خاص العهد
بعد 13 عاماً: أين أصبحت بقية تعويضات حرب تموز؟
فاطمة سلامة
لا زلت أذكر جيداً تلك الجولة التي قادتنا الى الضاحية الجنوبية لبيروت مباشرةً بعد انتهاء الحرب. كنا حينها مجموعة طُلاب قد أنهينا سنتنا الدراسية الأولى. توجّهنا الى هناك نلتقط كاميراتنا بأيدينا لنوثّق مشاهد الدمار والركام هنا وهناك. همستُ في سري: كم تحتاج هذه المباني من الوقت ليُعاد إعمارها؟. حينها، كانت العين على مؤسّسات حزب الله خاصةً جهاد البناء التي بالفعل أرست تجربة غير مسبوقة في التاريخ البشري، كما قال الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله. ما إن انتهت الحرب حتى بدأت المؤسسة بالمسوحات وأعمال الترميم، والأهم تأمين وحدات سكنية بديلة للمهدّمة بيوتهم في العديد من المناطق اللبنانية.
وعندما نتحدّث عن ملف "إعادة الإعمار" بعد حرب تموز، ثمّة سؤال مركزي يحضر تلقائياً: ماذا لو لم تُبادر المقاومة عبر مؤسساتها باتجاه "المشرّدين" وتُرك الأمر للحكومة اللبنانية؟. لا تحتاج الإجابة الى تفكير، المكتوب يُقرأ من عنوانه. فكم من المرات والمرات التي تلكأت فيها حكومة فؤاد السنيورة عن صرف التعويضات التي أخذ بعضها بشق الأنفس. تماماً كما لا تزال بعض التعويضات عالقة في الحكومة الحالية. كل هذه المؤشرات تقودنا الى استنتاج واحد: لولا المقاومة لبقي أشرف الناس لسنوات في الطرقات، دون أن تحمل همّهم "دولتهم" الكريمة.
اليوم، وبعد مرور ثلاثة عشر عاماً على عدوان تموز وذكرى النصر الالهي الكبير في الرابع عشر من آب/ أغسطس المقبل، ثمّة سؤال يُطلقه هؤلاء الأهالي المتضرّرة منازلهم ومحالهم التجارية: أين أصبحت تعويضاتنا؟ خصوصاً عندما يسمعون من الدولة تباهيها بشراء مبنى "تاتش" في "سوليدير" بقيمة 75 مليون دولار، في خطوة تبدو أقرب الى ما يمكن تسميته "لزوم ما لا يلزم". بمعنى آخر، شراء بلا ضرورة يُبرز العقلية التي تتعاطى بها الحكومات اللبنانية مع الكثير من الملفات. نراها عند الضرورة والملفات المعيشية تغل يديها، فيما لا ترى حرجها في بسطها كل البسط لحسابات سياسية وشخصية هنا وهناك.
مصادر على صلة وثيقة بالملف تؤكّد لموقع "العهد" الإخباري أنّ نحو 230 مليار ليرة كتعويضات للمواطنين لا تزال عالقة في ذمّة الدولة. في الضاحية الجنوبية لبيروت مثلاً هناك 600 وحدة سكنية وتجارية من أصل 5800 لم تُستكمل تعويضاتهم بعد، رغم مرور كل هذه السنوات الطوال. في الجنوب أيضاً لا يزال حوالى 200 مليار ليرة عالقة أيضاً في رقبة الحكومة. الأمر ذاته في البقاع. وفي كل مرّة تجري مساءلة المعنيين يُبادرون الى الإجابة أنّ الملف يحتاج الى توقيع رئيس الحكومة. الملفات "تنام" والأخير يمتنع عن التوقيع لأسباب لا يتفهمها المصدر الذي يسأل: هل الأموال صُرفت واستخدمت في أماكن أخرى غير التعويضات؟ نريد أن نعرف.
ويسأل المصدر عن مصير الـ30 مليار ليرة التي أقرت كتعويضات خلال موازنة 2018، حينها حوّل منهم 15 للهيئة العليا للإغاثة لصرفها، ولم يُستكمل صرف البقية. كما يتمنى أن لا يواجه مبلغ الـ30 مليار ليرة التي وضعت في موازنة عام 2019 المصير نفسه، وأن يتم صرفها بلا تلكؤ. وفي هذا الصدد، يُؤكّد المصدر أنّ انتزاع بعض الحقوق للناس لم يكن سهلاً، بل مرّ بالكثير من المحطات خصوصاً في عهد السنيورة. كما يتوقّف المصدر عند المماطلة التي تواجهها الملفات غير السكنية والتي يتم تأخيرها بحجّة أنّ الأولوية للوحدات السكنية، وهذا تبرير غير دقيق ـ وفق المصدر ـ الذي يُشدّد على ضرورة إعطاء كل ذي حق حقه بغض النظر عن أي اعتبار، سائلاً في الختام: "ماذا لو تركوا الناس لشأنهم وتحت رحمة الحكومة؟".
الهيئة العليا للإغاثة...
رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير يؤكّد في حديث لموقع "العهد الإخباري" "ننتظر بدء العمل بموازنة عام 2019 حتى يتم "تسكير" كل الملفات المتعلّقة بالوحدات السكنية. أما الوحدات غير السكنية كالمحال التجارية والمستودعات بدأنا بتحضيرها إدارياً وسنعمل عليها في المرحلة اللاحقة". ويرى اللواء خير أنّ الأولوية للمنازل التي سننتهي قريباً منها بالتعاون مع مجلس الجنوب.
وينفي اللواء خير علمه بأنّ تكون الملفات عالقة لدى رئاسة الحكومة. يُفضّل الحديثه عن دوره كهيئة عليا للإغاثة، "نحن نقوم بواجبنا ونحضّر ملفاتنا جيداً". ويلفت اللواء خير الى أنّ الهيئة كانت تتمنى أن تبادر الى صرف التعويضات عشيّة عيد الأضحى، إلا أنّ الظروف لم تساعد. وختم حديثه بالقول" عما قريب ان شاء الله سيكون الجميع مسروراً بعد أن يأخذ حقّه"، على أمل أن يأخذ بالفعل كل ذي حق حقه فتنصف الحكومة "أشرف الناس".