خاص العهد
شهيّب يرسب في الاختبار
فاطمة سلامة
يحدث أن تلملم أفكارك لتصف مشهداً أو موقفاً فيخذلك التعبير ولا تعثر على ما يُرضي ازدحام الأفكار في مخيّلتك، لا لشيء، بل لدقة الموقف وحراجته وأهميته، وكلها أمور تجعله فوق الوصف. تماماً كما حدث بالأمس. كُثرٌ لم يجدوا ما يصفون به مشهد الطالب الذي يصرخ أمام عدسات الكاميرا بحرقة وألم مُطالباً بحقه الطبيعي. هو لم يتظاهر مطالباً الدولة بتأمين وظيفة له. جل ما يتمنّاه إجراء امتحان الشهادة المتوسّطة. هذا الاستحقاق الذي ينظر اليه بطفولته على أنّه آخر الدنيا. ليس مهماً بالنسبة اليه كل هذا الجدل الحاصل وتقاذف المسؤوليات في بلد لم يُبالغ فيه أحدهم عندما وصفه بالـ "عصفورية". "بدي بطاقتي بدي اعمل بكرا امتحانات" يصرخ التلميذ بوجع، ومثله مئات الزملاء الذي حمّلوا وزراً لم يقترفوه. وبكل بساطة يعدهم وزير التربية أكرم شهيّب بمنحهم الحق بإجراء الاختبار في الدورة الثانية. الدنيا تقوم ولا تقعد أمام وزارة التربية من قبل الأهالي والطلاب ـ الذين لم يجدوا وسيلة للتعبير عن ألمهم سوى الاعتصام ـ، وبكل برودة أعصاب لا يرف جفن لوزير التربية حتى الساعة. رُبما لا يزال مشغولاً بـ"إنجازه" النوعي ـ الذي لم يشهده لبنان من قبل ـ متفقداً مسار عمل الكاميرات التي رسب بعضها في المراقبة جراء انقطاع التيار الكهربائي، في مشهد أقرب الى "السريالية".
مراد: حكماً الى جانب الطلاب
وبعيداً عن الأسباب والتداعيات التي دفعت بشهيّب الى اتخاذ هذا الموقف عبر أسر الطلاب رهينة خطأ هنا وخلل هناك، ثمّة من يسأل اليوم عن الموقف الأنسب والأجدى بشهيّب اتخاذه.
موقع "العهد" الإخباري استطلع رأي النائب عبد الرحيم مراد كوزير أسبق للتربية، فسأله: ـ لو كنت وزيراً حالياً للتربية ما الموقف الذي تتّخذه إزاء أزمة طلبات الترشيح؟. لم يتردّد مراد في الإجابة، "حُكماً أقف الى جانب الطلاب. هؤلاء من المفترض أن لا يدفعوا ثمن أي خطأ حتى ولو كان من مدارسهم أو نتيجة "قلة وعي" من أهاليهم. هؤلاء لا ذنب لهم في كل هذه "المعمعة" الحاصلة، والمفروض أن نقف الى جانبهم". برأيه، "نحن أمام أزمة إنسانية كبيرة لا يجب أن يدفع ثمنها التلميذ". "حسناً فعل وزير التربية بالسماح لهم بإجراء الامتحانات في الدورة الثانية"، يقول مراد، لكنّه يُشدّد على أنّ لهؤلاء الطلاب الحق في دورتين أسوةً بزملائهم، وإذا كان من إجراء يُتخّذ فمن غير المقبول أن يكون على حسابهم. "إذا كانت المدارس مسؤولة، فيجب أن تدفع هي الثمن".
حمادة: موقف غير مسؤول
عضو لجنة التربية النيابية وعضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور إيهاب حمادة يُشدّد على أنّ موقف وزير التربية لا ينم عن مسؤولية، فمن الخطأ تحميل الطلاب وزر تقصير من مدرسة ـ إذا ما وقع ـ أو وزر خلل من الوزارة. وفق حساباته، فإنّ موقف شهيّب لم يكن في مكانه، ولو امتلكت وزارة التربية رؤية واضحة وحرصاً على العملية التعليمية وحسن تخطيط لما وصلنا الى الأزمة التي نشهدها اليوم، والتي لن تنحصر بمسألة عدم تقديم امتحان بل ستتشعّب وتخلق آثارا نفسية واجتماعية للطلاب وعائلاتهم. لا يجد حمادة مبرّراً لكل ما حصل، فلو أن المعنيين في الوزراة عالجوا الأمور منذ البداية وعملوا على ترتيبها باهتمام ومتابعة لما وصلنا الى هذه الهوة التي تصعب معها المعالجة وهذا يُسجّل على الوزراة ولا يُسجّل لها.
يأسف حمادة للموقف الذي اتخّذه شهيّب خصوصاً أنّ الاستدراك بات صعباً، علماً أنّ الواقع لا يقول إنّ كل الذين حرموا لتقصيرٍ في المدارس، فهناك خلل حاصل تتحمله الوزارة. وهنا يُحذّر حمادة من خطر أن يسري الأمر على طلاب الثانوية العامة، هناك المأساة تتضاعف والخطر على مستقبل أبنائنا ولبنان يكبر، خصوصاً أنّ في هذه المرحلة يجري تأسيس مستقبل الطالب. يُعيد حمادة تحذيره من هذه اللحظة ومن مخاطر التصرف بالنهج ذاته الذي نشهده اليوم. المفروض علاج الخلل الآن. يرفع حمادة الصوت ويناشد المعنيين استدراك الأمر، "وإلا سيكون لدينا موقف حاد". بالنسبة اليه، لا تُحل الموضوعات على حساب الطلاب الذين يجب أن نؤمّن لهم كل وسائل الراحة لإجراء الامتحانات لا أن نعرّض مستقبلهم للخطر، وهذا أمر غير مقبول يأخذنا الى مكان آخر قد لا تحمد عقباه، وقد يؤدي هذا الاهتزاز الى كارثة، يختم حمادة.