معركة أولي البأس

مقالات مختارة

«أسبوع أفلام المقاومة والتحرير»: المثقف المشتبك من تونس إلى فلسطين
01/06/2021

«أسبوع أفلام المقاومة والتحرير»: المثقف المشتبك من تونس إلى فلسطين

 ريم بن خليفة - صحيفة الأخبار 

«المثقف المشتبك» تسمية أُطلقت على الشهيد باسل الأعرج وقبله على غسان كنفاني، وتعني التصاق المثقف بشعبه، بانكساراته، وأحلامه ومقاومته اليومية.

هذه الفكرة جسّدتها «أسبوع أفلام المقاومة والتحرير» في نسخته الثانية التي اختُتمت أخيراً في تونس في توقيت انتصرت فيها المقاومة الفلسطينية في معركة «سيف القدس»، فيما الحرب ما زالت متواصلة حتى استرداد الأرض. وكان انطلاق المهرجان كذلك احتفالاً بذكرى انتصار المقاومة اللبنانية سنة 2000.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]

الافتتاح كان بالفيلم الفلسطيني «أرض الحكاية» (2012) للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي يتّسق مع بيتٍ لمحمود درويش «من يكتب حكايته يرث/ أرض الكلام، ويملك المعنى تماماً». بأسلوب وثائقي، صور المشهراوي حواري القدس بين تاريخين، وما حل بها من تغييرات أحدثها الاحتلال الصهيوني للمدينة. وقد كان الفيلم مشابهاً للأحداث الأخيرة في فلسطين المحتلة، حيث الفلسطينيون ما زالوا يكابدون نفس المعاناة اليومية من تضييق ومحاولات تطبيق مخططات التهويد. في المقابل، فإن ذلك يزيدهم تمسكاً بالهوية العربية للقدس.

خمسة أفلام اجتمعت على قوة الطرح والجمالية الفنية. في فيلم «خلة وردة» (2011)، تناول المخرج عادل سرحان كفاح أهل الجنوب اللبناني ضد الاحتلال الإسرائيلي. جمع الفيلم بين الدراما والكوميديا، طارحاً قضية الأرض ومقاومة المواطن البسيط.

في التوقيت الزمني نفسه، يندرج فيلم «السر المدفون» (2015) للمخرج علي غفاري الذي يتناول قصة واقعية عن أم لبنانية قاومت وصبرت على أذى عائلتها بسبب كتمان استشهاد ابنها في تفجير لدورية للكيان الصهيوني.

إن المتأمل في المثقف العربي يلاحظ حتماً قصوره في العقدين الأخيرين وعزلته عن مجتمعه وقضاياه وعدوه. راح يختصر دوره في كتابة الأبحاث والتأصيل للنظريات من دون أن يترجم ذلك على أرض الواقع. فلا يكفي أن ينحصر دوره في برجه العاجي داخل مكتبه وخيالاته من دون أن يشتبك مع قضاياه وجهاً لوجه، ويوجّه كاميراه وقلمه نحو العدو.

غير أن لكل قاعدة استثناءات. وها هي الخمسة أفلام التي انتقتها جمعية «رسالات»، منظمة الحدث، لتأثيث أيام المهرجان خير شاهد على ذلك.
فيلم «رد القضاء» (2016) للمخرج السوري نجدة أنزور عرض المعارك اليومية والمواجهات التي خاضها الجيش السوري ضد الإرهابيين لفك حصار سجن حلب المركزي وتصوير التطور الزمني للأحداث من البداية لغاية عملية فك الحصار.

للسنة الثانية على التوالي، تشهد تظاهرة «أسبوع أفلام المقاومة والتحرير» عرض فيلم أمينة للممثل والمخرج السوري أيمن زيدان الذي صوَّر مسؤولية فنان حمل وجع وطنه. يدور فيلم «أمينة» (2018) حول امرأة واجهت الكثير من المتاعب والأطماع، وعاشت صراعاً بسبب ظروف ابنها المريض العاجز عن الحركة والنطق بعد إصابته برصاصة، وطمع أحد المتنفذين بابنتها.
خلال مداخلته في الندوة الثانية في المهرجان التي حملت «كيف تكون السينما المقاومة» (أدارها الزميل بيار أبي صعب)، تحدّث زيدان عن صعوبة الفعل الفني الإبداعي في زمن الحرب. مع ذلك، لا مناص من توثيق السينما والدراما لتلك الأحداث بعيداً عن تجاذبات الإعلام. من جهته، ذكر المخرج التونسي المعروف النوري بوزيد في الندوة نفسها أن فعل المقاومة في السينما قد يتجسد في أبسط التجليات لمقارعة السلطة والتهرب مما تفرضه على الفعل الإبداعي من رقابة وتكبيل.

الندوة الأولى كانت تحت عنوان «أي دور للمثقف المشتبك»، تحدثت الباحثة التونسية إيناس التليلي عن ضرورة توريث القضية عبر تفعيل دور المثقف المشتبك في التكوين وإحياء القضية الفلسطينية للأجيال الجديدة والقادمة. أما الإعلامية كوثر البشراوي، فقد استنكرت خضوع المثقف وامتناعه عن المقاومة وخموله إزاء القضية الفلسطينية.

في المقابل، قال بيار أبي صعب إن «المقاومة تضحية ودفع ثمن وإن لم ينخرط المثقف في هذا المسار واختار منطقة الرخاء، فإن الجماهير ستلفظ النخب المثقفة وستعوّل على نفسها لبناء وعيها بطرق مغايرة». واستشهد بموقف الطيار التونسي الذي رفض المرور جواً من الكيان الصهيوني وتم طرده من عمله لاحقاً، لكنه كان مؤمناً ومقتنعاً بما أقدم عليه.
وأضاف أبي صعب أن تحرير المرأة والحريات وبناء الديمقراطية تمرّ من فلسطين، ذاكراً أن الأنظمة العربية كانت تطلق الرصاص على شعوبها بدل إطلاقها على الكيان الصهيوني.
هكذا، اختتمت الدورة الثانية من «أسبوع أفلام المقاومة والتحرير» التي لم تكن بحجم الدورة الأولى بحكم القيود الصحية المفروضة، إلا أنّها كانت رسالة وجّهتها جمعية «رسالات» وضيوفها وكل المنخرطين في الحدث، ومن تونس تحديداً، إلى المقاومين عامة وفلسطين خاصة.

الشيخ علي ضاهر: شراكات مع المغرب العربي

أسدل الستار أول من أمس، عن النسخة الثانية من «أسبوع أفلام المقاومة والتحرير» التي أقيمت في تونس. التظاهرة الثقافية التي تنظمها «الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات» مع مجموعات شراكات في الداخل التونسي، توسعت مروحتها هذا العام، لتشمل محافظات وولايات تونسية، حُرمت في النسخة الأولى من المشاركة في المهرجان، وسط إقبال صنّفه المشرف العام لـ«رسالات» الشيخ علي ضاهر ضمن خانة «الجيد جداً»، مع نية تثبيته في الأعوام المقبلة. وكشف ضاهر في حديث إلى «الأخبار» عن المشاريع المقبلة للجمعية اللبنانية، التي تسعى لعقد اتفاقات وشراكات أخرى في المغرب العربي أو في بعض الدول العربية ما خلا الخليجية نظراً إلى طبيعتها السياسية ودخول بعضها أخيراً في حلقات التطبيع مع كيان الاحتلال. فبعد تونس البلد الذي يتّسم بأرضية داعمة للمقاومة بكل أشكالها العسكرية والثقافية والرافضة للتطبيع، طرقت «رسالات» باب الجزائر، البلد الذي يتقاطع مع تونس في دعمه للمقاومة ومناهضته للتطبيع، ضمن عقد لشراكات في الداخل، لكن وباء كورونا حال دون تنفيذها. ضاهر عرّج أيضاً، على إمكانية التعاون مع المغرب، وحتى مع دول أفريقية، ونقل المهرجان الثقافي إلى سوريا والعراق في الأعوام المقبلة.

أسبوع أفلام المقاومة والتحرير ـ تونس

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة