خاص العهد
نظرة قانونية على جريمة تفجير الأجهزة في لبنان : ملاحقة "إسرائيل" واجب إنساني
مروى يحيى
تخطى العدو الصهيوني كل الخطوط الحمراء، وقام بتفجير أجهزة في لبنان متعديًّا على شعبه وسيادته وأمنه، في جريمة حرب وحشية استهدفت اللبنانيين جميعهم دون تمييز، متوهّمًا أنه بجريمته النكراء سيضعف نفوس الشعوب المقاومة الرافضة للذل والمساندة للمقاومة في لبنان مهما بلغت التضحيات.
تعدّت "إسرائيل" من خلال هذه الجريمة البشعة كل المعايير الإنسانية، غير آبهة بكل القوانين والأعراف الدولية، الأمر الذي يستدعي أن يطالب لبنان بحقه القانوني، وأن يكون محيطًا بالطبيعة القانونية لهذا العمل الإجرامي، حتى يلاحق ويحاسب هذا الكيان المجرم وكل من كان شريكًا في هذه الجريمة.
يقول أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني إن "المسألة الأهم التي يجب معالجتها هي مسألة الخداع، إذ استغلّ وسيلة مدنية لخداع الأشخاص ثم اغتالهم من خلالها، فمن خلال وسيلة سلمية تم خداع الناس، وهذا الأمر محرم دوليًّا"، ويضيف "لو كان الاستهداف يطول بعض العسكريين، فنحن أمام موضوع التناسب في القانون الدولي، أي لا يمكن استهداف 10 عسكريين وقتل وجرح 3000 شخص آخر في الوقت نفسه".
في مقابلة لموقع "العهد" الإخباري، يصف جوني الجريمة قانونيًّا، ويلفت إلى أن المادة 51 من البروتوكول 77 تحظر الهجمات العشوائية التي لا تحدد الهدف العسكري، ويشرح "يجب أن يكون الهدف العسكري محدّدًا، بالإضافة إلى أنها تحظر استعمال أي وسيلة للقتال بطبيعتها عشوائية ولا يمكن أن توجه إلى أي هدف عسكري محدد، ولا تتسم بأي ميزة عسكرية ملموسة ومباشرة.. كل هذه الأمور تنطبق على العملية الإرهابية التي حصلت من خلال تفجير أجهزة "البايجر" في لبنان".
وبحسب جوني، تنصّ المادة 35 من البروتوكول 77 على أنه يحظر استخدام سلاح يسبب إصابات وآلام لا مبرر لها.
وسأل جوني: "ما الذي يمكن أن يبرر قطع يد شخص أو إلحاق الضرر في العينين؟"، ويردف "هذه المادة توضح أن هذا أمر ممنوع حتى في القتال".
الغدر
ويضيف أن المسألة الأخرى الهامة هي مسألة الغدر، فالمادة 37 من البروتوكول 77 تحذّر من الغدر، وتحدد أن الغدر هو إيهام الشخص بأنه يحمل شيء عادي مثل جهاز أو كتاب أو لعبة، ثم يتم تفجيرها، والحاصل أن الغدر في الاعتداء الصهيوني الأخير هو تفجير جهاز "البايجر"، مشيرًا إلى أن القانون الدولي يحذر من الغدر والخداع، فهناك خداع في العمل العسكري ولكن لا يوجد غدر.
ويكمل "في العام 1996، وُقعت معاهدة خاصة تدور حول هذا الموضوع، إذ تتضمن المعاهدة بروتوكولًا يمنع استعمال ألغام وأشراك خداعية، وتنصّ المادة 2 من هذا البروتوكول على أنه يحظر ابتكار أو تصميم شيء مدني واستعماله كسلاح، ويكون الهدف منه هو القتل، خاصة إذا تم التفجير عن بعد، كما أن المادة 3 من البروتوكول تحظر أيضًا استخدام لغم أو شرك بهدف الخداع، و"إسرائيل" قد انضمّت إلى هذه المعاهدة عام 2000، ويلفت إلى أن "إسرائيل" انضمّت إلى البروتوكول 96، ولكنها لم تنضم إلى البروتوكول 77، وعدم انضمامها لا يعفيها من عدم تطبيقها، لأن هذا كله أصبح أعرافًا دولية.
تجاوز الأعراف
وعن الأعراف الدولية التي صدرت من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والتي هي نحو 163 عرفًا، يقول جوني: "نأتي إلى القاعدة الأولى التي تنصّ على ضرورة التمييز بين المدنيين والمقاتلين، ولا يجوز استعمال سلاح بطبيعته لا يميز بين المدني والعسكري، بالإضافة إلى أنه لا يجوز إحداث الذعر يبن السكان والمدنيين"، ويتابع: "القاعدة 12 من الأعراف تحظر الهجمات العشوائية، والقاعدة 65 تحظر أيضًا اللجوء للغدر بهدف القتل أو الأسر أو الجرح، بالإضافة إلى القاعدة 70 التي تقول إنه لا يجوز إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها، والقاعدة 71 تقول إنه لا يجوز استعمال سلاح بطبيعته العشوائية، وتحظر القاعدة 80 من الأعراف استعمال أي وسيلة بطبيعتها للخداع، أما القاعدة 103 فتمنع استعمال العقوبات الجماعية وهي بالتأكيد محظورة"، مؤكدًا أنه لا يجوز معاقبة مجموعة من البشر، وقد استخدمت "إسرائيل" سلاحًا عشوائيًا يستهدف أيًّا كان من الناس، دون تحديد إذا كان عسكريًّا أو مدنيًّا".
وفق جوني، الجريمة هي جريمة حرب بحسب المادة 85 من البروتوكول 77، والمادة 8 من نظام روما (المحكمة الجنائية الدولية)، وهي جريمة ضد الإنسانية بحسب المادة 7، وهي جريمة حصلت بشكل ممنهج، وجريمة إرهاب تبعًا لكل المعاهدات الدولية والقانون الدولي الإنساني، لأن الهدف منها إرهاب الناس وخلق الذعر في ما بينهم، وقبل كل شيء هي جريمة عدوان على لبنان.
كيف يمكن محاسبة الكيان؟
بحسب أستاذ القانون الدولي، فإن المحاسبة تكون على عدة مستويات، على المستوى السياسي وعلى المستوى القانوني. فعلى المستوى السياسي، يعتقد جوني بأن العمل السياسي والدبلوماسي مهم جدًّا، ويقول إنه "على الدولة اللبنانية أن تلاحق الكيان الصهيوني أمام كل المؤسسات والمنظمات الدولية، والطلب بطرده من كل المنظمات والهيئات الدولية وخصوصًا المنظمات المتخصصة في جنايات الأمم المتحدة، كذلك طرد هذا الكيان من الأمم المتحدة"، موضحًا: "هذه الجريمة لا توصف إلّا بالإرهاب وهي خطيرة جدًّا على الإنسانية، فلا يجدي نفعًا القيام بتقديم شكوى فقط، بل المطلوب اجتماع الجمعية العامة لتطلب من مجلس الأمن توصيةً بطرد هذا الكيان "الإسرائيلي" من الأمم المتحدة ومن مجلس حقوق الإنسان، بالإضافة إلى تحريك كل منظمات الاتحاد الأوروبي"، مؤكدًا أن "هذا يحتاج إلى جهد دبلوماسي كبير جدًّا حتى يعرف العالم جدية وخطورة ما حصل في لبنان، فالإعلام الغربي والأوروبي لا يتحدث عن تفاصيل، ويجب على الجهود الدبلوماسية اللبنانية أن تتحرك على مستوى العالم في هذا المجال".
أما على المستوى القضائي، فيشير جوني إلى أننا "لا نستطيع أن ندّعي على هذا الكيان أمام محكمة العدل الدولية، لأن الادعاء عليه أمام هذه المحكمة يعني الاعتراف به كدولة، وهذا أمر نحن نقف ضده، فالمادة 34 من نظام محكمة العدل الدولية تقول إنه لا يمثل أمامي إلا الدول"، مردفًا: "لا نستطيع أيضًا أن ندعي على العدو الصهيوني أمام محكمة الجنائية الدولية، لأنه لا نحن ولا "إسرائيل" أطراف في المحكمة، فالمادة 13 من نظام المحكمة تقول إنه يجب على الأقل أن تكون دولة من الدولتين طرفًا في المحكمة"، ويكمل "إذًا، أمامنا إمكانيات ملاحقته أمام القضاء العالمي، وبالإضافة إلى الوقوف أمام الصلاحية العالمية، وهذا يتطلب عملًا لدراسة قوانين الدول - وهي كثيرة - التي تسمح بمحاكمات جرائم لو لم تقع على أراضيها، وتتطلّب أيضًا عملية بحث لتحديد إذا كانت صلاحية الدول مرتبطة بالصلاحية العالمية، وعليه يجب فتح ملف أمام القضاء اللبناني، فبحسب قانون العقوبات اللبناني، هذه جريمة حصلت على الأراضي اللبنانية واستهدفت لبنانيين، ولا يمكن أن نذهب إلى القضاء العالمي دون أن نكون قد توجهنا إلى القضاء اللبناني أو أن نستثنيه".
محاسبة شركاء الجريمة
ويُشدّد جوني على أنه يجب ملاحقة المجرمين والدول التي ساهمت وكانت على علم بالموضوع بالطرق التي تم ذكرها سابقًا، كما من الضروري ملاحقة الشركات التي ساهمت وصنعت هذه الآلات، وأي شركة أو دولة ساهمت في هذا الخداع وبصناعة هذه الوسيلة بهذا الشكل، والتحقيق معها، بالإضافة إلى شركات النقل التي نقلت وكل من ساهم بعملية بيع هذه الأجهزة".
اختراق لسلاسل التوريد
كما يؤكد لموقعنا أن هذه الجريمة هي اختراق لسلاسل التوريد واختراق لشبكة وأنظمة الاتصالات، أي يعتبر تهديدًا لمنظمة التجارة العالمية، داعيًا الدولة اللبنانية إلى المطالبة بطرد "إسرائيل" من المنظمة، خاصة أنها جريمة تهدّد شبكة الاتصالات العالمية، ويقول "من المهم من لبنان أن يطلب من منظمة الاتصالات العالمية طرد "إسرائيل" من الاتفاقية المتعلقة بالاتصالات التي هي عضو فيها، وإدانتها".