فلسطين
هنية: معركة التحرير أمام انعطافة تاريخية
نقلًا عن صحيفة الأخبار اللبنانية
«لدينا من الإرادة والقدرة على الصمود أكثر ممّا يعتقد العدوّ، وما تحقق الى الآن يمثّل انعطافة كبيرة في المعركة الكبيرة المفتوحة حتى استعادة حقنا في فلسطين»...
بهذه العبارات الواضحة والحازمة، يختصر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس المجاهد إسماعيل هنية، لـ«الأخبار»، الموقف في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في جميع أماكن وجوده على أرض فلسطين التاريخية. ويجزم هنية بأن المقاومة ستواصل الرد على العدوان، وهي لا تتصرف على أساس أنها معنية بالتراجع أمام الضربات التي تصيب المدنيين، وخصوصاً ونحن نشاهد صرخات أهالي الشهداء والناجين من المجازر وهم يشددون على مواصلة المقاومة والتصدي للعدو.
يقول هنية إن المعركة التي تخوضها غزة لا تنطوي على مناورات من أجل مطالب تخص القطاع المحاصر منذ 16 سنة، بل هي معركة لأجل حماية القدس كعنوان مركزي للقضية الفلسطينية. وإن ما حصل حتى الآن، سواء على صعيد انتفاضة أهالي القدس والأحياء المجاورة وهبّة الضفة الغربية والمواجهات المفتوحة على مئات من نقاط المواجهة مع الاحتلال، الى حالة الغضب الشعبي في كل أراضي الـ 48، تقول بأن إعادة اللحمة الى فلسطين جغرافياً وسياسياً وميدانياً تمّت، وبأن القدس ستكون كما كانت عنوان أي معركة كالتي تقوم الآن أو غيرها.
يوضح هنية أن العالم فهم اليوم بأن القدس هي عنوان الصراع مع الاحتلال، وهي عنوان بكل ما تحتويه من رمزيات ومقدسات تخص المسلمين والمسيحيين وبما تمثله من قضية تحرر وطني تخص كل أحرار العالم وليس العرب والمسلمين فقط.
ويضيف: «لقد شاهد العالم بأمّ العين هذه القوة العسكرية الجبارة لفصائل المقاومة في قطاع غزة. وشاهد العالم قدراتنا في شل الكيان الغاصب، وفرض الحجر على غالبية سكانه، وإغلاق المطارات والموانئ. وهذا أمر يجب أن يكون واضحاً أنه فعلاً نجح في ربط المقاومة بالقدس مباشرة، وهذه القوة العسكرية تمثّل اليوم الرصيد الاستراتيجي للمشروع الوطني الفلسطيني وفي قلبه القدس، وهي قوة متعاظمة سيكون لها موقعها في كل الحسابات من الآن فصاعداً».
المقاومة تقاتل لأجل القدس لا لأجل غزة، وخيار المفاوضات والتنسيق الأمني سقط كما سقط منطق التعايش مع الاحتلال والمستوطنين
وأشار هنية الى أن «المعركة القائمة اليوم، أثبتت للعالم، كما للصهاينة، أن القدس ليست مسألة عابرة، وأنها مركز القلب في المشروع الوطني الفلسطيني، وهي نجحت في إعادة توحيد الشعب الفلسطيني على كل أرض فلسطين التاريخية، بل إن هذه المعركة أسقطت نظريات عمل الاحتلال على فرضها منذ احتلال فلسطين، وصار الجميع يشكك في أهلية مبدأ التعايش بين محتل غاصب وشعب مقهور ومحتلة أرضه ومستلبة حقوقه. كما أظهرت ردات الفعل داخل فلسطين وخارجها، أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم في هذه المعركة، وأن لهم امتدادهم الكبير في كل العالم العربي والإسلامي، وما نراه على مستوى تفاعل الشباب مع قضية القدس لهو أمر كبير جداً».
وقال هنية «إننا نرصد التحول الاستراتيجي الآن بفعل ما يحصل. وسنشهد استعادة الحيوية للمنطقة العربية والإسلامية وتواصلها مع أحرار العالم من أجل إعادة الاعتبار الى القضية الفلسطينية كقضية تحرر وطني، والعالم كله يراقب ردات الفعل من داخل فلسطين، ومن دول الطوق وعلى صعيد التحركات الشعبية في العالم، وكل ذلك سيكون له أثره البالغ على مسار مشروع المقاومة من أجل التحرير».
وقال هنية إن «على العالم أجمع، وخصوصاً الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أن يفهم جيداً ما الذي يحصل، وأن يقرأ التحولات الكبرى الجارية على أرض الواقع، وهو ملزم بالتعامل مع الشعب الفلسطيني بطريقة مختلفة من الآن فصاعداً، حتى إنه سيكون ملزماً التعامل مع حركات المقاومة نفسها على أنها حركات مقاومة تعمل ضمن معركة التحرر الوطني والخروج نهائياً من مربع التصنيف لها بأنها حركات إرهابية. وسيكون من غير المنطقي بل من الصعب على الغرب إدارة ظهره لقوى تمثّل طموحات شعب بالتحرر، وبأنها قوى تستند الى قواعد تاريخية وتمثل رصيداً شعبياً يكافح منذ زمن طويل ضد الاحتلال».
القدرات العسكرية تمثّل انعطافة في مسار معركة التحرير... وعلى الغرب الإقرار بهويتنا التحررية المقاومة والتخلّي عن نعتنا بالإرهاب
على الصعيد الميداني، قال هنية إن «كتائب الشهيد عز الدين القسام وقيادتها العسكرية في وضع ممتاز، ونحن نشهد اليوم انعطافة تاريخية على مستوى قدرات المقاومة وعقلها، وقد أظهرنا للعالم حجم التطور في عمل القيادة العسكرية للمقاومة، وهو ما تقوم به كل فصائل المقاومة، وهذا تطور كبير على صعيد إدارة المعركة. والكل يشاهد مباشرة الحرب الكبيرة بين العقول والأدمغة، وأظهرت المقاومة الفلسطينية قدراتها على ابتداع الأفكار واعتماد التكتيكات المناسبة ووضع السيناريوات للتعامل مع مجريات المعركة، وهذا شيء سيكون له أثره الكبير على المرحلة المقبلة. وكل ما يقوم به العدو من جرائم مباشرة وموصوفة ضد المدنيين من أطفال ونساء ورجال آمنين في منازلهم، يعني بالنسبة إلينا إشارة ضعف وفشل ويشير الى تعاظم أزمة مؤسساته العسكرية والأمنية في مواجهة المقاومة».
أما عن الاتصالات السياسية، فقد أشار هنية الى أن هناك «العديد من الأطراف التي تجري اتصالات معنا، من مصر وقطر وروسيا والأمم المتحدة، ونحن نقول للجميع بأن سبب ما يحصل هو إمعان العدو في تهويد القدس وتهجير الناس من الأحياء المقدسية والاعتداء المستمر على الأقصى، ونحن نؤكد للمتّصلين بنا أن العدو هو من فتح المعركة، والمقاومة لن تقبل حلاً لا يرقى الى مستويات التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني، ولا يرقى الى مستوى البطولات التي تظهرها المقاومة».
وفي الختام، يتوجه هنية بالتحية الى «جميع الذين يُظهرون فعل التضامن مع أهل فلسطين من دول الطوق ومن الدول العربية وأحرار العالم»، ويقول إن «ما يجري سيمثل انعطافة تثبت أن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد الذي يثمر التحرير واستعادة الحقوق، وإنه آن الأوان لمغادرة منطق التفاوض والتفاهمات والتنسيق الأمني مع قوات الاحتلال».