خاص العهد
الشاشات الذكية تحاصر أطفالنا: المواجهة ممكنة والاهمال مكلف
زينب طالب
لا شكّ أنّ الأجهزة الذكية تلعب اليوم دوراً ايجابياً كبيراً في حياة البشرية، فهي وسيلة للانفتاح على العالم والتواصل والترفيه والمعرفة. الاّ أنّ انتشار هذه الأجهزة بين يدي الأطفال بشكل لافت، وبعضهم دون السنتين من العمر، وتزايد هذا الاستخدام لدى الشريحة الأكبر (3 الى 10 سنوات)، يدفعنا للسؤال عن السبب الكامن وراء ذلك، وعن انعكاسات علاقة الطفل بالشاشة الذكية لا سيما مع وجود دراسات غربية تتحدث عن مخاطر محتملة ناتجة عنها، وانتشار العيادات المتخصصة بمعالجة آثار وذيول الاستخدام الخاطئ للشاشات والأجهزة اللوحية من قبل الأطفال.
تجارب اجتماعية
يشكو طارق بغصة حالة ابنته البالغة من العمر أربع سنوات وهي الابنة الثالثة لموظفين بسيطين. لاحظ أهلها مؤخراً أنها تواجه صعوبات بالغة في التواصل مع محيطها مع تأخر في اللغة، واضطراب حاد في الانتباه وحركة زائدة. قصد والداها احدى العيادات الخاصة الذائعة الصيت لتخضع ابنتهما لجلسة تشخيص بلغت تكلفتها 100$ ثم جلستين قيمتهما 120$ تبين بموجبها أن ابنتهما لديها سمات تشبه التوحد مرتبطة بجلوس الطفلة لساعات طويلة أمام جهاز التلفزيون كما الايباد والهاتف. ويقول طارق انه اضطر للتوقف عن معالجة طفلته بعد فترة وجيزة لأن العلاج مكلف ومكثف وطويل (قد تفوق مدته الثلاث سنوات متواصلة) ويتطلب زيارة ثلاث عيادات تخصصية كل عيادة مرتين أسبوعياً، وهو ما يتخطى امكانياته المادية وزوجته. كما يبدي استغرابه لكون ابنته وابن عمها الذي يكبرها بأشهر والذي يشاطرها التعرض المفرط للشاشات اللوحية لا تبدو عليه أي آثار سلبية.
أما داني الذي ولد بصحة جسدية ونفسية جيدة، فما لبث أن انتقل الى العيادات العلاجية وهو في السنتين من العمر.
تقول والدته ـ وهي موظفة سابقة اضطرت الى وضع طفلها في الحضانة وهو دون الشهرين من العمرـ انه كان يشاهد التلفاز لفترة داخل الحضانة وكذلك تبين لها لاحقاً أنه كان يشاهده في بيت جدّه بعد عودته الى أن تقله عند الخامسة. وبحسرة تضيف: "حتى أنا كنت أعرّضه للشاشات المختلفة عند المساء حتى أتمكن من اعداد الطعام وتدريس اخوته ولم تبدُ عليه اي اعراض في البداية لأنه هادئ بطبعه". اليوم اضطرت الأم الى ترك عملها الذي تحب، والتفرغ للاعتناء بطفلها البالغ من العمر ثلاثة أعوام ونصف العام حيث يتطلب رعاية خاصة ومتابعة يومية لدى مختصين نفسيين ومختص حركة ونطق وقد حجزت له مقعداً في مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة. شعور الذنب لا يفارق الأم لكن أملها بالتجاوب مع العلاج كبير أيضاً.
كذلك تيا المولودة الأولى لعائلتها والتي لم تتخط العام والنصف تحاول أمها (ربة منزل) أحياناً ارضاءها وانهاء حفلة صراخها باعطائها هاتفها حيث تجول بين تطبيقات الانترنت المختلفة واليوتيوب. ولكنها لم تكن تعلم أن ابنتها ستتعلق بالهاتف الى درجة البحث المستمر عنه واكتشاف رمز القفل. وقد زاد المسألة تعقيداً أن الأب الذي يعمل بدوامين يعود الى منزله مرهقاً فيضع ابنته في حضنه ويشغل لها الهاتف حتى لا تتسلق جسده وتثير المتاعب من حوله. الآن يعاني الاهل من حركة الطفلة المفرطة وكذلك من صعوبات واضطرابات في النوم بحيث تبقى متيقّظة الى ما بعد منتصف الليل وتسرد والدتها : "حاولنا في احدى الليالي استخدام مهدئ شائع للأطفال، فنامت مدة ساعة قامت بعدها تمشي بلا اتزان مع مقاومة واضحة لأي محاولة في سبيل اعادتها الى فراشها".
دراسات
تكشف الباحثة والمختصة في العلوم الاجتماعية الدكتورة ليلى شمس الدين عن نتائج دراسات غربية أظهرت أنّ أكثر من ثلث الأطفال الرضع يستخدمون الشاشات اللوحية المحمولة قبل تعلم الكلام وأنّ 1 من كل 7 أطفال ممن أتموا عامهم الأول يستخدمون الأجهزة الذكية لمدة ساعة واحدة يومياً على الأقل. مشيرة أنّ الأطفال دون عمر السنتين لا يتعلمون كثيرا من الشاشات مع الاعتقاد أنّ استخدامها يعيق تطور اللغة ومهارات التفكير لديهم.
وتضيف حسب الدراسات أنّ 7 من 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين السنتين والخمس سنوات يمارسون الألعاب الالكترونية على الانترنت بارتياح تام، علماً أنّ 2 من 10 من هؤلاء الأطفال لا يستطيعون السباحة وحدهم وكذلك ارتداء ملابسهم من غير مساعدة .
وذكرت دراسة ضمت 125000 مشارك أنّ الصغار الذين يجلسون مع هذه الأجهزة لمدة تزيد عن الخمس ساعات هم عرضة للاكتئاب بشكل أكبر نسبة الى أقرانهم من غير المستهلكين لها.
وبينت دراسة أخرى أجريت على أطفال تتراوح أعمارهم بين 4 و5 سنوات أنّهم يقضون يومياً سبع ساعات ونصف الساعة على الأجهزة الذكية، وهذه نتيجة خطيرة اذا ما تمت مقارنتها مع دراسة سابقة دلت أنّ الأطفال كانوا يقضون أقل من ساعة وسبع عشرة دقيقة تقريباً، ما يعني أنّ تعلّق الأطفال بهذه الأجهزة واستخدامهم لها في ازدياد.
وخلصت دراسة غربية كذلك الى أنّ "55% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 3 و15 سنة يشعرون بالرغبة في الحصول على الشاشات اللوحية على حساب الألعاب التقليدية".
مرض الادمان الالكتروني واضطراب التمييز البصري
يحذّر مدير الشبكة العربية لتنمية الطفولة المبكرة ومستشار منظمة الصحة العالمية للرعاية وتنشئة الطفولة المختص في طب الأطفال في الجامعة الأميركية الدكتور غسان عيسى من "ادمان الأطفال على الأجهزة الذكية والألعاب الالكترونية" الذي صنفته منظمة الصحة العالمية رسمياً على أنه مرض ضمن الطبعة الـ 11 من التصنيف الدولي للأمراض (ICD)، مضيفاً أنّ "تعود الأطفال على الآيباد والتابليت وغيرها يخلق لديه مشكلة في التمييز بين الصور ذات البعدين والصور الحقيقية بأبعادها الثلاثة في العالم الواقعي". ويشير الى أنّ "كل نصف ساعة يقضيها الأطفال دون عمر السنتين على الشاشات والأجهزة اللوحية قد تؤدي ب 50% منهم الى تأخر على مستوى التعبير اللغوي". ويرى عيسى أنّ التربية الحديثة تستند الى أمرين: تعليم الطفل اللغة الأم، وتحفيزه على اللعب والاستكشاف (التعلم النشط) أي بخلاف ما يعتقده بعض الأهل من ضرورة استخدام الطفل للتكنولوجيا والاجهزة الذكية وتعلم اللغات الأجنبية أولاً ما يتناقض مع اساسيات هذه التربية.
اضطراب في الانتباه والتركيز وسمات توحد
المختصة في العلاج النفسي الحركي والسلوكي فاطمة زبد تؤكد أنّ 40% من الأطفال الذين يزورون عيادتها هم من المفرطين في استخدام الأجهزة الذكية. وتشرح أنّ الخلايا الدماغية تعمل في وضعيتين تسيطر الأولى عند النوم أو التعب أو المرض والثانية في حالة الوعي والتحليل . وأمام الشاشة تطغى الوضعية الاولى ليصبح الطفل في حالة استرخاء تفقده القدرة على اكتساب المعرفة او التفاعل مع محيطه. والجدير بالذكر أنّ "عدم تحفيز او تنشيط الخلايا الدماغية لفترات طويلة خلال النهار يؤثر على نمو الدماغ الذي لا يكتمل حتى عمر السبع سنوات" ما يعني أن اكتشاف المشكلة في وقت مبكر يساهم في اعادة تحفيز الخلايا المعطّلة لتتدنى نسبة التجاوب بعد هذا العمر. وبحسب احدى الدراسات فبعض الأطفال الذين هم في عمر السابعة لديهم مشكلات في الانتباه والتركيز تتزايد بتزايد أوقات مشاهدتهم للتلفزيون خلال عمر الأشهر الى الثلاث سنوات. ووجد الباحثون أنّ كل ساعة يقضيها الأطفال قبل عمر الست سنوات في مشاهدة التلفزيون تزيد من خطر اصابتهم باضطراب الانتباه بنسبة 10% وتؤدي للعزلة بنسبة 37%.
وتشير زبد الى "ازدياد عدد الأولاد الذين يعانون من مشاكل في الانتباه والذاكرة وفرط الحركة وتأخر اللغة وصعوبة في التواصل مع الآخر مترافقة مع سمات شبيهة بالتوحد معللة "أنّ الدراسات الغربية الأخيرة ترجّح أن تكون ناتجة عن جلوس الأطفال لساعات امام الأجهزة الذكية". كما أنّ الشاشات المستخدمة اليوم هي بأغلبها led وبالتالي يكون تأثيرها أقوى على العيون من الشاشة العادية ما يؤثر بدوره على افراز هرمون الميلاتنون مسببا القلق والاضطرابات في النوم (الميلاتنون هو هرمون تنتجه الغدة الصنوبرية في الدماغ ويلعب دوراً مهما في تنظيم دورة النوم لدى الشخص).
وترى زبد أن مدّة التعرض الى الشاشات والأجهزة الذكية تختلف بحسب الفئات العمرية مع الاجماع على مبدأ المنع الكلي للرضّع. وامكانية التعرض للشاشة لمدة ربع ساعة يوميا عند عمر السنتين على أن يجلس الأهل الى جانب الطفل ويفسروا له ما يشاهده ". ويسمح للطفل بالتعرض للشاشة لمدة ساعة يوميا (تشمل التلفزيون والأجهزة اللوحية) من عمر ثلاث الى ست سنوات. ولمدة لا تتجاوز الساعتين ـ بفضل بشكل متقطع ـ لمن هم في عمر السابعة وما فوق.
وتنبه أنه بعد عمر السابعة "يغيب الحديث عن تأخر في النمو واللغة والتواصل وسمات التوحد ولكن يبقى التأثير ممكنا على مستوى الانتباه والتركيز وصعوبات النوم والادمان على هذه الأجهزة".
وكأولى خطوات العلاج التي تتبعها، تطلب زبد من الأهل أن يحجبوا كافة أنواع الشاشات لمدة أسبوعين كاملين واستبدالها بالألعاب التقليدية التي تطور المهارات الحركية، "ليلحظوا بعدها بأنفسهم مدى التغير في مستوى تركيز ولدهم وانتباهه وهدوء حركته". وتدعوهم الى زيادة أوقات لعبهم مع الأطفال لأنها تساعد على نموهم النفسي والجسدي وتحفز الاكتشاف لديهم مشيرة الى "صعوبات يعانيها عدد من الأطفال عند الكتابة والامساك الصحيح للقلم بسبب التعود على لمس الشاشات الالكترونية". كما تدعو الى تحييد الشاشات اللوحية عن فترات الطعام والتنقل وكذلك تحذّر من مشاهدة أكثر من شاشة في الوقت عينه.
تأخر في اللغة وصعوبات تعلمّية:
من جهتها مختصة النطق واللغة آلاء عطوي تنبه الأهل من أن تعرض الطفل للشاشة (سواء كانت شاشة تلفزيون، تلفون، I Pod ، I Pad، لابتوب وغيرها...) ولساعات يوميا "لها دور كبير في ازدياد حالات التأخر اللغوي عند الطفل وهذا يعني صعوبة في فهم كلام الآخرين وصعوبة في التعبير عن أفكاره". وتشير الى دراسة أثبتت أنّ الأطفال دون عمر السنة الذين يتعرضون للشاشة بشكل يومي لأكثر من ساعتين، هم أكثر قابلية ب 6 مرات لوجود تأخر في اللغة وأنّ الأطفال الذين يقضون وقتهم أمام الشاشة لأكثر من ساعتين في اليوم قد أحرزوا نقاطاً أقل بالمهارات المتعلقة بالتواصل من أقرانهم وفق دراسة ثانية. وتضيف عطوي أنّ تعرض الأطفال للشاشة لوقت طويل يمكن أن يعيق عملية الاكتساب بسبب غياب المحفزات الحسية. وتلفت أن هناك أطفالا لديهم قابلية أكثر من غيرهم للتعرض لمشاكل تأخر اللغة بسبب عوامل عدة منها جينية ولكن الأجهزة الذكية يمكن ان تكون عاملا اضافيا محفزا لهذه الصعوبات.
والجدير بالذكر أنّ المخزون اللغوي للطفل حسب بعض الدراسات يقدر ب 45 مليون كلمة عند عمر أربع سنوات، لكنّ هذا المخزون يتدنى بنسبة 40% نتيجة استخدام الأجهزة الذكية في سنوات الطفولة الأولى ما يسبب تأخرا في النطق وصعوبة في الانتباه تمهد لصعوبات تعلمية لاحقاً.
مخاطر صحية مصدرها الموجات القصيرة المنبعثة من الأجهزة
من جهتها، المختصة في طب الأطفال الدكتورة علياء الأعرج، تحذّر الأهل من ترك أولادهم أمام الأجهزة الذكية لساعات وهم في طور النمو اي في مرحلة تكاثر الخلايا الدماغية، وتشير الى ضرورة تجنيب الطفل للأجهزة اللوحية التي تحتوي على شريحة أو تلك الموصولة هوائياً بالانترنت لتجنب الاشعاعات التي تصدر عنها وتنصح بتنزيل بعض التطبيقات مسبقاً على أجهزة التابليت لفصلها لاحقا عن الانترنت حيث إنّ التعرّض المفرط للموجات الالكترومغناطيسية يمكن أن يسبب ورماً دماغياً على المدى الطويل، ويزيد من احتمال الاصابة بالسرطان وتشنج عضلات القلب.
الى ذلك تحذّر من استخدام الهواتف والأجهزة الذكية لساعات لأنها تسبب الصداع وكذلك تجنب وضعها طويلاً على الأذن أو قريبة من منطقة القلب والأعضاء التناسلية، وأيضاً تجنب وضع مكنة اتصالWi-Fi في المطبخ أو غرفة النوم. وبحال بقي الهاتف الى جانب السرير ليلاً فينصح بضبطه في وضعية "طيران" حتى يتوقف عن ارسال واستقبال الاشارات والتواصل مع الشبكات.
ويمكن تفسير هذه الأضرار من الناحية التقنية حيث يعتقد الباحث والأكاديمي المختص في هندسة الاتصالات الدكتور محمد ملّي أنّ الأجهزة الذكية الموصولة هوائياً بالانترنت (wireless) عن طريق الموجات الالكترومغناطيسية مؤذية للطفل. ويفسر ذلك بالقول إنّ "تطور قطاع الاتصالات كان بهدف تلبية حاجات التطبيقات الحديثة التي تحتاج سرعات أعلى. لذا تطورت التكنولوجيا على مستويات عدة أبرزها زيادة الترددات ما يعني أنّ الموجات باتت أقصر وهنا الخطورة لأن الموجات القصيرة جدا التي تعتمدها التقنيات الحديثة تتجه لتكون أقرب نسبياً من تلك التي تستخدم في التصوير الشعاعي" . ويوضح هنا أن "الجهاز الذكي باصدارته الحديثة التي تحتوي على عدة أجهزة ارسال واستقبال كالWi-Fi ،Bluetooth ،GPS ، 4G /3G /5G, الخ... يعني أن مصادر الأذية متعددة ولكن انعكاساتها مختلفة حسب قابلية كل شخص.
ويطمئن أنّ "المنظمات العالمية وضعت قيوداً وقوانين منظمة لكافة تقنيات الاتصالات (كتحديد قوة الاشارة القصوى للارسال)، ولكن تبقى المخاوف من اختراق هذه القوانين لأسباب تجارية كتصنيع أجهزة ومحطات ارسال غير مطابقة تهدف الى زيادة التغطية لتكون النتائج وخيمة على صحة الانسان خصوصاً لدى الفئات العمرية الصغيرة".
الأجهزة اللوحية واقع يمكن الاستفادة منه وبعض الأهل قدوة سيئة
وفي سياق متصل، يحث أستاذ علم النفس التربوي في الجامعة اللبنانية الدكتور بسّام سكريّة على ضرورة تقبّل فكرة أنّ هذه الأجهزة باتت أمراً واقعاً بامكاننا الاستفادة منه في شؤون شتى. ويرى أنّ المشكلة ليست في أصل وجود هذه الشاشات بل في الأساليب التربوية العفوية المتبعة من قبل بعض الأهل، حيث يستسهلون وضع الطفل أمام الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية والتلفاز وألعاب الفيديو توفيراً للوقت والجهد وبسبب الانشغالات الخاصة وعليه يسعى البعض لتوفير الحاجات الأساسية للطفل من مأكل وملبس ويظن أنه أدى دوره الأخلاقي والشرعي تجاه ولده في حين يتغاضى عن الحاجات النفسية والحسية والاجتماعية واللغوية والذهنية للطفل.
ويشير الى أن بعض الأهل يمنحون أبناءهم أجهزة اتصال حديثة بشكل طوعي وبنية حسنة لأنهم ينبهرون بقدرات أطفالهم في التعامل مع التكنولوجيا. فالأهل بأغلبهم يعيشون حالة صراع داخلي حيث تنتابهم الغبطة والاعجاب لكون ولدهم يبحر في عالم التكنولوجيا المتطورة منذ نعومة أظفاره وهم أنفسهم اكتسبوا هذه المهارات التكنولوجية حديثاً، ولكن في قرارة نفسهم يشعرون بالذنب ويدركون أن هذا الواقع ليس سليماً.
وحول السلوك المتداول في محاولة اسكات الطفل عن طريق تشغيل فيديوهات وألعاب على الهواتف الذكية والشاشات المحمولة، يقول سكرية "يمكن اللجوء الى هذه الوسيلة مع الاخذ بعين الاعتبار أنّها مؤقتة وبالتالي تكون لدقائق علينا بعدها ان ننقل الطفل الى عالم آخر لأن استخدامها مطولاً وتكرار الفيديوهات مثلا يمكن ان يسبب حالة أشبه بالتنويم المغناطيسي للطفل. وبانتظار اكتمال الدراسات لا يمكن ان نخاطر ونجرب بأطفالنا".
والجدير بالذّكر أنّ "مفاهيم الانسان وملامح شخصيته وميوله واستعداداته ومسار نموه الجسمي والعقلي والاجتماعي والوجداني وتكوين الهوية الثقافية له تتكون بأجمعها خلال مرحلة الطفولة، لا سيما بقسمها الأول الطفولة المبكرة (من يوم الى 7 سنوات). وهي مرحلة تختزن التطور المعرفي والاجتماعي والثقافي. حيث يكتسب الطفل المهارات الاجتماعية عن طريق التفاعل البشري الحي ويتعلم التفاوض عن طريق العلاقات والانشطة المشتركة بين الأطفال كما يتعرف إلى حقوقه ويدافع عنها في عملية مساومة". ما يعني أنّ ترك الأطفال في تواصل مع الاجهزة الذكية يعد خطراً. ذلك لأنّه تواصل أحادي تلقيني، لا يمكّن الطفل من التفاعل مع الاشخاص بردود فعل، ولا يتيح له الفرصة لقراءة تعابير وجههم.
لذا يعتقد سكرية أنّ المشكلة أيضاً عند بعض الأهل الذين لديهم استخدام مفرط لأجهزة الاتصال الحديثة بحيث يقدمون نموذجاً سيئاً لأولادهم، الذين قد يخيل لهم أنّ هذه هي الحياة الطبيعية في ظل عالم مليء بالشاشات.
ويختم بالاشارة الى ما اوردته صحيفة "ديلي ميرور البريطانية" في مقابلة مع بيل غيتس مؤسس شركة “مايكروسوفت” الأميركية العملاقة وأحد مؤسسي الثورة الرقميّة بالعالم - حين قال "إنه يمنع أبناءه من استخدام الهواتف الذكية والتابلت قبل سن الـ14، لأنه يريدهم ان ينموا بصورة طبيعية".
خلاصة القول، التربية مسؤولية اذ ليس هناك إهمال بلا عاقبة، الاَ أنّ بعض العواقب مشوارها العلاجي طويل، ومكلف ومرهق ولا ينفع معه الندم. يكفي أن نجول في العيادات المتخصصة في معالجة ذيول التعرض المفرط للشاشات حتى ندرك حجم المشكلة ودور الأهل فيها. فليس هناك "جيل لا يردّ" إنما أساليب تربية غير مجدية تستخدمها بعض الاسر المستسلمة كلياً لتكنولوجيا لا تزال قيد الاختبار.