خاص العهد
مقابلة لـ"العهد" مع وزير الدفاع الأرميني السابق أرشاك كارابتيان (2 / 2)
بعد حصول أرمينيا وأذربيجان على استقلالهما عن الإمبراطورية الروسية في عام 1918، نشأت بينهما خلافات حول ملكية بعض الأراضي التي أهمها إقليم ناغورني قره باغ. ثم توقفت هذه الخلافات بعد ضم الدولتين إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1922، لتعود وتنشب بعد حل الاتحاد السوفياتي عام 1991، ونتج عنها عدد من الحروب التي سقط فيها عدد كبير من القتلى من الجانبين.
وعلى الرغم من إجراء استفتاء في عام 1991 نتج عنه إعلان أرمينيا استقلال قره باغ، فما زالت الخلافات قائمة حول هذا الإقليم، وعاد الصراع إلى الواجهة في شهر أيلول/سبتمبر 2023 وسقط الإقليم بيد القوات الأذربيجانية، ما سرق لوهلة وميض الحرب الأوكرانية ولفت الأنظار إلى جنوب القوقاز، الأمر الذي بدا وكأنه جبهة جديدة تنجرّ إليها روسيا وربما الدول المحيطة: إيران، أرمينيا، أذربيجان وكلّ القوقاز.
من ناحية أخرى فإن إقليم ناختشيفان الأذربيجاني ذي الحكم الذاتي يمتلك حدودًا بطول 17 كلم مع تركيا، ويتطلب الوصول إليه من أذربيجان المرور عبر إيران أو أرمينيا. ولذا، ترغب أذربيجان بالسيطرة على هذا الممر، ما يهدّد الأمن القومي الإيراني والروسي على حد سواء. كذلك، فإن مراهنة رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان على دعم عسكري أميركي يبقى صعب التحقق، نظرًا إلى أن هذا الدعم يجب أن يمر عبر جورجيا التي اكتوت بنار الحرب سنة 2008، وستفكر مليًا قبل السماح للقوات الأميركية بالمرور في أراضيها مهما كانت المغريات لكيلا تذهب "فرق عملة".
كل هذه المحاور بالإضافة إلى موضوع القضية الفلسطينية وما يجري من عدوان على قطاع غزة، كانت موضع حوار أجراه موقع العهد الإخباري مع وزير الدفاع السابق لجمهورية أرمينيا أرشاك كارابتيان ومدير استخباراتها السابق وزعيم حركة جبهة عموم أرمينيا.
تحدثتُ في مقالات سابقة عن إمكانية تشكيل منصة شبيهة بمنصة أستانا لتسوية النزاع بين أرمينيا وأذربيجان، يمكن أن تجمع روسيا، إيران وتركيا، إن كانت مصالحهم مهدّدة، هذا الثالوث، لديه اهتمامات مشتركة، أما مصالح روسيا مع تركيا ومصالح تركيا مع إيران فليست قليلة. والجميع يخسر بسبب هذا الصراع، فليتفاهموا بشأن الممرات والجمارك، حيث يمكن تشكيل منطقة جمركية حرة، وليخرجوا الأميركي من المنطقة؟
تذكرون متى جرى تشكيل منصة أستانا؟ عندما سقط نصف سورية ودُمر. نحن مجددًا نتحدث عن مستوى تطوّر البشرية، قبل أن نصل إلى الكارثة لا يدرك البعض حصولها وخطرها. للأسف، نعم، يمكن الجلوس والحديث عن أي شيء، التفاهم ممكن، وكذلك التوصل لاتفاق. للأسف، هناك الغرور البشري والعجرفة، حيث توجد في أذربيجان وفي تركيا نخبة ديكتاتورية حربية، وهذا يحول دون التوصل إلى تفاهم مسبق. لا سمح الله أن يحدث في أرمينيا ما حدث في سورية حيث تتواجه كلّ هذه القوى بعضها مع بعض. حينئذ قد تظهر الحاجة للجلوس والتوصل لإنشاء منصة للتفاهم، لكن ذلك في الوقت الراهن أمر صعب للغاية. لقد حصل الرئيس الأذربيجاني حيدر علييف على موافقة باشينيان للدخول في مفاوضات من دون وسطاء، ولكنه عندما ذهب إلى هناك فهم أنه لا يوجد من يتفاوض معه، بل قالوا له: تفضل هذا ما نعرضه عليك، عليك القبول وتنفيذ ما نقول لك.
هل يشبه الأمر "كامب ديفيد" حين ذهب أنور السادات إلى القدس؟
نعم، بالضبط ما حصل هو ذلك الشيء نفسه. هو الآن، أي باشينيان، يضلل الجميع ويدّعى أنه يقوم بالتفاهم. ولكنه عندما يسلم قرية، يأتي ويدعي أننا انتصرنا. لقد اعترفوا بحدودنا. عندما يسلّم نصف المساحة الجغرافية، يقول للشعب إنه انتصر. الأفكار كثيرة ولكن القاعدة الأساس هي: إن أردت السلم فاستعد للحرب. وهذا ما كرّره منذ مدة الرئيس التركي.
كيف ترون التدخل الأميركي والتأثير الأميركي في هذه المنطقة؟
التدخل الأميركي كبير وقوي، وأنتم تعلمون أفضل مني. لقد قرأت مقالكم، وأنتم كتبتم الواقع بتفاصيله. هم يتلاعبون بالبشر، ينفقون الأموال، وأنشأوا مختبرات. ماذا تعمل هذه المختبرات؟ هذا سؤال كبير، هم يتدخلون في كلّ النواحي والأمور السياسية. أنا كنت وزير دفاع وتحادثت مع دبلوماسيين روس، مع قادة روس، ولم يقل لي أي مسؤول روسي ما الذي يجب أن أفعل.
كانوا يقولون يا سيد كارابتيان، من المفيد أن نفعل كذا وكذا، وعندما كنت لا أوافقهم الرأي لم يكونوا يكرّرون، ولا يصرون حتّى على رأيهم. أما الدبلوماسيون الأميركيون فعندما كانوا يتحدثون إليّ، يقولون: عليكم فعل كذا وكذا وكيت وكيت (You must). سألتهم عدة مرات، قد يكون فهمي للغة الإنكليزية غير كاف، قد لا أعلم ماذا تعنى كلمة (You must)، ربما هذا لا يعني أنني مجبر على فعل ما، فدققت معهم، هل تعنون بـ (You must) أنني مجبر؟ فقالوا نعم! فقلت لهم لماذا أنا مجبر؟
هناك أمر آخر. منذ أكثر من 30 سنة وروسيا تمنح أرمينيا قروضًا لأسباب مختلفة، ومساعدات اقتصادية لشراء معدات وسلاح وغير ذلك، ولم ترسل روسيا في أي مرة مع القروض رسالة تقول فيها إنكم إن كنتم ترغبون بالحصول على هذه القروض، عليكم أن تفعلوا كذا وكذا وتعتمدوا قوانين هكذا، غير أنني عندما كنت مستشارًا لنيكولا باشينيان، عندما أردنا الحصول على قرض غربي، قبل الحصول عليه، أرسلوا وثيقة أدرجوا فيها القوانين التي يجب علينا إقرارها كشرط للحصول على القرض. ومن بين هذه القوانين قوانين لا علاقة لها بالاقتصاد والأمور المالية إطلاقًا. على سبيل المثال، تشريع الزواج المثلي في أرمينيا، تتخيلون؟ نحن في جنوب القوقاز، وفجأة نجد أنفسنا في موقف كهذا، حتّى اللسان لا يقوى على النطق بهذه الالفاظ! شعب لديه مُثُل وتقاليد وغيرة ونزعة المحافظة. نعم، إن أردتم الحصول على أموال القرض، تفضلوا وتبنّوا هذه القوانين. وقد سخرت أنا عندما حاولوا تبني قانون بحضوري حول الأقليات القومية في أرمينيا! هناك تعريف لما يسمّى بالأقليات القومية، ومن هم. توجد لوائح وإحصاءات بأعداد ممثلي القوميات الأقلية، وبين الكشوف نظرت إلى عدد من الألمان، فقلت بتعجب: ألمان في أرمينيا؟! كم عددهم؟ وتبين أنه يوجد 20 ألمانيًّا بقوا في أرمينيا منذ زمن الحرب العالمية الثانية. فعن أي أقليات قومية تتحدثون؟ هذا خلل أخلاقي. وما هو السبب لتبني قانون في بلد مثل أرمينيا عن أقليات قومية؟ هذه القوانين تشرع في دول توجد فيها ضرورة لإظهار من هم الأكثرية القومية، فما هو السبب في أرمينيا لإظهار من هي القومية الأكبر؟ ممثلو قوميات مختلفة أخرى لا يتجاوز عددهم 1 أو 2 في المئة. قد يجري اعتماد قانون كهذا لحماية الأقليات القومية في دولة متعددة القوميات، مثل روسيا، فما هو السبب لتبني قانون كهذا في أرمينيا؟ هل يجب أن نقول للأرمن إنكم أكثرية في أرمينيا؟ هذا هراء، وما دخل الألمان في الأمر؟ عدا 800 روسي، لم تظهر الإحصاءات. ولعلّ نيكولا باشينيان سيكتب عن وجود أقليات أذرية!
هل ترون أن باشينيان هو نسخة عن الرئيس الأوكراني زيلينسكي؟
تعلمون؟ زيلينسكي يرتاح ويدخن بكلّ هدوء، زيلينسكي بشكل أو بآخر يقاوم، يحاول أن يقاتل، غير واضح ما يقوم به. ولكنه على الاقل يبدو وكأنه يحاول القتال، وهو يؤدي دور الرئيس كما في أحد الأفلام، وهو لم يتمكّن من الخروج من هذا الدور، ولسبب ما ظن أن أوكرانيا قادرة على محاربة روسيا، ولأي سبب يقوم بذلك؟ هذا غير مفهوم. وأنا واثق من أنه لو لم يعدُّ الشعب الروسي الشعبَ الأوكراني شعبًا روسيًا أيضًا، لكان المشهد مختلفًا تمامًا، لكانت كلّ القيود والضوابط قد نزعت لكن توجد الآن ضوابط وسقوف.
سؤالي: هل ترون أن الولايات المتحدة الأميركية تستقطب طرفي الصراع، وتتحكم بهما، فتستميل الأرميني وتدعم الأذربيجاني؟
توجد خيوط مصالح قديمة، إن لم يشتر الغرب النفط من علييف، فهو سيكون في وضع سيئ. إن لم يبع علييف الغرب نفطه وغازه فأوروبا ستكون في وضع صعب، كلّ شيء مترابط، في حين أن لا أحد بحاجة إلى أرمينيا، وخصوصًا الغرب. أرمينيا مهمّة تاريخيًّا لروسيا وإيران التي موقعها بالقرب من أرمينيا حاليًا.
طرحت فكرة إنشاء تكتل عسكري جنوبي، يضمّ روسيا وأرمينيا وإيران، وتأمين الاستقرار في هذه المنطقة. هذا هو مقترحي وأقول هذا في كلّ المحافل، وخلال لقاءاتي هنا عندما يأتي ضيوف من الخارج. يجب إنشاء تحالف عسكري جنوبي، فهذا يهدئ الوضع كليًا، وبهذا المخطّط يجب التصرف حيال فلسطين، الحلف الذي يمكن أن يحقق النصر هو إيران، ولبنان، وفلسطين. هذا رأيي، وقد يخالفني البعض الرأي.
قلت له: لدينا محور المقاومة
تابع كارابتيان:
يجب ترسيخ هذه الفكرة وقوننتها لتكون حلفًا رسميًا، هذا سيكون التكتل العسكري الشرق أوسطي.
لقد اقترحت تشكيل حلف عسكري جنوبي من روسيا وأرمينيا وإيران. اقترحت تشكيل حلف شرق أوسطي من إيران، ولبنان، والعراق وربما سورية وفلسطين، ويمكن تطويره ليضمّ اليمن مثلًا. وداخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، يمكن إدراج ممثلي هذه التكتلات أو الأحلاف، كذلك حلف وسط آسيا، لأن الكازاخستانيين لن يقاتلوا من أجل الأرمن ضدّ الأذربيجانيين. ولكن قد يسود داخل هذه المنصة مفهوم التعاون التقني - العسكري. ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي تستطيع أن تخصص موارد لحماية فلسطين على سبيل المثال.
هذا مشروع مستقبلي وهو رأيي ورؤيتي لمستقبل ممكن للمنطقة.
لقد شاهدنا كلنا الألعاب العسكرية خلال شهري تموز وآب الماضيين في قاعدة وزارة الدفاع الروسية حيث شارك ممثلو جيوش متعددة. قد يكون لدينا حلف إفريقي مثلًا، هذا يعني أن جمعهم ممكن وتشكيل تكتلات على هذا الأساس.
بالانتقال إلى الصراع الشرق أوسطي عبر تصريحات ألكسندر فوتشيتش، الرئيس الصربي، الذي صرح بأن الصراع بين "حزب الله" والكيان الصهيوني، قد يتطور لمواجهة إقليمية، ومن الممكن أكثر من ذلك. لقد تعودنا على مدى الأشهر التسعة الماضية على يوآف غالانت، بتسلئيل سموتريتش، إيتمار بن غفير وبنيامين نتنياهو وهم يدلون بتصريحات بأنهم خلال كذا وكذا وبضع ساعات سيبدأون الحرب على لبنان. كلّ يوم تتواصل التهديدات "الإسرائيلية" بتوسيع الحرب على لبنان مع أن الحرب مستمرة على لبنان، ولكن ضمن قواعد اشتباك يخرقها العدوّ أحيانًا. لقد بدأت المقاومة الإسلامية في لبنان منذ الثامن من أكتوبر بإسناد جبهة غزّة، وهذا يعني أن التكتل أو التحالف الذي تتحدثون عنه يعمل، فماذا يمنع "الإسرائيلي" من شن حربه الموعودة على لبنان؟ لماذا لم يبدأوا الحرب الشاملة بعد؟ وهل فوتشيتش محق في أن هذا الصراع قد يتطور إلى ما هو أكبر من إقليمي؟
تعلمون أنني قبل أن أصبح وزيرًا للدفاع كنت مديرًا للاستخبارات العسكرية في أرمينيا. المهم من يقول هذا الكلام، ومن يقول هذا الكلام هو شخص ليس ببسيط. أعتقد أن لديه معلومات يستند إليها ليخلص إلى توقعات كهذه. لذلك يجب أخذ الأمر على محمل الجد ودراسته بعمق، وأن نكون مستعدين لما سيحصل وفقًا لتوقعاته. لا أستطيع نفي إمكانية حصول ما يقوله الرئيس الصربي. نقرأ ونتابع المعلومات الواردة كمتابعين نحن وإياكم، وربما كانت لدى فوتشيتش مصادر معلومات ليست متوفرة لدينا، ليبني مواقفه عليها.
أما لماذا لا يبدأ "الإسرائيلي" بعمليات عسكرية أوسع وأكبر؟ الحديث هنا عن حرب مختلفة تمامًا، الموقف لن يبقى في إطار مواجهة مجموعات فدائية مقاومة كما في غزّة، بل الحرب مع مقاومة تشبه جيوشًا نظامية أيًا كانت (يقصد المقاومة في لبنان)، وهي جيش لديه عقيدة تحفزه وشعب لديه خبرة حرب أهلية، ومقاومة لديها خبرة الحرب السورية، جيش مقاومة لا يزال يقاتل دون توقف، مع تراكم خبرات. على الأرجح الأمور ليست سهلة على القيادة العسكرية "الإسرائيلية". الآراء قد لا تتفق حول مستقبل هذه الحرب ولا حول مستقبل المنطقة ككل، والسبب قد يكون مختلفًا والعواقب قد تكون متعددة. وفي الوقت نفسه لا أرحب بعملية استهداف المدنيين "الإسرائيليين" كذلك، كان يمكن التصرف على نحو مغاير. وعلى الرغم من وجود كثير من المعلومات المضللة والمفبركة، فإنني لا أفهم كيف لـ"جيش نظامي" كالجيش "الإسرائيلي" أن يعتقل نساء وأطفالًا.
هل اطلعتم على مشاهد استخدام الجيش الصهيوني للمدنيين دروعًا بشرية وللأسرى المدنيين لفتح ثغرات في حقول الألغام؟!
لا أفهم، اعتدنا أن يقوم تنظيم "داعش"، على سبيل المثال، بهذه الأعمال. أما عندما يقوم بهذه الأعمال "جيش نظامي"، وهو جيش لـ"شعب" من المفترض أن يكون شعبًا مر خلال تاريخه بمعاناة كبيرة، نحن نذكر ما حدث خلال الحرب العالمية الثانية، وعندما نرى أن بأيدي ممثلي هذا "الشعب" تقترف هذه الأفعال، ويفعلون بالفلسطينيين ما فعله النازيون بهم، هذا يثير الدهشة.
تذكرون بداية السابع من أكتوبر، عندما اتّهموا حماس بقتل الأطفال واغتصاب النساء، وتبين فيما بعد أن كلّ هذه المعلومات مفبركة ومضللة، وأن الجيش "الإسرائيلي" قصف مستوطنيه وقتل منهم المئات.
في كلّ شعب يوجد سفلة، مهما اختلفت تسميات الشعوب، عرب، أرمن، روس ويهود. نجد في كلّ شعب أوغادًا، ولكن عندما يرتكب "جيش نظامي" هذه الأعمال الدنيئة، هذا يعدُّ سياسة وليس فقط عمل أوغاد. نحن قد نرى شخصًا معتوهًا في صفوف قوات نظامية يرتكب أعمالًا سافلة غير طبيعية، لكن ما نراه اليوم هو مشكلة مخيفة، فهي سياسة "دولة".
برأيي، إن من الصعب إبقاء أي صراع ضمن أطر ومقاييس معينة. في أي لحظة قد ينفجر ويتسع. هنا ينبغي التعويل على حكمة قادة الصراع من كلا الجانبين. رأيي هو التوقف والجلوس للتفاوض، لكن "إسرائيل" لن تحصل بواسطة القوّة العسكرية وقوة السلاح على الاستقرار لنفسها، أخذًا بعين الاعتبار قوة إرادة الشعب الفلسطيني. كما أن الفلسطينيين لن يتمكّنوا من الحصول على الاستقلال بقوة السلاح فقط ما دامت الحرب مستمرة، ويجب إنهاء الحرب. أعتقد أن فلسطين يجب أن تكون دولة مستقلة، هذا الشعب يستحق الاستقلال، لديه الحق بالوجود وليس فقط يستحق الاستقلال.
قبل سنة 1948 لم يكن هناك أي شيء اسمه "إسرائيل".
نعم لم يكن هناك "إسرائيل". أنشأوا "دولة" لـ"شعب" قلنا إنه مر بمعاناة خلال الحرب العالمية الثانية. الفلسطينيون استقبلوهم وعطفوا عليهم في البدايات.
بالنسبة لناغورني قره باغ، كلّ الشعوب كانت تسكن المنطقة نفسها. أما في سنة 1948 فأتوا باليهود إلى فلسطين من مختلف أصقاع العالم، من بولندا، ألمانيا، روسيا وغيرها.
اللافت أن الفلسطينيين استقبلوهم برأفة. نعم لم يسأل أحد عن رأي الشعب الفلسطيني. التاريخ لا يمكننا تغييره. على سبيل المثال، اجتمع ثلاثة أشخاص وقرروا أن الاتحاد السوفياتي يجب أن يزول، بغضّ النظر عن إجراء استفتاء وعن أن 90% صوتوا لمصلحة بقاء الاتحاد السوفياتي، وحتّى الآن بسبب هذا الانهيار تدور الحروب، كذلك قرر بعض الأشخاص في سنة 1948 إنشاء هذه "الدولة" "إسرائيل"، لماذا هناك في ذلك المكان؟ غير مفهوم. لا أريد التعليق فهذا لن يغير شيئًا في ما حصل. تعتقدون أن الحرب الحالية اليوم هي حرب تقرير مصير حاسمة؟
نعم، بالنسبة للشعب الفلسطيني هي حرب مصيرية تقريرية حاسمة. تفهمون بأي معنى. الشعب الفلسطيني امتشق السلاح ويدافع عن نفسه، ويجب ألا يرضى بأي شروط تحت أي ظروف أن يتخلى عن هذا السلاح، عن هذه المقاومة، وألا يقبل بغير الاستقلال وتقرير المصير. يجب السير حتّى النهاية، هذه فرصة تاريخية، ولعل كوني عسكريًا أتحدّث بقسوة في هذا الصدد. نعم، النساء والأطفال يعانون، ولكنني أوافق المفكر الفلسطيني الذي قال إنه منذ سنة 48 خسرت الثورة الفلسطينية 110 آلاف شهيد، والآن خلال هذه الفترة القصيرة نسبيًا نخسر 40 إلى 50 ألفًا، أتفق معه على أن هذا هو ثمن التحرير، الجلوس إلى طاولة مفاوضات ووقف الحرب فقط بشرط الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة السيادة، فقط في هذه الحال يمكن أن يحل السلام على العرب الفلسطينيين واليهود.
كيف لدولة احتلال أن تستمر بالوجود وأيدي قادتها وأبنائها ملطخة بدماء الأطفال والنساء؟
ما حصل في تاريخ اليهود يجب أن يكون درسًا لهم ونموذجًا، وهذا لا يعنيني اليوم، اليهود هم أيضًا شعب قديم، أتوا من بعيد، من إفريقيا، من مصر، تاه بنو "إسرائيل" أربعين عامًا في الصحراء، لديهم تاريخ، لديهم عادات، لا يمكننا القول إنهم لا يملكون الحق بالعيش، لكنّهم يجب ألا يمنعوا الشعوب الأخرى من حق العيش، وبامتلاكهم تاريخهم الصعب يجب ألا يكون لديهم الحق باقتراف هذه الأفعال. إن بعضًا قرر إرسالهم للعيش في هذه الأرض. قد لا يتحمل الشعب المسؤولية. بدأوا بإرسالهم من بولندا وغيرها. قالوا لهم لكي يتوجهوا إلى فلسطين، اركبوا القطار والباخرة واتجهوا إليها. لو طلبوا منهم أن يتوجهوا إلى مكان آخر لتوجهوا إلى مكان آخر. من قرر هذا؟ لم يكن من قرر هذا هؤلاء اليهود العاديون، ولكنهم ربما "يهود أكثر من اليهود". في الواقع ما قد حصل، لكن كان عليهم دراسة المحيط والقبول بمن يعيش على هذه الأرض أصلًا وتعلم العيش معًا بسلام.
لكل صراع نهاية ولا سيما إن كان مسلحًا، فما هو مصير هذا الكيان الذي يوجد في منطقة محاطة بقوى تستطيع أن توجه له صفعة في أي وقت. وإن لم يعجبهم الوضع فليعودوا إلى بولندا وغيرها؟
كلامي ربما لن يعجب البعض، وهو مسألة عودتهم من حيث أتوا، وهي غير واقعية، ونحن نعلم أن هذا غير ممكن.
في الوقت الحالي يصعب على القيادة "الإسرائيلية" إقناع سكان مستوطنات الشمال بالعودة إلى هذه المستوطنات، ومنهم من نقل أعماله وسكنه بصورة دائمة إلى مناطق أخرى أو دول أخرى. لذلك، فإن قيادة الكيان تقول إن عليها توجيه ضربة لحزب الله لإقناع مستوطنيها بالعودة إلى مستوطناتهم! ما رأيكم في هذا؟
لن يتمكّنوا من إقناع مستوطنيهم باستخدام قوة السلاح ضدّ لبنان. عليهم التوقف عن الحرب، وأول ما يجب عليهم فعله هو الاعتراف بدولة فلسطينية، لا بل عليهم إصلاح ما دمروه، مساعدة الشعب الفلسطيني على تنظيم حياة طبيعية، فقط بعد ذلك يمكن إقناع المستوطنين بالعودة. هناك أيضًا مسألة مهمة: كيف ظهر هؤلاء المستوطنون؟ أليس بالقوّة طردوا السكان المحليين الذين كانوا يعيشون في هذه المنطقة وبعدها استوطنوها؟ لا أقول إن هذا مجرد مصادفة، فالأمر في هذه الحال فيه إشكاليات كبيرة، فإن كان لديهم حق بالعيش في هذه المستوطنات فللفلسطينيين هذا الحق قبلهم بالعيش على هذه الأرض. فلنأخذ القدس، كم من المقدسات موجود هناك؟ لا أحد يتحمل المسؤولية عن إرادة الخالق في وجود مقدسات الأديان السماوية في مكان واحد. يجب التفاهم وإيجاد حل غير تقليدي، وليس في إطار مفهوم الدبلوماسية المتعارف عليها اليوم، أو في إطار القوانين الدولية المعروفة اليوم.
تدركون أن الصراع ليس صراعًا دينيًا اليوم.
بالطبع، ففي لبنان يعيش الأرمن ويخدمون في القوات المسلحة اللبنانية. والأرمن دومًا يقفون إلى جانب القرار الوطني اللبناني. ما أعنيه أنه يجب إيجاد مفتاح غير تقليدي، أما الحل بواسطة السلاح فهو لا يؤدي إلى أي مكان. بالنسبة لـ"إسرائيل" ستكون نهايتها الفناء إذا ما بدأت الحرب على لبنان. لا أقول إن لبنان سوف يربح الحرب أو يخسرها، ليس في هذا المفهوم، بل من الناحية النفسية، من ناحية الدوافع والحوافز. أنا أعرف أن "الإسرائيليين" لا يذهبون إلى الحرب الآن بحماسة. بعضهم يقول لي: خلال النهار يسيطرون على الأرض وخلال الليل يستعيد المقاومون السيطرة عليها. هذا يذكرنا باحتلال الألمان لبيلاروس، حيث في النهار كان الألمان يسيطرون أما في الليل فالمقاومون هم من كان يمتلك الأرض. هذا بالنسبة لهم طريق لا يؤدي إلى أي مكان، وحربهم عبثية. إما أن يتفاهموا، وإلا فالفناء المتبادل غير ممكن، كذلك لن يحصل أن يفني أحد الآخر، لأن الشعوب أذكى من قادتها.
نعلم أن "إسرائيل" ليست منخرطة وحدها في هذا الصراع، بل من خلفها الولايات المتحدة الأميركية، التي يعولون عليها كأخ أكبر. وطموحات نتنياهو لا حدود لها، وهو دومًا يفكر بتوريط الأميركي في الحرب، وربما هم لا يعولون فقط على قوتهم الذاتية، في موضوع جبة لبنان، بل يعولون على دخول الأميركي الحرب؟
إذا فعل الأميركي هذا فإنه يخسر العالم العربي كله. هؤلاء العرب الذين يصغون لواشنطن اليوم، سيبدؤون بالتفكير، وقد يخسر الأميركيون المنطقة كلها. في أي مرحلة من الحرب إن أدخلوا قواتهم، فهذا ستليه خسارتهم لكل المنطقة. رأينا ما حل بهم في أفغانستان، عشرون عامًا من الاحتلال خسروا حياة جنودهم ورأينا كيف هربوا من أفغانستان، كذلك هذا ما سيحصل إن دخلوا الحرب هنا. أعتقد أن الأميركيين يعون ذلك، ولن يقدموا على خطوة كهذه، ولا سيما قبيل الانتخابات الرئاسية. أما الرئيس الذي سيربح، وأنا أعتقد أن هذا الرئيس لن يكون بايدن! لكن أعتقد أنه حتى بايدن نفسه لا يتجرأ على الدخول في الحرب. المنطقة غير سهلة، تدخلوا في سورية كما تعلمون، احتلوا منطقة غنية بالنفط أحاطوها بدفاعات دائرية، هم يسرقون النفط ويعيشون، ولكن ما ذايمكن لـ"إسرائيل" أن تقدمه لهم؟ نعم في البحر نفط وغاز ويمكن للأسطول الأميركي السادس أن يحرس أماكن استخراجهما في سواحل البحر المتوسط، من دون التدخل بريًا في عملية عسكرية. لكنني حتّى هذا لا أراه ملائمًا لهم، كما تحدث أحد اليهود، حيث قال لي إن الأموال الأكثر استقرارًا هي الأموال التي تحب الهدوء؛ فالأموال تحب الهدوء، ورأس المال جبان، ففي أي مكان غير هادئ يدخلون إليه لن يجنوا منه الأرباح. ففي العراق على سبيل المثال، لم يعوضوا خسائرهم والشعب كله يكرههم أينما حلوا. وقد دخلوا إلى ليبيا، وأصبح كلّ السكان يحنون لزمن القذافي، الذي مثّلوا به. أما في الوقت الراهن فلا أظن أنهم سيقدمون على التدخل في المنطقة لأنهم سيخرجون من سورية، وأينما دخلوا - إلى "إسرائيل" أو فلسطين - سيخرجون كذلك، وإيران ستتدخل، هذا فوق طاقتهم. كذلك لديهم أوكرانيا، وهم ليسوا بحاجة لجبهة ثانية. تعودنا على مصطلح جبهة ثانية بالنسبة لروسيا، ولكنهم هم أيضًا يخشون فتح جبهة ثانية، وهذا الخطر قد يكون في هذا الاتّجاه،
لذلك عاجلًا أو آجلًا "إسرائيل" سوف تتوقف، لا يمكنهم الذهاب إلى أي مكان!
أعتقد أن "إسرائيل" سوف تتوقف عاجلًا أو آجلًا، لا مفر لها وسوف تحاول التفاهم، وهذه التصريحات الطموحة والتهديدات العالية السقف سوف تذهب أدراج الرياح وإلى العدم بشكل متدرج...
في حال تدحرج الأمور وتوسع الحرب، فإن سقط صاروخ طائش على قاعدة روسية في حميميم، مثلًا، هل تبقى روسيا على الحياد؟
تذكرون قصف إيران لقواعد أميركية في العراق. قرارات كهذه لا تتّخذ ببساطة. قد يسقط صاروخ على قاعدة روسية وروسيا سترد بالمثل، وينتهي الأمر عند هذا الحد. كرجل عسكري أقول إن روسيا لكي تنخرط في صراع، لديه جذور على مستوى التخطيط الاستراتيجي، فهذه القرارات لا تتّخذ على أساس عاطفي، ولذا فإن انخراط روسيا في هذا الصراع أو في غيره، سيكون متوازنًا لأقصى درجة. في هذا المنطق كان يمكن لروسيا أن تنقض على تركيا منذ زمن، حين قتل السفير الروسي، وحين أسقطوا طائرة وقتل طيار، فهذه القرارات لا تتّخذ عاطفيًا، و"الإسرائيليون" أسقطوا طائرة روسية. لا تتّخذ القرارات على هذا المستوى عاطفيًا، وهذا ينسحب على الولايات المتحدة الأميركية كذلك. حين يقتل جنديّ هنا أو جنديّ هناك يتم الرد بشكل محدود، وينتهي الأمر عند هذا الحد. أما إدخال قوات والانخراط في صراع، فهذا أمر مختلف تمامًا.
في سنة 1982 خلال الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان، عندما وصل الخطر لموضع استراتيجي هو الحدود السورية - اللبنانية وجرى تدمير الدفاعات الجوية السورية في لبنان تدخل الاتحاد السوفياتي وأرسل كتيبتي دفاع جوي "إس - 200". في السلطان يعقوب تدخلت مروحيات وصواريخ سوفياتية مضادة للدروع، وساهمت في إيقاف الحرب، وتوقف الاجتياح "الإسرائيلي" عند خط الحدود اللبنانية - السورية، حتّى إن طائرات أميركية قد أسقطت، فأين روسيا من هذا الخطر اليوم؟
حينئذ، لم يكن الاتحاد السوفياتي منخرطًا في صراع مثل الصراع في أوكرانيا. أعتقد أن روسيا الآن كذلك. إن اعتدوا على سورية، فإنها لن تقف مكتوفة الأيدي، بالنسبة للبنان فالشيء الكثير يعتمد على القيادة اللبنانية.
هناك انقسام في لبنان. عندما تقرر التدخل يجب موازنة واحتساب كلّ الأمور، 50% من الحكومة اللبنانية مع الولايات المتحدة و50% ضدّها. لا يوجد موقف موحد، فلن تتمكّن روسيا ولا الولايات المتحدة من التدخل، كمثال فيلم جوني ديب "قراصنة الكاريبي"، إلى جانب من يقاتل، في الوقت الراهن يقاتل معنا.
في الصراع في القوقاز فإن روسيا هي ضامن للاستقرار، في سورية هي ضامن للاستقرار، في إفريقيا نوعًا ما في مكان ما هي ضامن، أعتقد أن غواصتين نوويتين في شرق البحر الأبيض المتوسط كفيلتان بوقف الحرب على غزة.
روسيا لا تعرض خدماتها على أحد أبدًا، حتّى لو تعرضت مصالحها القومية للخطر، فهي إن وجدت في هذا الشعب أو ذاك تباينًا أو تردّدًا، فإن تدخلها سيكون حذرًا، ولن يحصل تدخل واضح من جانبها في هذه الحال، المثال في ما وراء القوقاز، فإن أرادوا في لبنان حماية مظلة روسية فإنهم أولًا في لبنان عليهم التوافق والاتفاق على ما يريدون.
سؤالي: مظلة الحماية في سورية مرتبطة بشكل وثيق بمظلة لبنان.
أنا أوافقكم الرأي، ولكن الأمر منوط بالسلطة اللبنانية، لماذا لا يتدخل الأميركيون مباشرة؟ هم إن تدخلوا مباشرة إلى جانب اليهود فسيخسرون فلسطين ولبنان الذي سيتوجه للبحث عن حماية إلى إيران وسورية وإلى كلتيهما في آن معًا، وبذلك يخسرون الـ 50% في لبنان، الذين يقفون إلى جانب السياسة الأميركية. فأي تدخل قد يكون محاكاة للتبعات التي يمكن أن تحصل. لماذا قلت إن جرى الاعتداء على أرمينيا فلن يبقى خط غاز ونفط أذربيجاني؟ الجيش على الأرض قد يحقق إنجازات، ولكن الخسارة، التي ستحل به من قبل القوى المقاومة لا طاقة لهم على احتمالها.
فلسطين المحتلةروسياالكيان الصهيونيأذربيجانأرمينيا
إقرأ المزيد في: خاص العهد
02/12/2024
القرض الحسن: صمود وعمل مستمر رغم العدوان
30/11/2024