خاص العهد
واشنطن تحذر من عودة "داعش" وتمهد لبقاء طويل في سورية والعراق
أعلنت القيادة المركزية للجيش الأميركي يوم الأربعاء الفائت أن تنظيم "داعش" يحاول "إعادة تشكيل نفسه" مرفقة ذلك بأرقام تتحدث عن نيته مضاعفة هجماته في العراق وسورية مقارنة بالعام الماضي ومبينة أن "داعش" تبنى ١٥٣ هجومًا في كلا البلدين خلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
فما الذي تريده واشنطن من وراء التلويح بخطر التنظيم الإرهابي مجددًا، سيما وأن كلّ الوقائع والدلائل والبراهين تشير إلى تورط واشنطن في ضخ الحياة مجددًا في جسد هذا التنظيم الذي أنشأته ورعته وادعت يومًا أنها استأصلته قبل أن تهدّد به مجددًا ووتتّخذ من عودة نشاطه ذريعة لتبرير بقائها في المنطقة؟
"داعش" ذريعة للبقاء
يرى المحلل السياسي خالد عامر في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أن الولايات المتحدة لا ترغب بمغادرة المنطقة أقلها في هذه الفترة الزمنية التي تشهد عدوانًا صهيونيًا على غزّة وتوترًا كبيرًا في لبنان الأمر الذي جعلها تتّخذ من زخم عمليات "داعش" الأخيرة في سورية والعراق ذريعة للبقاء، وقد مهدت لذلك بإعلان القيادة المركزية للجيش الأميركي عن أن تنظيم "داعش" يعيد بناء نفسه.
وأضاف عامر أن نشاط التنظيم المكثف خلال المدة الأخيرة وكثرة اعتداءاته على مواقع الجيش السوري والمدنيين في البادية تؤكد أن واشنطن تريد التمهيد ميدانيًا لقرار سياسي بالبقاء في سورية والعراق الأمر الذي دفعها لتقديم كلّ دعم لوجستي وعسكري لإرهابيي التنظيم انطلاقًا من قاعدة التنف وحملهم جوًّا إلى النقاط التي يستهدفون الجيش السوري من خلالها قبل "التوهان المدروس" في عمق البادية.
تمركز التنظيم
من جانبه يرى الخببر العسكري الوليد صالح في حديثه لموقع "العهد" الإخباري أنه وبعد هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي عام 2017 أمام الجيش العربي السوري وحلفائه من محور المقاومة على محور دير الزور - الميادين - البوكمال وخسارته أمام التحالف الدولي في الباغوز، انتشرت فلول التنظيم في سورية في عدة مناطق أهمها منطقتان هما:
- البادية السورية الممتدة من شرق محافظة ريف دمشق إلى تدمر وصولًا إلى دير الزور، ومن المنطقة الممتدة من تدمر شمالًا إلى الحدود الأردنية السورية.
- ريف الرقة الجنوبي من معدان إلى الرصافة.
تكتيك التنظيم
ويضيف الخبير العسكري أن التنظيم عمد في السنوات التي تلت خسارته إلى تكتيك حرب العصابات وتكتيك الذئاب المنفردة، وحاول جاهدًا تنفيذ عمليات بهدف البقاء على الساحة لتشجيع عناصره الفارين على الالتحاق بالتنظيم من جديد، ولكن مناطق انتشاره ومناطق عملياته أعطت مؤشرات مهمّة أن التنظيم يتلقى دعمًا أميركيًّا عسكريًّا واستخباراتيًّا، ويمكن تلخيص ذلك وفق التالي:
- ينتشر التنظيم في البادية السورية من تدمر إلى الحدود الأردنية - السورية - العراقية، التي تحوي قاعدة التنف الأميركية والتي تفرض حظرًا جويًّا بشعاع 55 كم تحت حجة حماية القاعدة. وبهذا فإن التنظيم قد أنشأ نقاط ارتكاز وراحة لعناصره في هذه الصحراء تشكّل منطلقًا لتهديد الطريقين البريين 3 و2 ( كما هو موضح في الخريطة ) واللتين تشكّلان شريان اتّصال مع العراق وصولًا إلى إيران.
- ينتشر التنظيم جنوب الرقة بالقرب من معدان وصولًا إلى الرصافة ويهدّد الطرق ويحاول مرارًا استهداف قوافل النفط لابتزازها والحصول على أتاوات منها بهدف تمويل أفراده، وهذه العمليات لا يمكن أن تحصل إلا بدعم أميركي.
وهنا فإن تموضع التنظيم ومكان تمركز عملياته يتوافقان مع ما أعلنته الصحف الأميركية مرارًا عن خطة أميركية ترضي تركيا لإقامة حزام فصل يمتد من الرقة مرورًا بالسخنة وصولًا للتنف عبر م اسمته "الحزام العشائري" لفصل سورية عن العراق وإيران ولمنع أي تهديد كردي على تركيا في خطة مشابهة للصحوات في العراق. كما أن التمثيلية التي قامت بها الميليشات الانفصالية في سجن غويران لتهريب عناصر من "داعش" بإيعاز أميركي من شأنه دعم التنظيم ضدّ الجيش العربي السوري على الرغم من قيام بعض خلايا التنظيم المنعزلة بعدة عمليات ضدّ الميليشيات الانفصالية في دير الزور.
عمليات التنظيم
ويشير صالح في حديثه لموقعنا إلى أن عمليات التنظيم انخفضت بعد عام 2019 بشكل مطرد، وكان أدنى مستوى لها في عامي 2022 و2023 (كما هو موضح في الرسم البياني رقم 2) ولكن مع بدايات عام 2024 تزايدت عمليات التنظيم بشكل مطرد في كلّ من سورية والعراق (المخطّط البياني لعمليات التنظيم حسب المناطق رقم 3) حيث يظهر أنه في عام 2024 بدأ المنحنى البياني في غرب آسيا (الساحل) بالصعود تدريجيًّا، حيث بلغت عمليات التنظيم في سورية في الربع الأول من عام 2024 نحو 150 عملية، وقد تركزت عمليات التنظيم على استهداف قوافل الجيش العربي السوري والقوات الرديفة بالكمائن عبر العبوات الناسفة أو عبر مهاجمة نقاط تمركز الجيش العربي السوري وحلفائه كما حدث في ريف السخنة أكثر من مرة.كما استهدف التنظيم قوافل النفط بهدف الضغط الاقتصادي على سورية واستهدف أيضًا جامعي الكمأة لبث الرعب في قلوب الناس ولحصر جمع الكمأة بعناصره وبالعشائر في البادية التي تدعمه، ولا يمكن أن يقوم التنظيم بهذه النوعيات من العمليات وبهذا العدد إلا بدعم عسكري استخباري أميركي، ولكن حتّى الآن لم يستطع السيطرة على أي منطقة جغرافية محدّدة.
سبب زيادة عمليات التنظيم
ولفت الخبير العسكري إلى أن سبب زيادة عمليات التنظيم تعود لأسباب داخلية مرتبطة برفع معنويات أفراده ومناصريه وبالتالي الحصول على الدعم البشري والمالي ولإثبات أنه ما زال لاعبًا مهمًا في الساح.ة لكن السبب الرئيسي لزيادة العمليات هي معركة الطوفان التي يعاني فيها جيش العدوّ "الإسرائيلي" من استعصاء عسكري في غزّة ومن ضغط كبير من الجبهة اللبنانية التي لم تستطع كلّ التهديدات من تخفيفها، وظهر بشكل واضح قوة حزب الله في عدة نقاط منها العمق الاستراتيجي له المتمثل بسورية والمقاومة العراقية والجمهوية الإسلامية الإيرانية. ومن هذه النقطة تحديدًا يمكن فهم سبب زيادة عمليات التنظيم في عام 2024 بدعم أميركي في قاعدة التنف والقواعد في دير الزور بعدة أهداف:
- زيادة الضغط الاقتصادي على الدولة السورية والشعب السوري.
- استهداف الطرق البرية التي تم ذكرها في التقرير لإعاقة حركة فصائل المقاومة ومحاولة قطع الشريان الممتد من جنوب لبنان إلى سورية فالعراق وإيران.
- محاولة تأمين موارد مالية للتنظيم من قوافل النفط والكمأة وغيرهما.
- محاولة استنزاف الجيش العربي السوري وحلفائه بهدف الضغط عليه لتخفيف دعمه لحزب الله ولفصائل المقاومة.
استشراف المرحلة المقبلة
وحاول الخببر العسكري استقراء المرحلة المقبلة بالإشارة إلى أن التنظيم سيحاول زيادة عملياته الإرهابية في مختلف المناطق التي يصل لها خصوصًا طريق تدمر - دير الزور (الذي يسمّى الطريق القديم ويصل إلى العراق) أو تدمر - السخنة - دير الزور (وقد يحاول السيطرة على بلدة السخنة الاستراتيجية)، مشيرًا إلى أن الجيش العربي السوري استبق خطوات التنظيم ومشغله الأميركي عبر القيام بعمليات تمشيط واسعة بدعم جوي سوري - روسي وتم استهداف العديد من مقراته المحدثة في الصحراء، كما قام الجيش العربي السوري بمناورات تدريبية واسعة في الصحراء تحضيرًا لأي سيناريو محتمل، حيث كانت أبرز قوات التمشيط هي وحدات من الفرقة 25 لمكافحة الإرهاب ووحدات مختلفة من عدة فرق عسكرية، وهذا ما من شأنه إفشال مخطّطات التنظيم ومشغله الأميركي في الصراع المستمر.