خاص العهد
دمشق منفتحة على عودة العلاقات مع تركيا على أساس السيادة الوطنية
وضع الرئيس بشار الأسد، وقبله بيان الخارجية السورية، الأسس الواضحة لأيّ لقاء يمكن أن يجمعه مع الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان، مشيرًا إلى أن العبرة ليست في اللقاء بحد ذاته؛ بل في مضمونه.
ما المعايير التي تضعها دمشق للمضيّ قدمًا في عملية ترتيب العلاقة مع أنقرة وفقًا لمصلحتها؟ وما الضغوط التي يعيشها الرئيس التركي، والذي يندفع لـ "توسل" نظيره السوري لحصول هذا اللقاء الذي بات حديث الساعة؟
الانسحاب التركي أولوية الأولويات
يؤكد المحلّل السياسي المتخصّص في شؤون الجماعات الإسلامية حسام طالب أن العلاقات السورية- التركية لا يمكن أن تكون علاقات عابرة أو عادية، في أحسن الأحوال، بسبب التشابك والخطوط الاقتصادية والأمنية وحتى العسكرية بين الدولتين. وكذلك الأمر في حال العداء؛ فهذا لا يكون تقليديًا كما شاهد الجميع خلال الثلاثة عشر عامًا الماضية.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُشير طالب إلى أنه: "وفي المرحلة الماضية؛ كان الموقف التركي معروفًا من سورية التي لا تريد أن تنكأ الجراح، لكنها تبدو مهتمة جدًا بمعالجة أسباب ما حصل. إذ إنه لا يمكن اليوم الحديث عن مصالحة مع فرض أمر واقع تركي في الشمال السوري؛ فهذا أمر غير مقبول سوريًا". ويضيف: "لا يمكن لسوريا أن تذهب إلى تحسين هذه العلاقات ولقاءات على مستوى الرؤساء إلّا عندما يكون هناك برنامج واضح لهذا اللقاء؛ حيث يؤدي إلى توقيع اتفاقية بين الدولتين تنصّ على أولوية الانسحاب التركي من الأراضي السورية وفقًا لجدول زمني قوامه تحسين العلاقات وآلية العمل المشترك وآلية مكافحة الإرهاب وتفكيك الجماعات الإرهابية"، ويتابع: "إذا جرى الإتفاق على هذه الأمور؛ فهذا اللقاء قد يحصل غدًا".
طالب يلفت إلى أن كل المسؤولين الأتراك يتحدثون بطريقة إيجابية عن دمشق وعن وحدة وسيادة الأراضي السورية. ويردف: "هذا أمر جيد جدًا؛ إذ يتحدث أردوغان عن رغبته بلقاء الرئيس الأسد والعودة إلى الماضي وحتى على مستوى لقاءات العائلة، وهذا أمر مهمّ كذلك. ولكن بالنسبة إلى سورية؛ القضية ليست إعلامية، كما ورد في بيان الخارجية السورية، القضية هي أن هناك احتلالًا في الشمال السوري، كما أن الجماعات الإرهابية هناك يتلقّى بعضها الدعم المباشر تحت رعاية الاحتلال التركي وبعضها الآخر تربطه علاقة بهذا الاحتلال، حيث يوجد غطاء تركي له؛ مثل جبهة النصرة التي يمنع العمل العسكري السوري ضدها وجود النقاط التركية التي تشكّل غطاء عسكريًا لها".
يُشدد طالب على وجود "ملفات معقّدة" يجب حلّها والاتفاق عليها وفقًا لجدول زمني؛ عندها يمكن القول بأن العلاقات عادت طبيعية، كما ذكر الرئيس بشار الأسد بالأمس وبيان الخارجية السورية قبل ذلك. كما أن الرئيس التركي مضطر إلى هذه المصالحة؛ فهناك تهديد أمني واضح داخل تركيا يهدد بثورة شارع عنوانها "اللاجئون السوريون"، ويتابع أن: "المجموعات الإرهابية المرتبطة بتركيا يجب أن تفكك كي يُحاصر المشروع الانفصالي في الشمال الشرقي، وعندما يتمّ القضاء على جبهة النصرة ستفقد "قسد" عامل التمويل؛ لأن معظم النفط السوري المنهوب من" قسد" يذهب إلى جبهة النصرة والجماعات الإرهابية، وكفّ تهديد قسد لا يحتاج إلى معركة؛ بل يكفي القضاء على الإرهاب كي تًحاصر وتًعزل".
أنقرة مضطرة ودمشق مرتاحة
من جانبه، يرى الباحث السياسي جعفر خضور أن: "القيادة السورية تعرف جيّدًا الأسس والقواعد التي يجب أن تسير عليها في ما يتعلق بعودة العلاقات السورية- التركية إلى ما كانت عليه. وفي حديث لـ العهد""، يقول خضور إن أوراق القوة التي تمتلكها دمشق تتمثّل في:
1- مشكلة اللاجئين السوريين التي جعلت أردوغان يخسر الانتخابات البلدية الأخيرة، وهي تتوعّده كذلك بخسارة الانتخابات الرئاسية القادمة ما لم يسرع في التنسيق مع دمشق بشأنهم، ويقنع الشعب التركي بجدية هذه الخطوة، وليست مجرد مناورة جديده تضاف إلى مناوراته السابقة.
2- مشكلة المجموعات الإرهابية التي أنشأتها تركيا في الشمال السوري، ودعمتها بمختلف أشكال الدعم إلى الدرجة التي باتت تشكّل فيه خطرًا على الأمن القومي التركي واستنزافًا كبيرًا للميزانية. والأهمّ أن هناك ضغوطًا كبيرة من القوى الإقليمية والدولية الصاعدة، مثل موسكو وبكين وطهران، باتجاه تفكيك هذه المجموعات الإرهابية. وهو أمر يصعب على أنقرة تجاوزه في هذه المرحلة تحديدًا.
3- الضرر الذي لحق بالاقتصاد التركي/ واستحالة تعافيه طالما بقيت بوابته الجنوبية مقفلة باتجاه الأردن والخليج ومصر وأفريقيا.
4- تبلور يقين تركي بأنّ مشكلة " قسد" والنزعة الانفصالية لديها لا يمكن حلها من دون التنسيق المباشر مع دمشق؛ سيما وأن الاتراك يستشعرون قرب الانسحاب الأمريكي من سورية وحاجة أنقرة لضرورة قيام دمشق بملئ هذا الفراغ حتى لا تعمّ الفوضى، وتنعكس تاليًا على الداخل التركي.
5- انعكاسات عملية "طوفان الأقصى" على أهمية ووزن المحور الذي تنتمي إليه دمشق، وإدراك أردوغان أن موازين القوى الإقليمية والدولية تسير إلى غير مصلحة المحور الأمريكي الذي ينتمي إليه، في حين يبدو أنه بات أكثر قربًا من محور روسيا والصين ودول البريكس وشنغهاي.
يختم خضور حديثه لموقعنا بالإشارة إلى ورقة غير معلنة تتحدث عن وجود صيد أمني كبير بيد الجيش السوري، وهو وقوع ضباط أتراك بيده في أثناء عدوانهم على سورية. ويؤكد أن هذه الأنباء، لو صحّت وهي واردة جدًا، ستملك دمشق ترف استثمارها، سواء بإعطائها لأردوغان مقابل التزام صريح منه بما اتفق أو سيتفق عليه أم للمعارضة التركية التي يمكن أن تعطيها دمشق ورقة مهمّة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذا ما رأت أن مصلحتها تكمن في الدفع باتجاه التعامل مع حكم جديد في تركيا يلتزم بالاتفاقيات ولا يراوغ على النحو الذي تقوم به حكومة العدالة والتنمية.