خاص العهد
صيدلية خطاب.. نموذج عن بيئة المقاومة
علي شبيب
حين تتجوّل في مدينة النبطية هذه الأيام، يلفتك زخم الحياة فيها، رغم حجم الدمار. أياد خيّرة تعمل بكلّ ما أوتيت من قوّة لنفض آثار العدوان الغاشم. وفي زحمة تلك الحركة، يلفت نظرك من بعيد غرفة جاهزة يُحيطها الردم من كلّ جانب، كُتب عليها كلمتان "صيدلية خطاب" يتوسّطهما شعار الصيدلية. المشهد ليس عاديًا في بلد دمّر فيه العدوان الحجر والبشر. مشهدٌ يعكس إرادة الحياة التي لا تُكسر، وهي إرادة متجذّرة في نفوس أبناء الجنوب، ومنهم ابن مدينة النبطية الصيدلي نادر خطاب بدر الدين الذي لم ينتظر طويلًا قبل أن يعود إلى عمله ويُعيد التحدّي مجددًا. قصف العدوّ صيدليته ليسُدّ بوجهه باب خدمة الناس، فصارع الوقت باحثًا عن أقصر الطرق لتلك الخدمة. لمعت برأسه الفكرة، فكان السبيل تشييد غرفة جاهزة فوق ركام خلّفه حقد العدو، فافتتح صيدليته الخاصة ليكون بخدمة أهله وناسه.
عن تجربته الخاصة، يتحدّث بدر الدين لموقع "العهد" الإخباري، فيقول "طال العدوان "الإسرائيلي" مبنى "سنتر الأحلام" الذي يحوي ٣٠ محلًّا تجاريًّا، ١٥ شقة سكنية، و٨ مكاتب، وأنا أملك فيه شقة وصيدلية، وقد دُمّرتا بالكامل". وتابع: "أثناء الحرب وبعد القصف الذي حصل، كان البحث عن فكرة سريعة تُحيط بكلّ الجوانب القانونية، فتبلورت الأفكار خلال الحرب وأخذت موافقة البلدية، كما اتفقت مع مهندس المنازل الجاهزة ومصمّم "الآرمات" والبلّاط والكهربائي للمباشرة بهذه الخطوة، وقد نعتوني "بالجنون" لأن المعطيات حول أمد الحرب حينها تقول بأنها طويلة".
وأضاف: "أصررتُ على مشروعي وطلبت تعاونهم لإتمام العمل لأن النبطية اليوم مدينة منكوبة وانتظار المعنيين للعمل سيطول لأن حتى الأحزاب والهيئات لديها الكثير من الأعمال، فعلى كلّ فرد أن يبدأ من نفسه لقلل من الضغط عليهم، فنسبة دمار البيوت ضخمة كما الخسائر التجارية، ومن هذا المنطلق، كان مشروع صغير بوجه الدمار لإعادة الحياة. وعليه أطلقت فكرة الصيدلية في المنزل الجاهز وباشرت بها أثناء الحرب، وبعد وقف إطلاق النار بأربعة أيام كانت جاهزة، وبمساعدة وتوجيهات الفعاليات تخلصنا من الردم، وبموافقة البلدية وصاحب الأرض الحاج عبد جابر مشكورًا تم البدء بالعمل".
وفي إجابته عن سبب خوض هذه المبادرة، قال بدر الدين: "نحن أهل الجنوب معروفون بأن الهزيمة ليست ضمن عناويننا وهذا أمر محسوم، سباق الوقت من الأمور الأساسية لتحدي العدوّ بإعادة الحياة الصحية والاقتصادية بينما هو عاجز عن ذلك"، وأشار إلى أنّ "الشارع ميتٌ بفعل بصمة العدوّ فإذا أبقيناه ميتًا نكون قد حققنا هدفه وهذا لم يحصل".
من جهة أخرى، قال بدر الدين: "صحيح أن الخدمة الإنسانية هي العنوان العريض، ولكن من أولوياتنا أيضًا تأمين حاجاتنا على الصعيد الشخصي، وكلّ ذلك كان تحديًا للعدو بالسباق مع الزمن أولًا، ولاحقًا نتابع تقديرات التعويضات التي تقوم بها الجهة المعنية".
الفكرة في عيون الناس
كيف كان انعكاس الفكرة على الأرض؟، يجيب بدر الدين على السؤال بالقول: "أنا كنت متفائلًا ومنتظرًا النجاح، كما كنت أشهد رونقًا خاصًا للفكرة ضمن المدينة والمحيط، ولكن الأصداء كانت أعلى من التصورات، بفضل الله ومحبة الناس ودعمهم ودعائهم".
وأردف قائلًا: "أنا بكيت ٣ مرّات في حياتي ضمن مواقف مختلفة، عند وفاة أهلي، وعند قصف الصيدلية وليس المنزل لأن الصيدلية هي حياتي، وعندما وضعت أول دواء على الرف في الصيدلية الجديدة".
ولفت إلى أن "لا شيء أجمل من أن يقصدك أحدهم وتُيسر أمره، فكيف إذا كان الموضوع مرضًا ودواء، بالنسبة لي خدمة الناس وتأمين احتياجاتهم من أعظم المهام".
وفي ختام المقابلة، وجّه الصيدلي بدر الدين رسالة للعدو "الإسرائيلي" قال فيها: "مهما دمّرت سنعيد الإعمار، ومهما قتلت سيخرج منا جيلٌ جديد يبعث الحياة ويعيش تحت شعار الانتصار، والحمد لله على كلّ شيء".
إذًا هي حكايا الصمود يجسّدها أهل الأرض في كلّ قرى الجنوب وإرادة الحياة العزيزة التي تفوقت على كلّ محاولات العدوّ إبعاد الناس عن أرزاقهم وحقولهم التي باتت تساوي الكثير، فهي ارتوت بأغلى التضحيات، ارتوت بدماء الشهداء.
النبطيةالعدوان الإسرائيلي على لبنان 2024
إقرأ المزيد في: خاص العهد
28/12/2024
صيدلية خطاب.. نموذج عن بيئة المقاومة
27/12/2024
هل تُحل أزمة النازحين اللبنانيين في العراق؟
20/12/2024