مقالات مختارة
آل سعود وأتباعهم: جردة 16 سنة من الخيبات
ابراهيم الأمين - صحيفة الأخبار
قبل 16 عاماً، قُتل رفيق الحريري، وانقلب لبنان رأساً على عقب. الخارج الذي انقضّ، في لحظات، كانت له علاقة بكل ما سبق الحدث، من تحضير المسرح مروراً بارتكاب الجريمة إلى ترتيب تداعياتها. ومن كانوا في انتظار الوصاية الأميركية - الفرنسية، فرحوا بالمهمة الجديدة. كان هؤلاء يسمّون «حلفاء سوريا» فصار اسمهم «حلفاء أميركا». وهم، في حقيقة الأمر، حلفاء أميركا لا سوريا، وما فعلوه سابقاً إنما كان التزاماً بطلب الأميركيين منهم التماهي مع السياسات السورية. فهم كانوا منذ عقود، ولا يزالون، بعقولهم وقلوبهم وجيوبهم عند الغرب وأتباعه من دول الخليج إلى إسرائيل. لذلك، هبّ هؤلاء كلهم دفعة واحدة، ومن دون أي حياء أو اعتبار لأي كلفة أو دماء، من أجل إعلاء صوت المعركة في وجه المقاومة!
من ذلك اليوم، ونحن لا نزال على هذا المنوال. نشهد كل عام، أو عامين، جولة جديدة. فرق لبنانية مستعدة للانتحار فداء لمعركة الانتماء إلى الغرب، وجموع من الرعاع يصرخون من دون استخدام عقولهم، ويسيرون خلف قاتلهم جيلاً بعد جيل، ولن يتوقفوا حتى آخر نفس من أنفاسهم.
بعد اغتيال الحريري بشهور قليلة، وُجِّه الاتهام إلى حزب الله. الغرف السوداء ذكرت يومها اسم مصطفى بدر الدين. حدث ذلك حتى قبل اعتقال الضباط الأربعة وغيرهم. لكن قرار اتهام الحزب بالجريمة جُمِّد في انتظار نتائج محاولة سياسية لاحتوائه. جرت الانتخابات النيابية وشُكلت الحكومة الجديدة، وقدم هؤلاء إلى حزب الله العرض السخيف: ألقِ السلاح. خذ ما شئت وكن واحداً منا!
فشلت المحاولة، واستوعبت المقاومة الموجة الأولى من الهجوم، ثم انتقلت إلى خطة الإفلات من الطوق. كان القرار بالتفاهم الكبير مع العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر. أُسقط في يد اللاعبين المحليين فراح الجميع يندبون حظهم أمام الغربيين الذين وجدوا أن الأمر لا يحتمل المناورة. قرّرت أميركا أن على إسرائيل الاستعداد للحرب الفاصلة، وكان ما كان في تموز 2006. خلال عام ونصف عام، بين 14 شباط 2005 و14 آب 2006، عاش أعداء المقاومة أسوأ كوابيسهم. فشلت كل المحاولات السياسية والعسكرية. لكنهم لم يتعلّموا. انتقلوا إلى خطة الفوضى الداخلية التي قادتهم إلى فكرة العزل السياسي لتحالف حزب الله - التيار الوطني الحر... حتى جاء السابع من أيار 2008، من أجل إعادة التوازن لا من أجل قلب النظام... وإلا، ألم يقل هؤلاء، جميعاً، يومها إن في إمكان حزب الله احتلال لبنان كله خلال ساعات، فلماذا لم يفعل إذاً؟
ولأن الأمر لم يكن يخص المقاومة في لبنان وحدها، عمل الغرب على معاقبة كل من يقف إلى جانبها. وبتنا أمام واقع جديد: برامج مفتوحة للعقوبات الأميركية على أشخاص وكيانات ومؤسسات. ولغة مختلفة في كل وسائل الإعلام، وخطب وعظات دينية من نوع مختلف، ولعبة إسكان الخوف في عقول الناس العاديين وقلوبهم، وإقناعهم بأن وحشاً يقف على باب الدار اسمه حزب الله!
بعد انتصار المقاومة في تموز 2006، تبدّلت أحوال المقاومة في فلسطين، وتبدّل المشهد في العراق، وبدأ بروز قوة أنصار الله في اليمن، وصار الحديث عن المقاومة عنواناً يومياً في كل التجمعات الشعبية والنخبوية في كل العالم العربي، وتُوّجت سوريا عاصمة لمحور مقاومة عربية تدعمه إيران. ولم يكن ما ظهر في وثائق «ويكيليكس» الخاصة بلبنان والعالم العربي سوى عينة تكشف حجم الاحتقان القائم لدى أنصار الغرب وإسرائيل في كل العالم العربي لا في لبنان فقط.
هلا يجري مجانين اليوم مقاصّة لبرنامج شيطنة المقاومة وحصارها وقتالها منذ اغتيال الحريري وعدوان 2006 مروراً بتحدي 5 أيار والحرب السورية
فجأة شُنَّت الحرب على سوريا في العام 2011 لتفتح الباب أمام جهات ومجموعات لبنانية معادية للعرب والعروبة والمقاومة لتعيد تموضعها على قاعدة أن انقلاباً شاملاً سيحصل خلال أسابيع أو شهور قليلة. ولا زلت أذكر سؤال مسؤول عربي كبير لي: ماذا سيفعل أصدقاؤك في حزب الله بعد سقوط النظام في دمشق؟ وهو كرر قبل مدة، لصديق مشترك، جوابي له: سأقول لك ماذا سيفعل حزب الله لمنع سقوط النظام في سوريا.
يومها، انهزم كثيرون من لا أعرف حتى اليوم إن كانوا أصلاً على هذه الهيئة أم أنهم لم يتحملوا الضغط. لكن، وقبل أن ترسل المقاومة مجموعات منها للدفاع عن سوريا، كان حلفاء أميركا وإسرائيل يشكلون أوسع جبهة سياسية في لبنان تضم كل خصوم المقاومة الذين نراهم اليوم، ولم يتركوا سبيلاً لدعم المجموعات المسلحة في سوريا. لم يقتصر الأمر على المواقف الإعلامية، بل شمل الدعم بالمال والسلاح والخدمات الأمنية، بما في ذلك المساعدة في انشقاق مسؤولين سياسيين. ونشط هؤلاء، في دعم ذهاب مجموعات لبنانية إلى سوريا للقتال إلى جانب المسلحين، فخرج من صيدا وطرابلس وبيروت والبقاع من التحق بهؤلاء، وخرجت إلى الضوء تجمعات لرجال دين وقوى سلفية، من أحمد الأسير في صيدا إلى سالم الرافعي في طرابلس إلى آخرين في عكار والبقاع، وتولى هؤلاء تعبئة الجمهور ضد النظام في سوريا، وضد حزب الله، والحديث عن المقاومة باعتبارها قوة مذهبية تعمل على قتل السنة لفرض التشيع. ونشأت سردية لم تتوقف الماكينة الإعلامية عن ضخها لسنوات سبع، حصلت خلالها عشرات عمليات الاستفزاز للمقاومة وأنصارها.
مع ذلك، ما الذي فعله حزب الله؟
لم يقاتل أحمد الأسير في صيدا. تجنّبه طوال الوقت وتجنّب كل استفزازاته وقطعه للطرق وشتم الناس، ولم يقاتل المجموعات السلفية في طرابلس أو عرسال أو سعد نايل، أو حتى المجموعات الخاصة بوليد جنبلاط التي كانت تعمل على نجدة رفاقهم في سوريا... كل ما فعله الحزب أنه ارتضى حكم القضاء وإدارة الجيش للملف، ولننظر أين هم اليوم كل من تطوّعوا لإشعال حرب أهلية...
واليوم، ما الذي فعله حزب الله مع مجموعة من عملاء العدو في بلدة شويا تجرأوا على مجموعة من المقاومين، وماذا فعل مع قتلة ومرتزقة من سكان منطقة خلدة اعتدوا على الناس وقتلوهم حتى وهم يدفنون موتاهم، وما الذي فعله مع حفنة مجانين يعتقدون بأنهم سطّروا البطولات عند ارتكاب مجزرة الطيونة (هذه الحادثة اسمها مجزرة الطيونة، وليست حادثة عين الرمانة يا غبطة البطريرك!). ماذا فعل غير انتظار حكم القضاء، وترك الملف لإدارة الجيش الذي يقوده مرشح أميركا لرئاسة الجمهورية جوزيف عون.
لكن ذلك كله لم ينجح في ردع هؤلاء الذين يصرّون على الموت المفتوح. وعلى المواجهة المباشرة، وعلى المشاهد التي تسعى إليها قنواتهم في لبنان والعالم العربي والغربي، ويريدون صوت الرصاص وصراخ الناس ومشاهد الدماء والدمار، فقط من أجل أن يرسّخوا في الأذهان بأن المقاومة ليست سوى مجموعة من الزعران يتوجب قتلهم أو سجنهم؟
ما الذي يمكن أن نفعله لنساعدهم غير أن نقول لهم:
تحاولون الاستعانة بالمجموعات المسلحة السورية التي لفظت أنفاسها، وأنتم تعرفون أن من يحاول منها رفع رأسه لن يجده على جسده.
تحاولون اللعب بأمن الفلسطينيين في لبنان، وأنتم تعلمون أن تيار المقاومة هو الأكثر حضوراً بينهم، أم أنكم لم ترصدوا نتائج معركة «سيف القدس»، وتريدون توريط بعض العصابات في ألعابكم القذرة، فقط لأن عقلاء المخيمات نجحوا طوال السنوات الماضية في تجنب كل مطبات الخلافات اللبنانية الداخلية.
وصولاً إلى حراك ثوار السفارات والحصار الغربي والعربي؟
تراهنون على مجموعات تجمعونها، بالقوة والمغريات، من بقايا أحزاب أو تركة زعماء أو شاردين من قوى خاسرة، في مقابل قوة تعرفون أنها - بخلاف كل من يتعامل معكم - أكثر تماسكاً عقائدياً وسياسياً وتنظيمياً، وأكثر تأهيلاً وقدرة، ولديها مددها من لبنان وفلسطين إلى سوريا والعراق واليمن... ومعهم إيران، ولا تعاني من ضائقة شعبية أو مالية أو سياسية أو تعبوية... ألا يتحدث أعتى أعدائها، من إسرائيل إلى أميركا، عن تنامي قوتها على رغم الحصار والضغوط والحروب والفتن؟
تتحدثون عن تحرير لبنان من جماعات إيرانية، وتعرفون أن هؤلاء لبنانيون أكثر منكم. فأنتم تحملون أمتعتكم عند أول هزة، وتتنمّرون على الآخرين بأن لديكم القدرة على السفر إلى بلاد الخليج والغرب. لكنكم لا تنتبهون إلى أنكم تنظّفون البلاد من قذارتكم، وتتركون لنا بلداً سيزداد هواؤه نظافة إن رحلتم منه غير مأسوف عليكم.
لندقق أكثر في ما تخططون له اليوم،
تسعون إلى تخيير سعد الحريري بين التزام تعاليم مكتوبة أو خسارة مستقبله السياسي والمالي وحتى الشخصي، وأنتم تعرفون أنه لا ينام كل ليلة من دون أن يتذكر ماذا فعلتم به في مثل هذه الأيام قبل 4 سنوات،
تمارسون ضغوطاً على وليد جنبلاط للتحالف مع سمير جعجع وتغرونه بأن «أهل السنة في لبنان سيعملون لديك إن قبلت مواجهة حزب الله»، وأنتم تعرفون أن الرجل له رأيه في «الجنس العاطل»، وهو لا يزال يذكر كيف أن جعله جعجع ينتظر أكثر من ساعة قبل وصوله إلى آخر لقاء بينهما في ضيافة نعمة طعمة، يوم حاول قائد «القوات» إقناعه بحكاية المواجهة الشاملة مع حزب الله.
تسعون إلى لمّ شتات 14 آذار، من سياسيين وإعلاميين وأكاديميين، وتتّكلون على الرفيق فارس سعيد الذي لم يحظ إلى اليوم بوعد، ولو شفهي، بأن يضمه زياد حواط إلى لائحته في جبيل. ولا بأس إن استمتع ابن قرطبا بألاعيب التحشيد النخبوي الذي بات يتطلب القليل من ممثلي «العشائر العربية».
هل تنتظرون جيشاً يسير خلف سامي الجميل أو ابن عمه، أو ربما خلف حفيد كميل شمعون، أم أن أنطون الصحناوي أقنعكم بأن لـ«جيش الرب» قوة سحرية تمحو الأعداء في لحظة واحدة على طريقة ألعاب الفيديو؟
هل تصدقون فعلاً أن قنوات الدجل التي تشترون إداراتها وعاملين فيها يمكن أن تقلب المشهد فيركض الناس خلف ثوار آخر الزمن ممن «كلهم إرادة» أو يركضون «نحو الوطن» متقدمين أو «منتشرين» بـ«خطوطهم الحمر»؟
الأرجح أنكم أغبياء. لكن المشكلة ليست فيكم، بل في من يصدّق برامجكم ومن يقبل أن يسير خلفكم مرة جديدة.
لكننا، مهما فعلتم، باقون هنا، هذه الأرض لنا، وهذه السماء لنا، وهذا الهواء لنا، ومن ضاقت عقولهم بجدران الحقد، فليبحثوا عما يناسبهم، هنا، أو بعيداً حيث يعتقدون أن الجنة في انتظارهم... ولا سلام!