مقالات مختارة
يوم القدس مجدداً
ناصر قنديل - صحيفة البناء
بعد شهر من انطلاق معركة سيف القدس، شهد خلاله كيان الاحتلال عمليات فك وتركيب سياسيّة عبرت عن نتائج الفشل السياسي والعسكري خلال المعركة، والذهاب الى ارتضاء الوصاية الأميركيّة طلباً للحماية، وتلبية شروطها بإزاحة بنيامين نتنياهو من رئاسة الحكومة، تعود القضايا التي فجّرت المعركة الى الواجهة مجدداً، المستوطنون يمسكون بدفة القرار الميداني في شارع الكيان ويقودون الصف السياسي، وقد حسموا أمرهم بالمضي في عمليات التطهير العرقي داخل الأراضي المحتلة عام 48 وفي القدس تحقيقاً لدولتهم اليهودية. وبالمقابل الجيل الفلسطيني الثالث أو جيل الألفية الثالثة الناهض لمواجهة توحّش المستوطنين وانكشاف كذبة الديمقراطية، والجامع للضفة الغربية والقدس والأراضي المحتلة عام 48، بعدما منح مشاريع التفاوض والرهانات الفصائليّة المتقابلة أكثر من عقدين خسر خلالهما الفلسطينيون مزيداً من الأرض واختلّ خلالهما ميزان السكان أكثر لصالح مزيد من الاستيطان، ومع هذا الجيل وخلفه تقف قوى صاعدة في الفصائل، وخصوصاً في قوى المقاومة، أعادت ترتيب أوراقها على قاعدة بناء قدرات الردع، وحسمت هويتها ضمن محور المقاومة، واستثمرت على انتصاراته في الإقليم، واعادت تصويب البوصلة بعيداً عن لعبة المصالح الفئوية والسلطوية المحلية.
الصدام يبدو حتمياً، بين المسارين الحاكمين لمستقبل حركة الكيان ومستوطنيه، وحركة الشعب الفلسطيني والقوى الصاعدة فيه، ومأزق الأميركيين يأتي من كونهم لم يستوعبوا حجم التغيير الجاري على الضفتين، فهم لا زالوا ينظرون للقضية الفلسطينية بعين اللحظة التي سبقت زمن دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، عشية نهاية ولاية الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ورئيس حكومة الكيان السابق ايهودا باراك والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وفشل مفاوضات عام 2000 في كامب ديفيد، ويتحدّثون عن حل الدولتين كإطار عاجز عن الإجابة على قضية الاستيطان في الضفة، وعاجز عن الإجابة عن تساؤلات أبناء مناطق الـ48 وعاجز عن الإجابة على الأسئلة التي يطرحها مصير القدس، وسقف ما يسعى اليه الأميركيون هو تهدئة للتهدئة، أو تفاوض للتفاوض، لأن المطلوب نزع فتيل التصعيد الذي يخشاه الأميركيون كمدخل لحرب إقليمية تهدّد بها قوى محور المقاومة، دفاعاً عن القدس، كما يخشون قيام كيان الاحتلال بتوريطهم بحرب إقليمية لنسف مفاوضاتهم الهادفة للعودة الى الاتفاق النووي مع إيران، كما هو تماماً حالهم مع نتنياهو.
الفراغ الاستراتيجي قائم بنظر الفلسطينيين، فالأميركيون لم ينجحوا بترميم ما فقدوه خلال عقدين من حضور ونفوذ ومقدرات في المنطقة، وصعود محور المقاومة فرصة يجب الاستثمار عليها، ومنازلة القدس التي تبدو اليوم حدثاً متوقعاً، لا يمكن أن تنتهي بلا غالب ولا مغلوب، كما حاول نتنياهو تصوير نهاية معركة سيف القدس، بينما يعلم الجميع أن وقف المعركة دون توقف الصواريخ الفلسطينية التي أمطرت مدن الكيان، وفشلت القبة الحديدية بصدّها، ودون حرب بريّة ردعها وجود صواريخ الكورنيت التي ظهرت في الأيام الأولى للمعركة، قد تمّ بطلب نتنياهو تسليماً بالفشل، بعد رفضه لطلبات أميركية وأوروبية متكررة لوقف النار، وهذا الفراغ الإستراتيجي قائم بنظر قادة المستوطنين، الذين يريدون فرض اختبار الخيارات على الحكومة الجديدة التي يترأسها أحد رموز الاستيطان نفتالي بينيت، واستثمار حاجة نتنياهو لإحراج الحكومة وإذلالها في الميدان وتظهير خضوعها لواشنطن، واستعراض القوة بوجهها، ما يجعل مشهد التصعيد الاحتمال الأشد قوة لما سيحدث اليوم.
الدعوة لمسيرة الأعلام الصهيونية في القدس اليوم ومقابلها الدعوة للنفير الوطني الفلسطيني لنصرة القدس، يضع القدس في واجهة الأحداث العالمية، ولم يغب عن بيان الدعوة للنفير الوطني الذي أصدرته لجنة المتابعة الوطنية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48، دعوة قوى المقاومة في غزة ولبنان للاستنفار تحسباً لمسار الأمور، ما يجعل الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، والباب الوحيد لنجاح محاولات منع التصعيد هو منع المستوطنين من الاقتراب من الأحياء العربية في القدس ومن المسجد الأقصى، وإن حدث ذلك تحقق انتصار كبير بفرض قواعد اشتباك تجعل القدس خطاً أحمر غير قابل للانتهاك، وإن لم يحدث فالمواجهة ستتسع وتكبر ولا أحد يستطيع رسم سقوف مسبقة لها.