خاص العهد
الامتحانات الرسمية مشاكل بالجملة وتقصير فاضح
ايمان مصطفى
نحن في بلد "متحضّر" في الشكل ربما. بلد "احترامه لذوي الاحتياجات الخاصة" هو فقط حبرٌ على الورق. في الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية هذا العام العرض متواصل، طلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة يحرمون من أبسط حقوقهم أمام عدسات كاميرات وزارة التربية.
رغم الخطابات "الرنانة"، ما يتمتّع به المواطن في لبنان لا يعدّ جزءًا بسيطًا من الحقوق البديهية. ولولا منصات التواصل الاجتماعي التي باتت تمسّ صورة المسؤولين، وتنقل المعلومات الفاضحة التي ترتبط بحقوق الناس وحياتهم لما تحرك أحد وخصوصًا في القضايا الانسانية!
الطالب ابراهيم طنبور من ذوي الاحتياجات الخاصة أحد أبطال قصص اللامبالاة في لبنان.
تروي والدة ابراهيم هبة مراد لـ "العهد" ما واجهه ابنها خلال تقديمه لامتحانات الثانوية العامة قائلةً: "أخبرونا من وزارة التربية أن مركز امتحانات الثانوية العامة في مدرسة البنات الأولى الميناء الرسمية في طرابلس مجهز لأصحاب الاحتياجات الخاصة والمقعدين على الكراسي المتحركة، فأرسلت ابني مطمئنة؛ ولكن المفاجأة كانت أن الصف الذي سيقدم فيه الامتحانات في الطابق الثالث!".
"صباحًا، استخدم ابني المصعد، ولكن عند انتهائه من الامتحان تفاجأ أنه لا كهرباء، ولا مصعد، والدرج ضيق! احتار في أمره.. فقرر عدد من الشباب والأساتذة حمل ابراهيم وانزاله من الطابق الثالث على الدرج الضيق. ولكم تخيل المشهد، كرسي ثقيل وشاب في الثامنة عشرة من العمر ذو وزن ودرج ضيقٌ جدًا.."، تقول مراد.
نبرة صوت مراد تتغير ويظهر الغضب فيها وهي تتابع قائلةً: "انزعج ابراهيم كثيرًا من "الخضخضة" و"التخبط على الدرج"، وحاولت أن تصف لنا خوف ابنها من "التدحرج" في هذه اللحظات.
مراد كانت قد امتعضت مما حصل فنشرت عبر صفحتها على موقع التواصل "فيسبوك" قصة ابنها ابراهيم وختمتها بعبارة "ابني لن يكرر هذه المهزلة الخطيرة ولن يذهب الخميس لمتابعة امتحاناته، وأتمنى أن تكون كاميرات التصوير التقطت هذا المشهد المريع ليحفظ في وزارتكم للتربية"، فانتشرت القصة ولاقت تفاعلًا لافتًا..
موقع "العهد" تابع القضية مع والدة ابراهيم التي اتصلت بادارة مدرسة ابنها "الجنان" وأخبرتها القصة كاملة.
المدرسة بدورها تواصلت مع مديرة المركز التي وعدت بأنها "ستؤمن اشتراكاً للمصعد".
كما أخبرتنا مراد أن بعض أقاربها تواصلوا مع مكتب وزير التربية أكرم شهيب ورئيسة دائرة الامتحانات الرسمية في وزارة التربية والتعليم أمل شعبان، فتضافرت الجهود لتأمين الاشتراك.
صباح اليوم أوصلت مراد ابنها فمنعها "الدركي" من الدخول وطمأنها أن قضية ابنها قد حُلّت. انتظرنا معها حتى انتهاء ساعات الامتحانات لنتأكد من صحة الخبر.
وفعلًا تم تأمين اشتراك المصعد والقضية انتهت.. لكن بعد ماذا؟؟ بعدما تدخل الرأي العام ونشر القصة، وبعد اتصالات عديدة وجهود حثيثة.
مراد تمنت لو أنها لم تضطر لنشر القصة، مشيرةً الى أنها ما كانت لتُحَل إلا بهذه الطريقة.
المشهد نفسه تكرر مع الطالبة الجنوبية مريم حسين حراجلي التي تعاني من شلل نصفي، اذ تقدم ذووها وإدارة مدرستها بطلب خاص لهذه الحالات لمراعاتها في مكان تقديم الامتحان الرسمي.
وفي اليوم الأول للامتحانات توجهت حراجلي إلى المركز المعتمد للتقدم للامتحان فكانت المفاجأة! المركز غير مجهز لاستقبال الفتاة التي لا يمكنها الصعود عبر السلالم، ومكانها المخصص لها كان في الطابق الثاني وهو الثالث فعليًا.
رئيسة المركز رفضت أن تسمح لها بإجراء الامتحان تحت الرقابة في الطابق الأرضي بعد اتصال بوزير التربية أكرم شهيب لأن المكان غير مجهز بكاميرات!
وبعد أن تداولت مواقع التواصل الاجتماعي موضوع الطالبة مريم حسين حراجلي، قامت الإعلامية ريما شرف الدين رئيسة جمعية "Reina&angel" بمتابعة الموضوع مع رئيسة دائرة الامتحانات الرسمية في وزارة التربية والتعليم أمل شعبان التي أجرت الاتصالات اللازمة للوقوف على حيثيات الموضوع ومعالجته.
وبعد اجراء مكالمة مع والد التلميذة عرضت عليه نقل مريم إلى مركز من دون سلالم، لكن فضّل الوالد بقاءها مع أصدقائها، فأعطت شعبان على الفور الإرشادات للقيام بما يلزم لراحة الطالبة من كافة النواحي، وتم تجهيز المركز بالإمكانيات اللازمة كي تتمكن الطالبة من إجراء الامتحانات مع زملائها.
أيضًا القضية انتهت بعدما نشرها الناشطون على منصات التواصل وأصبحت حديث الرأي العام والا لم تكن لتحل ربما!
أي وطن هذا؟ نحتاج أن نجعل المشاكل الروتنية الصغيرة قضية رأي عام لتلقى الاهتمام اللازم! وأي وطن لا يحترم فيه حق ذوي الاحتياجات الخاصة؟ هل نحتاج دائمًا لكل هذه البلبلة لننال حقوقنا؟