معركة أولي البأس

خاص العهد

صباح وسكنة أيقونتا فداء كرمى لفلسطين
13/09/2024

صباح وسكنة أيقونتا فداء كرمى لفلسطين

هي الذكرى الواحدة والثلاثون لمجزرة جسر المطار (13 أيلول 1993)، حين ارتقى 9 شهداء وأكثر من 50 جريحًا انتفضوا وقرّروا التظاهر سلميًا في الضاحية الجنوبية لبيروت رفضًا لاتفاقية "أوسلو" المذلّة التي وقّعتها منظمة التحرير الفلسطينية والعدو الصهيوني في البيت الأبيض في ذلك العام. الشهيدتان سكنة شمس الدين وصباح حيدر برزتا من بين شهداء المجزرة. لم تُدبرا، بل بادرتا الى الحراك والانضمام الى من يرفع صوته نُصرةً للقضية. قرّرتا المشاركة في الاحتجاج السلمي وهناك كان الموعد مع الدم. في المقال الآتي نستعيد ما بذلتاه كرمى لفلسطين في ذلك النهار الحزين.

"مِن أجل الدفاع عن الأرض، السيادة، الأمّة، وعن مصير الأجيال" (السيد حسن نصر الله عام 1993) لم تتردّد سكنة شمس الدين وصباح حيدر في النزول الى الشارع والتظاهر عند جسر المطار في الضاحية الجنوبية لبيروت رفضًا لاتفاقية "أوسلو" عام 1993، دون أن تُدركا أنهما ستتحوّلان الى رمز نسويّ مقاوم تَخلَّد في رحلة النضال كرمى لفلسطين.

قبل 31 عامًا، دفع النهج الثائر ضدّ اتفاقيات الذلّ والتحالف مع الصهاينة في مرحلة التسعينيات الشباب المؤمن للنزول الى الشوراع ورفض كلّ معاهدات التسوية مع الاسرائيليين. حزب الله اختار آنذاك مسجد الإمام المهدي (عج) في الغبيري محطّة لتجمّع المشاركين في مظاهرة 13 أيلول/ سبتمبر الشهيرة والانطلاق باتجاه جسر المطار للتنديد باتفاق "أوسلو" بين منظمة التحرير الفلسطينية والعدو. هناك حيث المشاهد تحكي كيف لم تتوانَ سكنة وصباح في تسجيل موقفٍ للتاريخ، لم تنسحبا رغم الرصاص الموجّه إليهما، لم تخشيا مصيرهما، صرختا، عارضتا، بذلتا روحيهما، حتى ارتفعتا شهيدتين.

لسكنة وصباح خصالُ نقاءٍ وعفاف، هما محكومتان بإيمان فطريّ يُسيّر بوصلتهما نحو فلسطين ومعتنقي قضيتها. عاشتا انطلاقة المقاومة ولم تتقاعسا منذ البدايات عن مؤازرتها عند كلّ محطة. بينما كان المجاهدون يدكّون مواقع العدو في الشومرية والدبشة وبرعشيت وشيحين، لبّت سكنة النداء في بيروت. خرجت الى الشارع كما العشرات من الأخوات اللواتي تكاتفن ومشيْنَ في الطرقات لإعلاء أصواتهن والاعتراض على الخيانات العربية وطعن القضية. حملت سكنة لافتات المقاومة، واجهت بجسدها الطاهر وعباءتها الزينبية ما أُريد للأجيال الإذعان له. مَن عايش تلك الحقبة وشهداءها، كان يعلمُ جيدًا كيف قاومت سكنة الحرمان والظروف الصعبة التي صبرت عليها.

وعلى الرغم من مرارة المعاناة، واظبت سكنة على الحضور في مساجد الضاحية، حيث كانت تُشارك في الأنشطة النسائية التطوعية، وخضعت لعددٍ من الدورات الثقافية، غير أن نشاطها الحزبي لم يمنعها من مزاولة الخياطة التي لطالما عشقتها. على أن شغفها بالخطّ الثائر كان أقوى، وقادها نحو ما هو أشمخ، فنالت الشهادة وهي تُسعف رفيقتها. ختمت حياتها وهي تحاول تخليص زملاء النضال.

صباح حيدر خطّت النهج نفسه. عارفوها يتحدّثون عن شجاعة كبيرة تحلّت بها وجرأة عظيمة دفعتها الى الانخراط في المسيرة الجهادية. صباح كانت مرآة لتلك المرحلة، حين كانت الرصانة والمروءة والوعي تحكم أطباع الثائرين وأنصار المقاومة. تميّزت صباح بحُسن خلقها، كانت محبوبة بين أهلها ومن حولها. كانت ملتزمة منذ تكليفها بالحكم الشرعي، تابعت دروسها الدينية وواظبت على الصلاة جماعةً في المساجد وحضور دعاء كميل أسبوعيًا.

أيّ خوف لم يتسلّل الى قلب صباح التي خضعت الى دورات تفكيك أسلحة، فيما كانت تتحمّل المسؤولية في منزل ذويها، حتى أنها كانت تُبادر الى تصليح الاعطال التي تحصل في المنزل كأعطال الكهرباء.

كما الشهيدة سكنة، كانت صباح تتقن الخياطة، غير أن العارفين يستذكرون بسالتها وتحلّيها بالروح الجهادية الخالصة والأصيلة، فكانت تُشارك في أيّ شيء يُطلب منها. وعليه، راحت "تنغمس" في أنشطة حزب الله في بداية التسعينيات، وتخضع لدورات تدريبية عسكرية، الى أن تفرّغت للمسيرات السياسية والدينية.
 
صباح وسكنة مثالان نسويان لأمة حزب الله. إنهما أيقونتا فداء، ونموذجان محفوران لكلّ من أرادت "التنسّك" من أجل المقاومة وقداستها. شخصيتان مجبولتان بالبسالة والجسارة، لا مكان فيهما للجزع، تمامًا كما وصّف القائد الجهادي عماد مغنية سمة المقاومين بمختلف ساحاتهم عندما قال "الروح هي التي تُقاتل"، حتى الشهادة.

مجزرة جسر المطار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل