «إذا كنتم تريدون وقْف تدمير بلادنا وإنقاذ الحلم الأميركي، يجب عليكم إذاً، هذا الثلاثاء، أن تصوّتوا للجمهوريين في موجة حمراء عملاقة».

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة

خبر عاجل