معركة أولي البأس

مقالات مختارة

03/10/2019

"كشّافة" السعودية تضرب في لبنان: المهمّة "إضعاف حزب الله"

ليا القزي - صحيفة "الأخبار"

تواصل «الأخبار» نشر فصول الوثيقة المسرّبة التي أعدّها مستشارو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وتكشف خطط السعودية ووسائلها لشنّ حرب ذات مستويات متنوعة ضدّ طهران. وقد عرض السعوديون خططهم ومشاريعهم لمناهضة إيران، في أوائل سنة 2017، على فريق دونالد ترامب للتباحث بشأنها، ولتنسيق الجهود السعودية والأميركية في العمل على تطويرها. نتوقّف اليوم عن مُبادرة «إضعاف حزب الله في لبنان»، وهي مكتوبة بلغة تُشبه أفكار «حكم القناصل». تتشكّل المبادرة من أربعة محاور معظمها جرت محاولات لتطبيقه. صحيح أنّ بعض هذه البنود اتّسم بخطورة كالتضييق الاقتصادي وتشديد المراقبة على تحويلات المغتربين، إلا أنّ بعضها الآخر يحوز على قدر عالٍ من الفكاهة، كقرار مواجهة حزب الله عبر إنشاء «مراكز كشفية معتدلة».

لا تحيد الرؤية السعودية ضد المقاومة في لبنان عن نظيرتيها الأميركية والإسرائيلية. تلتحق بهما، مُقدّمةً نفسها أداةً لمواجهة حزب الله. في خطتها المُسماة «مواجهة عملاء إيران»، تنهل الوثيقة التي قدّمتها السعودية إلى الولايات المتحدة الأميركية، من أدبيات عبرية علنية لمواجهة «الحزب»، كما تُقدّم أفكاراً عدّة لـ«تطويق» المقاومة، «تصدف» أن تكون متطابقة مع المتطلبات الإسرائيلية.

تطويق لبنان اقتصادياً واستهداف مصالحه عبر تشريع استهداف معابره الرئيسية بحجة سيطرة حزب الله عليها، أو تضييق الخناق على المغتربين وتحويلاتهم إلى البلد. في لبنان، كما في إيران، تُقدّم السعودية نموذجاً لكرسي تستحق الجلوس عليه مع الأميركي والإسرائيلي، مع نُقطة إيجابية تعوّل عليها لبنانياً، وهي انخراطها القديم في السياسة الداخلية، واتكاؤها على علاقات متشعّبة محلية وخارجية تؤثّر على صنع القرار في بيروت.

انطلاقاً من هذه الخلفية، كانت «مواجهة حزب الله في لبنان»، واحدة من المبادرتين اللتين وضعتهما الرياض، وشاركتهما مع الإدارة الأميركية، من ضمن الخطة التي أُطلقت عليها تسمية «مواجهة سياسات النظام الإيراني العدائية: مواجهة عملاء إيران». هدف المبادرة حُدّد بـ«إضعاف حزب الله بشكل واضح وملموس داخلياً وإقليمياً ودولياً»، فالسعودية اعتقدت أنّها بتحقيقه تكون قد حقّقت تقدّماً على إيران.

في الوثيقة التي وُضعت سنة 2017، تشرح السعودية برنامج العمل التفصيلي لـ«إضعاف» حزب الله، من خلال تحديد الخطوات الواجب القيام بها، والأدوات التي يجب الاستعانة بها، لبلوغ الهدف النهائي. العديد من النقاط الواردة في خطّة العمل، تُساهم في فهم سياسة السعودية وتدلّ على تماهيها مع الرؤية الإسرائيلية في المنطقة.

تتوزع الخطة على أربعة محاور: السياسي، الاقتصادي، الإعلامي، العسكري.

أولاً: المحور السياسي

في آذار الـ2016، صنّف مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية، حزب الله كمنظمة إرهابية. تبع القرار اجتماعٌ لمجلس الوزراء برئاسة الملك سلمان، في الشهر نفسه، مؤكّداً قرار «التعاون الخليجي»، نظراً «لاستمرار الأعمال العدائية التي يقوم بها أفراد تلك المليشيات، وما تُشكّله من انتهاك صارخ لسيادة دول المجلس وأمنها واستقرارها». هذا الحصار السياسي، كان من البنود الأولى التي وردت في المحور السياسي من الوثيقة: «تصنيف حزب الله بجناحيه العسكري والسياسي كمنظمة إرهابية، والعمل على استصدار قرارات بهذا الشأن في مجلس الأمن». بعد عام 2017، حاولت الدول العربية إدراج تصنيف حزب الله كـ«إرهابي» في بيانات القمم العربية، لكنّها ووجِهت باعتراض الوفد اللبناني عليه.

وبالتعاون مع «المحاكم الأوروبية والدولية»، كشفت السعودية في الوثيقة عن اقتراحها رفع قضايا ضدّ حزب الله «وخاصة عن جرائمه في سوريا وفي الداخل اللبناني».

بعد تطويق الحزب إقليمياً ودولياً، يأتي دور «استقطاب التيارات السياسية المتحالفة معه وخاصة التيارات المسيحية (التيار الوطني الحر وتيار المردة)، مع العمل على الضغط على هذه التيارات من قِبل الدول الصديقة، وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا».

كذلك أوردت الوثيقة بنداً خاصاً لـ«دعم الشخصيات المؤثرة والمعتدلة داخل المكون الشيعي سياسياً ومالياً»، وذلك من خلال:
- التركيز على قاعدة الشباب الشيعي لخلق مجموعات معتدلة في فكرها.
- بذل مجهودات حقيقية لاستقطاب القيادات الشابة داخل حزب الله نفسه.
إضافة إلى دعم الشخصيات المعارضة لحزب الله «من خلال دعمهم في الانتخابات النيابية لتتمكّن من الحصول على أغلبية برلمانية».

ثانياً: المحور الاقتصادي

نال المحور الاقتصادي حيّزاً من مبادرة «إضعاف حزب الله» على قاعدة «تجفيف موارده المادية، وإبعاده عن المرافق الحيوية» لذا تطرح الخطة «تشديد ومراقبة التحويلات المالية على لبنان». عملياً، توقفت في 2016 التحويلات المالية من السعودية إلى لبنان، وفي 2017 رُفض تحويل الأموال إلى بيروت إلا بعد موافقة الكفيل وطلب مستندات والتحقق من مصادر الأموال. بالتوازي مع مراقبة التحويلات المالية، فُرضت عقوبات أميركية على المصارف والمؤسسات «التي تُقدّم أيّ مساعدة لحزب الله، أو مقربين منه». وفي عامي 2015 و2016، انضمت السعودية إلى هذه الموجة عبر فرض عقوبات على اثنين من قياديي حزب الله، وتجميد أصولهما وحظر تعامل السعوديين معهما بتهمة أنّهما مسؤولان عن «عمليات إرهابية في أنحاء الشرق الأوسط». أما «الترهيب» الثاني، فتحذير وزارة الداخلية السعودية من التعامل مع حزب الله بأيّ شكل كان، مع التهديد باتّخاذ عقوبات مشدّدة بحق كل مواطن أو مُقيم يُظهر دعماً لـ«الحزب»، أو يُروج له، أو «يتبرّع» له.

الأداة الاقتصادية بعد العقوبات المباشرة وتطرحها السعودية في المبادرة، هي «الحدّ من سيطرة حزب الله على المنافذ الدولية (مطار بيروت الدولي، ميناء بيروت البحري) من خلال إجراءات ضغط، وتوظيف تأثير المملكة التجاري والسياحي»، مع التخطيط لإنشاء «مطار دولي بديل يكون شمالاً بحيث لا يخضع بأيّ حال لسيطرة حزب الله».

أما النقطة الثالثة الواردة في الشق الاقتصادي، فهي «تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لقطاع واسع من شباب الأعمال، وخاصة المكون الشيعي بهدف تحييد فئة كبيرة منهم، والذين يعتمدون على إعانة الحزب مادياً، مع خلق وظائف لهذه المشاريع مما يُساهم باستقطابهم أو إبعادهم عن الحزب».

ثالثاً: المحور الإعلامي

تذكر الوثيقة أنّه يجب «دعم القنوات الإعلامية اللبنانية والتلفزيونية المعتدلة والوطنية المناهضة لسياسات حزب الله، والعمل معها على وضع سياسات لكشف تجاوزات الحزب وتوجيهاته العقائدية». وهذا الأمر ليس بالجديد على السياسات السعوديّة، حتّى قبل ولي العهد الحالي. فقد نشرت «الأخبار» قبل أربع سنوات، بالتعاون مع موقع «ويكيليكس» وثائق سرية لوزارة الخارجية السعودية. تُظهر الوثائق أنّه في عام 2012 دفعت السعودية مليونَي دولار لمحطة (MTV) اللبنانيّة، شرط أن تكون بخدمة المملكة تقنياً وسياسياً («الأخبار»، 20/06/2015). وقد حاولت السعودية تطويع المؤسسة اللبنانية للإرسال، إنّما بوسيلة أخرى. فبحسب الوثائق نفسها، هُددت lbci بلَي ذراعها عبر شركة الإعلانات المتعاقدة معها (مجموعة الشويري الخاضعة للوصاية السعودية)، إذا «تمادت بمواقفها ضدّ المملكة» («الأخبار»، 22/06/2015).

رابعاً: المحور العسكري

آخر المحاور في مستند «مواجهة حزب الله في لبنان» هو المحور العسكري حيث تتراوح بنوده بين تشديد الرقابة بالوسائل كافة على تهريب الأسلحة لحزب الله، وتفعيل دور قوات الأمم المتّحدة لتتمكّن من الاضطلاع بمراقبة الحدود البرية مع سوريا والحدود البحرية)، لكن الأهم بالنسبة لهم كان في ضرورة «إنشاء مراكز كشفية للشباب المعتدل لتدريبهم داخلياً وإمكانية ابتعاثهم في دورات خارجية ليكونوا لبنة لبناء المؤسسات العسكرية والأمنية مستقبلاً، ومواجهة حزب الله داخلياً إن لزم الأمر».

وتشدّد الوثيقة على أن الدعم السعودي للجيش اللبناني مشروط. وتقول الوثيقة إنه يمكن «تقوية الجيش اللبناني والمؤسسات الحكومية بعد التأكّد من خلو سيطرة الحزب عليها وتنظيفها بالكامل من عناصره».

وهنا تجدر الإشارة إلى أن «مملكة الخير» باشرت قبل سنة من كتابة الوثيقة بـ«معاقبة» الجيش واستخدامه ورقة لتصيفة حسابات سياسية. ففي شباط 2016، أوقفت هبة بقيمة ثلاثة مليارات دولار لتسليحه. وامتنعت عن صرف ما تبقى من هبة المليار دولار لقوى الأمن الداخلي، بسبب «مواقف لبنان المعادية على المنابر الدولية والإقليمية، وعدم إدانة لبنان الاعتداء على سفارة السعودية في طهران مطلع 2016» («الأخبار»، 20/02/2016). وبحسب وكالة الأنباء السعودية، فإنّ القرار هو «نتيجة مواقف لبنانية مناهضة للمملكة في ظلّ مصادرة ما يُسمّى حزب الله لإرادة الدولة اللبنانية». لا تنفصل طريقة التعاطي السعودية مع الهبتَين العسكريتين عن نظرتها العامة تجاه لبنان. نظرة دونية، تربط كلّ «مساعدة» له بثمن تقبضه. التعبير الأوضح عن ذلك، كان في 2017، حين قال وزير الداخلية السابق، نائب تيار المستقبل نهاد المشنوق، إنّ «المطلوب دفع ثمن سياسي للمملكة مقابل عودة الهبة المالية للجيش».

مطاردة سياسية: ممنوع التحالف مع حزب الله

العلاقة بين التيار الوطني الحر والسعودية، دلّت على فشل خطة الأخيرة. تُفيد المعلومات أنّ الدولة الخليجية لم تكن مستاءة من انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولكنّها لم توافق على الترشيح، الذي تبنّته قوى أساسية في ما كان يُعرف بتحالف 14 آذار. وقد دُعي عون لزيارة السعودية في كانون الثاني 2017 (غاب عن استقباله ولي العهد محمد بن نايف وولي ولي العهد محمد بن سلمان)، إلا أنّ التضييق على عهد عون، بدأ في شباط، مع حديث الرئيس اللبناني إلى قناة CBC المصرية، عن ضرورة وجود سلاح المقاومة، طالما هناك أرض محتلة والجيش ليس قوياً كفاية ليُحاربها («الأخبار»، 13/02/2017).

انطلقت التهديدات بضرب النظام المصرفي اللبناني، وممارسة الضغوط السياسية على حلفاء حزب الله في الداخل. في تشرين الأول 2017، أرادت السعودية تشكيل حلف جديد يضم إلى جانب تيار المستقبل كلّاً من الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب والقوات اللبنانية. استُدعي ممثلون عن القوى الأربع إلى الرياض، فلم يُلبّي الدعوة إلا «الكتائب» و«القوات»، في حين أنّ جنبلاط اعتذر، مُبرّراً بأنّه «لا أستطيع تكرار التجارب الخاطئة». بعد شهرٍ، في 4 تشرين الثاني، استُدعي الحريري على عجل إلى السعودية، حيث أُجبر على تلاوة استقالته («الأخبار»، 06/11/2017)، واعتُقل قبل أن «يُحرّر» في 18 الشهر نفسه (20/11/2017). لكن السعودية استمرت في الضغط مع اقتراب الانتخابات النيابية في 2018. وفي آذار من العام المذكور، استُدعي الحريري مُجدّداً إلى الرياض للطلب منه تشكيل جبهة ضدّ حزب الله بعد الانتخابات النيابية («الأخبار»، 10/03/2018)، مع ترك «هامشٍ» له هو علاقته برئيس الجمهورية. أما عون فقد تعرّض لضغوط هائلة لفكّ تحالفه مع حزب الله في الانتخابات من دون أن يرضخ لها.

عزّز التيار العوني وقوى 8 آذار من وجودهما بعد الانتخابات، فعُدّلت «أدوات» الخطة السعودية. طلبت بدايةً من الحريري ترتيب العلاقة مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع («الأخبار»، 16/05/2018)، فوافق رغم موقفه السلبي من حليفه السابق. ذلك أن الحريري يُحمّل جعجع جزءاً من مسؤولية ما تعرّض له في السعودية. أما الأمر الثاني، فوضع «فيتو» على تولّي حزب الله حقائب أمنية أو سيادية أو حقيبتي الاتصالات والأشغال. وعندما ارتكب السعوديون جريمة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، تنفّس لبنان وتشكلت حكومته بعيداً عن الأوامر الملكية.

إقرأ المزيد في: مقالات مختارة