خاص العهد
اقتصاد لبنان: فوائد مرتفعة.. بطالة مرتفعة
تعالت مؤخرا أصوات المطالبين بمستلزمات العيش في لبنان وانطوت جميعها تحت مظلّة فرص العمل. فإلى جانب الأزمات الحياتية يعاني الشباب اللبناني من أزمة البطالة.
وما هذه الأزمة سوى انعكاس للفشل الكامن في السياسات المالية والاقتصادية التي اتبعت منذ ولادة استراتجية الفوائد المرتفعة.
فالبطالة هي حصيلة الانكماش الاقتصادي الناتج عن غياب الاستثمار والذي بدوره يغيب نظرا لتلاشي الظروف المعبدة له.
وبالنتيجة فإن توالي الأزمات السياسية والأمنية شل الحركة الاقتصادية في البلد. فالمستثمر يبتعد عن المخاطر الأمنية والسياسية التي طالما شكلت الرفيق الدائم للبنان منذ نشأته. ومما لا شك فيه أن انتهاج سياسة الفوائد المرتفعة زاد الأمر تعقيدا.
وتبعا لكون لبنان يتميز بملكة الرقص على حافة الهاوية، تم الاتفاق بين مصرف لبنان ووزارة المالية على رفع الفوائد على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية من 7.5% الى 10.5%. يأتي هذا الاتفاق في سياق العجز الدائم في ميزانية الدولة الأمر الذي يدفع وزارة المال الى الاستدانة عبر هذه السندات لسدّ العجز. تحدد الفائدة على سندات الخزينة مسار الفائدة السائدة في السوق كونها الاستثمار الأقل خطورة وبالتالي الأقل فائدة مما يعني أن الفوائد سترتفع علاوة على ارتفاعها الأساسي.
ارتفاع الفوائد يدرج نتيجتين اساسيتين أولاهما انخفاض الطلب على الاقتراض الاستهلاكي الأمر الذي سيشلّ حركة السوق والثاني هو ارتفاع كلفة الاستثمار المتمثلة بكلفة الاقتراض بهدف بناء المشروع. اضافة الى ذلك ان ربحية أي مشروع يجب أن تفوق الفائدة على الودائع ليكون الاستثمار مربحاً. هذه النتائج محتومة لخطوة رفع الفائدة في بلد يعاني ركوداً اقتصادياً بحيث لا تزيد نسبة النمو فيه عن 2%.
وفي ظل الحاجة الدائمة لتشجيع الاستثمار كان المصرف المركزي قد تعاون مع كفالات وهي شركة مالية لبنانية تساعد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعمل في مجالات الزراعة والسياحة والصناعة أو التكنولوجيا على الوصول إلى التمويل المصرفي التجاري.
القروض التي تضمنها كفالات تستفيد من دعم سعر الفائدة والذي يتم تمويله من قبل الخزينة اللبنانية عبر ادارة المصرف المركزي. تم إنشاء هذه الإعانات للتخفيف من تأثير الزيادات في أسعار الفائدة المرتفعة في لبنان بسبب اقتراض القطاع العام.
وبالنظر الى الاحصاءات ضمنت كفالات في النصف الأول من العام الحالي 223 مشروعاً 36.32% منها في القطاع الزراعي و 37.67% في القطاع الصناعي و 2.69% في القطاع التكنولوجي و 21.52% في القطاع السياحي.
إن تجربة القروض المدعومة عبر مؤسسة الاسكان انتهت بعدم قدرة المصرف المركزي على تمويل هذا الدعم ليؤسس ذلك لانهيار مالي بحسب بعض التحليلات.
إن فعالية كفالات محدودة مقارنة بمؤسسة الاسكان، إلا أنها تكاد تكون المحاولة الوحيدة للتشجيع على الاستثمار.
وبالتالي، إن استمرارها وزيادة فعاليتها بات ضرورة نظرا لضرورة دعم القطاعات الانتاجية لخلق فرص عمل ودفع النمو للارتفاع علاوة على أهمية تنويع القطاعات كي لا تنتهي الأزمة إلى ما يعاني منه قطاع العقارات: شفير الانهيار.
السبب في البحث عن الحلول البديلة ينحصر بالعجز الدائم في ميزانية الدولة الذي يخضعها الى مطالب المصارف برفع الفوائد على سندات الخزينة. لم تعد السياسة المالية والنقدية للبنان مستقلة. محاولات الدعم لم تعد كافية لخلق الاستثمارات وبالتالي سيستمر الركود الاقتصادي وستبقى نسب البطالة في ارتفاع. الحل يكمن في خلق أجواء ملائمة للاستثمار بدءا من استقرار سياسي وأمني وصولا الى خفض الفوائد. والواضح أن خفض الفوائد يحتاج الى وقف الهدر والفساد لتقليص العجز في الميزانية، اضافة الى حلّ الأزمات التي تهلك ميزانية الدولة مثل قطاع الكهرباء وخدمة الدين.