خاص العهد
مرحلة جديدة من التصعيد والمعادلات الردعية ترسمها المقاومة
في الوقت الذي يشهد فيه الوضع العسكري في جنوب لبنان تصعيدًا غير مسبوق، يواصل العدوّ الصهيوني تنفيذ خططه العسكرية في محاولة للضغط على المقاومة لقبول شروطه السياسية والأمنية، بعد أن أعلن عن بدء المرحلة الثانية من عمليته العسكرية في المنطقة الجنوبية، وهو ما اعتبره خطوة تهدف إلى إضعاف المقاومة والضغط عليها للرضوخ للمطالب التي تضمنتها ورقة شروط أُرسلت عبر السفيرة الأميركية إلى لبنان، وسلمت رسميًا لرئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري.
"إسرائيل"، وفقًا لتصريحات مسؤوليها العسكريين، تسعى إلى إضعاف المقاومة عبر الضغط العسكري المكثف، معتقدةً أن المقاومة لن تستطيع الرد بنفس القوّة، إلا أن ما شهدته الساحة خلال الأيام الأخيرة كان مفاجئًا لها، حيث ردت المقاومة بفعالية غير مسبوقة.
رد المقاومة: معادلة ردعية جديدة
الخبير العسكري العميد المتقاعد منير شحادة يؤكد لموقع العهد أن "إسرائيل" تكبدت خسائر جسيمة إثر الهجوم الصاروخي الذي شنته المقاومة يوم أمس الأحد ضدّ "تل أبيب" وعدد من المدن الساحلية "الإسرائيلية".
يقول العميد شحادة إن الهجوم شمل صواريخ من نوع "قادر" و"فاتح"، وهي صواريخ دقيقة ذات مدى طويل، قادرة على ضرب أهداف إستراتيجية في عمق الأراضي المحتلة. كما استهدفت صواريخ المقاومة عددًا من المدن الساحلية على رأسها "تل أبيب"، عكا، وحيفا، مما شكل تهديدًا حقيقيًا للكيان "الإسرائيلي" وأدى إلى حالة من الفزع في صفوف "الإسرائيليين".
وفي حديثه لموقع العهد يضيف شحادة: "جاءت تصريحات الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم لتؤكد أن المقاومة وضعت معادلة جديدة تحت عنوان "بيروت مقابل تل أبيب، وهذه المعادلة أثبتت فعاليتها بالفعل في الهجمات الأخيرة، حيث وُجهت ضربة قوية للمناطق "الإسرائيلية"، ما دفع حكومة العدو إلى عقد اجتماعات طارئة مع قادة الأجهزة الأمنية لمناقشة التصعيد العسكري والبحث في كيفية الرد على هجمات المقاومة".
تطورات سياسية: بداية الاستجابة "الإسرائيلية" للمطالب اللبنانية
في إثر التصعيد العسكري، بدأت "إسرائيل" وفق شحادة في إظهار إشارات عن استعدادها للموافقة على الشروط اللبنانية، خصوصًا بعد زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان.
في هذه الزيارة، التقى هوكشتاين مع الرئيس اللبناني نبيه بري، حيث جرى بحث عدد من القضايا السياسية، بما في ذلك التوترات العسكرية والورقة التي قدمتها المقاومة.
يضيف شحادة أنه بحسب تقارير إعلامية "إسرائيلية"، فإن هناك مؤشرات على قبول "إسرائيل" للشروط اللبنانية أو على الأقل الاعتراف بها، حيث بدأت بعض التصريحات الرسمية من مقربين من رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو تشير إلى موافقة "إسرائيلية" محتملة على الشروط التي تم وضعها بعد مفاوضات مع لبنان.
شمال الليطاني: هل هو هدف تكتيكي أم عقائدي؟
من أبرز النقاط التي تثير الجدل في هذه المرحلة هو التركيز المستمر من قبل "إسرائيل" على نقل قوة المقاومة إلى شمال نهر الليطاني.
وأوضح العميد شحادة أن "إسرائيل" تركز على منطقة شمال الليطاني، مدّعية أن هذا الأمر ضروري لحماية مستعمراتها الشمالية من الهجمات الصاروخية التي تمتلكها المقاومة.
وأشار إلى أن هذا التركيز على شمال الليطاني أثار تساؤلات حول مدى جدوى هذه الخطوة، خصوصًا أن المقاومة اللبنانية تمتلك صواريخ يمكنها الوصول إلى أهداف في عمق الأراضي "الإسرائيلية"، بما في ذلك "تل أبيب".
وفي هذا السياق، أعرب الخبير العسكري عن شكوكه في فعالية هذا الطلب الإسرائيلي. إذا كانت المقاومة قادرة على ضرب أهداف في "تل أبيب" وغيرها من المدن الساحلية، فإن الانتقال إلى شمال الليطاني لن يعني بالضرورة حماية المستعمرات "الإسرائيلية".
ولفت إلى أن المقاومة تمتلك قدرة صاروخية كبيرة تتجاوز حدود شمال الليطاني، مما يجعل هذا التوجّه يبدو أقل واقعية من منظور إستراتيجي.
واعتقد شحادة أن هذا التركيز على نهر الليطاني له بعد عقائدي أكثر منه تكتيكي، حيث يعتبر نهر الليطاني بالنسبة لـ"إسرائيل" نقطة حساسة من الناحية التاريخية والعقائدية، إذ يسعى العدوّ الصهيوني إلى التوسع في هذه المنطقة بما يتماشى مع أطماعه في الأراضي اللبنانية.
صمود المقاومة: التحدّي الوجودي لـ"إسرائيل"
يرى العميد شحادة أنه في الميدان، ورغم كلّ محاولات "إسرائيل" لتعزيز قواتها في جنوب لبنان، فإن المقاومة بحسب أثبتت قدرتها على الصمود أمام الهجمات العسكرية الكبيرة.
وشدد على أن القوات "الإسرائيلية" التي تضم خمس فرق عسكرية مدججة بأسلحة ثقيلة، بما في ذلك الدبابات والطائرات الحربية، لم تتمكّن حتّى الآن من تحقيق تقدم إستراتيجي على الأرض.
وبيّن أنه رغم محاولات متعددة لاحتلال مدينة الخيام، المدينة التي تعد نقطة إستراتيجية في جنوب لبنان، إلا أن المقاومة تمكَّنت من صد الهجوم، بل وتمكّنت من إلحاق الهزيمة بالقوات "الإسرائيلية" التي لم تستطع التقدم سوى بضع مئات من الأمتار قبل أن تُجبر على الانسحاب.
ورأى شحادة أن هذا الصمود في وجه القوى العسكرية "الإسرائيلية" المتفوقة يجعل من المقاومة في الجنوب اللبناني نموذجًا لتحدي الاحتلال، ويعزز من موقفها في أي مفاوضات محتملة.
الخلاصة: هل تفرض المقاومة معادلة جديدة؟
وختم العميد شحادة حديثه مع موقعنا قائلًا: "أمام التصعيد العسكري الكبير، والتحديات التي تواجهها "إسرائيل" على الجبهات العسكرية والسياسية، يبدو أن المعادلة التي تفرضها المقاومة بدأت تأخذ شكلًا جديدًا في الصراع من خلال الردع الذي أحدثته الهجمات الصاروخية على المدن "الإسرائيلية"، وإصرار المقاومة على استكمال عملها ضدّ التوغل الإسرائيلي، وتزداد الاحتمالات أن "إسرائيل" قد تكون في نهاية المطاف مضطرة للجلوس على طاولة المفاوضات غير المباشرة والقبول بشروط لبنان والمقاومة.
الكيان الصهيونيالمقاومةالعدوان الإسرائيلي على لبنان 2024