خاص العهد
"الإدارة الذاتية" تتوجس من التقارب السوري التركي
يثير التقارب السوري التركي مخاوف قوات سورية الديمقراطية "قسد"، لا سيما وأن رهانها على بقاء القوات الأميركية لحمايتها في مناطق نفوذها شمال شرق سورية يبقى غير مضمون. وإذ تطمح أنقرة لشراكة ميدانية تركية - سورية في محاربة "قسد" تصر دمشق على التعامل مع الفصيل الكردي ذي النزعة الانفصالية وفق مسار دبلوماسي يراعي حق المواطنة وسيادة الوطن مع حفظ الحقوق الثقافية والاجتماعية لهذا المكون السوري الأصيل.
الكرة في ملعب "الإدارة الذاتية"
يؤكد الأمين العام لحزب الشباب الوطني السوري خالد كعكوش أن المسؤولين في ما يسمّى بـ "الإدارة الذاتية " في شمال شرق سورية يشعرون بقلق بالغ إزاء التقارب الذي تسعى إليه تركيا مع الحكومة السورية. بدا ذلك بوضوح من خلال تصريحات لعدد من الأحزاب في مناطق سيطرتها تنتقد حصول هذا التقارب وتقول إنه سيعطي شرعية للاحتلال التركي لمناطق شمال سورية.
وأضاف أن هذا الادّعاء "باطل" لأن الشروط التي وضعتها الحكومة السورية تستوجب رحيل المحتل التركي عن الأراضي السورية والعودة إلى الوضع الذي كان سائدًا قبل العام 2011. وأشار كعكوش إلى أنه ولمقاربة هذا الوضع يجب التمييز بين حالتين من الحوار المحتمل: الحالة الأولى هي استمرار التفاوض مع الجانب التركي، وهنا يتم الحديث عن تفاوض بين دولتين بوساطة عدة دول على رأسها روسيا وإيران والعراق. أما الحالة الثانية فتتمثل في احتمالية الحوار بين ما يسمّى بـ"الإدارة الذاتية" والحكومة السورية، وهو حديث عن تفاوض بين دولة وأحد مكوناتها الذي يسيطر على بقعة جغرافية ويفاوض على إدارتها ذاتيًا.
ولفت الأمين العام لحزب الشباب الوطني السوري إلى أن الحالة الأولى واضحة المعالم من خلال السعي الحثيث الذي يقوم به التركي المتخوف من المشروع الكردي للتقارب مع الحكومة السورية ليخفف من العبء الذي يحمله في جنوب تركيا وللتفرغ لمواجهة المشروع الكردي. فيما ينظر السوريون للأمر بطريقة مختلفة، فما يعنيهم هو تحرير شمال سورية من الاحتلال التركي ومن قوى إرهابية تسيطر عليه، كما تحدوهم الرغبة كسوريين بطرد الاحتلال الأميركي الذي جاءت به "الإدارة الذاتية" من الشمال الشرقي لسورية، بينما يتمسك هؤلاء به لحمايتهم ولا يقومون بأي مبادرات حوار جدية مع الحكومة السورية.
وأشار كعكوش إلى عدة زيارات قام بها مسؤولون من "قسد" لدمشق إلا أنها لم تفضِ إلى نتائج حقيقية لافتًا إلى أنه وكمراقب يستطيع أن يفهم أسباب ذلك لجهة أنه ما كادت تنتهي الزيارة التي يقوم بها مسؤول من "قسد" إلى دمشق حتّى زار بعدها الولايات المتحدة الأميركية، وتكرّرت هذه الحالة أكثر من مرة الأمر الذي يقود إلى استنتاج يقول بوجود أزمة ثقة من الحكومة السورية تجاه"قسد"، وهذه الأزمة تترسخ دائمًا بسبب التصرفات التي تمارسها "قسد" على الأرض وليس آخرها منع حصول انتخابات مجلس الشعب في مناطق سيطرتها.
وشدد الأمين العام لحزب الشباب الوطني السوري على أنه وانطلاقًا من الكلام الباطل حول أن التقارب مع تركيا يرسخ الاحتلال التركي فمن الممكن الرد على ذلك بالقول إن تعنت "الإدارة الذاتية" وعدم الجدية في الحوار مع دمشق يعرضان أهلنا في شمال شرق سورية لخطر عدوان تركي يتطلب تدخل الجيش العربي السوري لردعه في حال كانت هذه الإدارة منفتحة جديًا على الحوار مع دمشق لافتًا إلى أن الحوار مطلوب بين مكونات الدولة السورية التي يشكّل أبناء شمال شرق سورية جزءًا منها. وقال: "ومن هنا يجب على "الإدارة الذاتية" المبادرة إلى الحوار مع دمشق".
وبرر كعكوش ضرورة مبادرة "قسد" للحوار مع دمشق وليس العكس بالإشارة إلى أن هذه الإدارة تسيطر على المنطقة وعلى شعبها ومقدراتها وخيراتها وتستقوي بالاحتلال الأميركي على أبناء جلدتها في دمشق المنفتحة على الحوار. كما أنه يؤخذ على هذه الإدارة ثقتها بالأميركيين في الوقت الذي عاش فيه الجميع عشرات الحالات من التخلي الأميركي عن الحلفاء التي لن يكون آخرها نظام الحكم الأفغاني آخرها.
ونوه كعكوش بإيمان بقية السوريين بأن المكون السوري الكردي هو أحد مكونات الدولة السورية وهم يعتزون به ولا يعتبرون "قسد" ممثلًا وحيدًا له. وثمة قناعة راسخة بحقوق هذا المكون المتساوية مع جميع المكونات السورية التي لا يفرق بينها دستور البلاد وهو على مسافة واحدة منها.
وختم الأمين العام لحزب الشباب الوطني السوري حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن الحل لشمال شرق سورية يتمثل في الحوار الجدي بين سلطة الأمر الواقع هناك ودمشق بعيدًا عن حماية أي محتل، خاصة وأن دمشق قامت بعدد من التعديلات على قانون الإدارة المحلية رقم 107 التي تجيز الوصول إلى اللامركزية الإدارية الحقيقية التي تشكّل مخرجًا جديًا يرضي كافة أطياف الشعب السوري.
الافتراق في نظرة دمشق مع أنقرة
من جانبه يؤكد المحلل السياسي خالد عامر في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن "قسد" تشكّل مشكلة بالنسبة لكل من دمشق وأنقرة، لكن هذا لا يعني بالضرورة قبول السوريين بما يطلبه الأتراك منهم لجهة الانخراط الميداني المشترك في مسار عسكري ضدّ قوات سورية الديمقراطية.
وأشار عامر إلى أن الحرب ضدّ الأكراد بقيت وسيلة بالنسبة للسياسيين الأتراك في الداخل التركي يشدون من خلالها العصب القومي ويتنافسون في الانتخابات على قاعدة المزايدة في العداء لهذا المكون الكبير داخل الشعب والوطن التركي. فيما لم يعمد الخطاب الرسمي السوري منذ عقود طويلة إلى استعمال خطاب قومي متشنج ضدّ الأكراد الذين تبلور الحوار معهم حول ما يمكن وصفه بأنه حقوق ثقافية واجتماعية حرصت دمشق على مناقشتها بجو من الانفتاح والمرونة الملحوظة.
وختم عامر حديثه لموقعنا بالتأكيد على أن دمشق تصر على تقديم المعالجة الدبلوماسية مع "الإدارة الذاتية" على الحل العسكري وهي تعلم في نهاية المطاف أن قرار "الإدارة الذاتية" مرهون بالقرار الأميركي وهي ستنهار بشكل تلقائي حين يندحر الأميركيون عن الأرض السورية.