خاص العهد
"موازنة" تخفيض العجز أم تحسين الاقتصاد!
فاطمة سلامة
عندما عاد اللبنانيون من مؤتمر "سيدر" الذي عُقد قبل نحو عام تحت مسمى دعم الاقتصاد اللبناني، عادوا وفي جعبتهم الكثير من الشروط. قيل لهم آنذاك باستطاعتكم الحصول على 11 مليار دولار بأغلبيتها قروض، شرط القيام بهذه الأجندة من "الإصلاحات" أولها تخفيض العجز. وعلى قاعدة التلميذ "المجتهد" عمدت الحكومة الى الالتزام بالتوصيات وتنفيذها. وضعت نُصب عينيها إنجاز "الواجب" المذكور، وبدأت مهمتها في تخفيض العجز. هذا الأمر بات الشغل الشاغل لمجلس الوزراء. المفارقة بدت في "الكيفية" التي عملت فيها الحكومة لتحقيق الهدف المنشود. فعلت لعبة الأرقام فعلها وبات أقصى هم الحكومة "شطب" رقم هنا وتعديل رقم هناك، وكأنّ تخفيض العجز عملية اقتصادية قائمة بذاتها لا ترتبط بأي مكونات أخرى. بينما المنطق يفرض تخفيض العجز بناء على خطة اقتصادية واضحة تُسهم في تحسين الايرادات وتعزيز الاقتصاد.
ورغم أنّ دراسة الموازنة أخذت وقتها الكافي والوافي على طاولة الحكومة، إذ استغرقت 20 جلسة من أصل 28، وهو رقم قياسي لم يسبق للموازنات السابقة أن سجّلته، رغم ذلك، لم تأخذ حقها كما يجب من الأصول المعتمدة في دول العالم لإعداد الموازنات، والتي تُشكّل بموجبها تلك المسماة "موازنة" روح المالية العامة، ولا ترسم مستقبلاً عاماً مالياً فحسب، بل مستقبل اقتصاد بكامله. وهو ما جعل الكثير من النقاشات على مدى العشرين جلسة هباء منثوراً، لا طائل منه، بالمعنى الاقتصادي. كل ذلك يرجع للعقلية "الرجعية" القائمة على الاقتصاد الريعي ونظرية فرض الضرائب لتمويل الخزينة. هذه النظرية التي كمّلها البعض بالحديث عن اقتطاع من الرواتب والأجور، وقف لها وزراء حزب الله بالمرصاد، منذ اللحظة الأولى التي بانت فيها النوايا "السيئة" لناحية تخفيض العجز على حساب اللبنانيين.
قال وزراء حزب الله كلمتهم لمنع المس بالرواتب، وسجّلوا ملاحظاتهم حول الكثير من القرارات، على رأسها ضريبة الـ2 بالمئة على الاستيراد والتي ستتحوّل حكماً الى ضريبة على الاستهلاك تفوق هذه النسبة، وتأكل من القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسّطة. ولا شكّ أنّ نواب حزب الله سيُكملون ما بدأه زملاؤهم ويسجلون ملاحظاتهم في المجلس النيابي خلال مناقشة الموازنة التي أُقرّت تحت ضغط الوقت كـ"شر لا بد منه"، خصوصاً أنّ الكثير من الملاحظات رافق عملية الإقرار، وسط الحديث عن قرارات "ملغومة" ستطال بشرارتها المواطن شئنا أم أبينا. فما الملاحظات التي تُسجّل على هامش موازنة العام 2019؟.
"نقاط الضعف"
الكاتب والباحث الاقتصادي زياد ناصرالدين يستهل حديثه بالإشارة الى أن لبنان يحتاج الى موازنة "إصلاحية" لا موازنة تُراعي شروط "سيدر". برأيه، فإنّ الموازنة بالشكل الذي أقرت فيه تفتقد الى المعنى الحقيقي للإصلاح، إذ احتوت على قرارات عشوائية غير مفيدة للاقتصاد اللبناني. ويختصر ناصر الدين "نقاط الضعف" بالآتي:
1-إقرار الموازنة بعد ستة أشهر من التأخير، -يُضاف اليها المدة التي سيستغرقها النقاش في مجلس النواب-، أي بعد ستة أشهر من الصرف على القاعدة الاثني عشرية مع ما تحتوية هذه العملية من ثغرات.
2- لا رؤية اقتصادية تتضمنها الموازنة بل رؤية تخضع لإملاءات مؤتمر "سيدر"، قائمة على تخفيض العجز من خلال فرض ضرائب جديدة وهذه نقطة ضعف كبيرة.
3- المس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة وحماية الطبقات الغنية والغنية جداً. هذه حقيقة نجمت عن الموازنة رغم كل ما يُشاع عكس ذلك. فضريبة الـ2 بالمئة على الاستيراد ستنعكس 6 و7 بالمئة على الاستهلاك لأنها ستمر بالعديد من المراحل التي تحتوي على نفقات تشغيلية ما يؤدي الى ارتفاع الأسعار. وهذه ضريبة أقرب الى الـTva ولكن بطرق ملتوية تتعامل مع الموازنة على أنها نفقات وإيرادات فقط لا على أنها "فرصة" لانقاذ الواقع الاقتصادي. كان بالإمكان فرض ضريبة على السلع الكمالية أو تلك التي تنافس الانتاج المحلي.
4- المس بسلسلة الرتب والرواتب من خلال فرض ضريبة دخل على المتقاعدين.
5- تحديد سقف التقديمات، وهو الأمر الذي طالب به حزب الله وشجّع عليه، شرط أن لا يكون على حساب الطبقات المتوسّطة أو على حساب المؤسسة العسكرية كما حصل بل على الجهات التي تتقاضى الرواتب الخيالية.
حزب الله سيُناقش بصوت مرتفع
لا يُنكر ناصر الدين أنّ الموازنة أخذت حقّها في النقاش بغض النظر عن "الشكل" الذي خرجت به، وذلك مرده الى القرار الجدي الذي اتخذه حزب الله وأعلن عنه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال الفترة الانتخابية لناحية أن تأخذ النقاشات حقها وتُقارب الملفات بجدية و"تُشرّح" لمعرفة تأثيرها على الاقتصاد والنقد. ومنذ اللحظة الأولى التي انطلقت بها المشاورات والنقاشات في موازنة العام 2019 حمل حزب الله توجهاً وإصراراً على عدم المس بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهو الأمر الذي سيُكمله داخل المجلس النيابي. صحيح وافق حزب الله على الموازنة كمقترحات قبل تثبيتها وسجّل تحفظات على الكثير من الأمور فيها، إلا أنّه سيناقش في المجلس النيابي بصوت مرتفع للتصحيح قبل أن تصبح الموازنة قانوناً نافذاً، بحسب ناصرالدين.
ويُشدّد ناصر الدين على أنّ هناك الكثير الكثير من الخيارات التي كان من الممكن اللجوء اليها لتحصيل الايرادات دون المس بالمواطنين بدءاً من الضريبة التصاعدية على الفوائد وتعديل النظام الضريبي، وليس انتهاءً بمعالجة خدمة الدين العام والتهرب الضريبي وإقامة جردة بالتعديات على الأملاك البحرية.
للخروج من عقلية النفقات والايرادات
ختاماً، يُشدّد المتحدّث على أنّ إعداد أي موازنة يحتاج الى الخروج من عقلية النفقات والايرادات الى عقلية المعالجة الحقيقية بالانتقال من الاقتصاد الريعي الى المنتج، وتغيير القرارات المالية والاقتصادية "الساقطة" والتي حوّلت فئات صغيرة الى أثرياء، وفئات كبيرة الى فقراء. وفق حساباته، لا بد من وضع رؤية ومعالجة اقتصادية نقدية ومالية "جريئة" لا رؤية تُراعي متطلبات "سيدر" ورعاته.