خاص العهد
كي لا تتحوّل الضريبة على الاستيراد الى فرصة لرفع الأسعار
فاطمة سلامة
ذكرنا سابقاً أنّها المرة الأولى ربما التي يأخذ فيها النقاش حول الموازنة كل هذا الضجيج الإعلامي والسياسي. الأسباب لذلك كثيرة ومتنوّعة بتعدد الآراء التي قاربت هذه المسألة. الجميع متفق منذ البداية على تخفيض العجز كهدف أساسي، إلا أنّ السبل لذلك اختلفت. البعض رأى أنّ تحقيق هذا الهدف دونه عقبات ومسؤوليات يجب تقاسمها بين الجميع. البعض الآخر شدّد على ضرورة عدم المس بالطبقات الفقيرة التي يكفيها ما يكفيها من ضنك العيش. عُقدت لأجل ذلك ما يقارب 17 جلسة، بعضها امتدّ الى ما بعد منتصف الليل. مهمة "عصر النفقات" لم تكن سهلة مُطلقاً خصوصاً أنّ لبنان يمر أولاً في أسوأ مراحله اقتصادياً، ويفتقد ثانياً لخطة اقتصادية واضحة المعالم تكفيه شرّ الانحدار الاقتصادي أكثر فأكثر.
وفيما بدت طاولة مجلس الوزراء أشبه بساحة لعصف الأفكار، أسهب المجتمعون في طرح الكثير من الاقتراحات والمخارج، بعضها واقعي وبعضها الآخر لا يصلح سوى كأداة لـ"جلد" المواطنين. وزير الاقتصاد منصور بطيش حمل الى مجلس الوزراء اقتراحا يقضي بفرض ضريبة على الاستيراد. انقسمت الآراء بشأن هذا الطرح الى أن أقرت الضريبة بنسبة 2 بالمئة. منذ ذلك الحين، ثمّة مخاوف يُعبّر عنها اللبنانيون، مخاوف من أن تتحوّل هذه الضريبة الى ضريبة على الاستهلاك يصح معها القول إنّ الضريبة على القيمة المضافة (TVA) ارتفعت وبطريقة غير مباشرة من 11 الى 13 بالمئة. تُطرح في هذا الصدد الكثير من الأسئلة حول الاجراءات التي ستتخذها الحكومة لمنع ارتفاع الأسعار بطريقة "مخيفة" بذريعة الرسم المذكور. ثمّة قلق في الشارع اللبناني من عمليات احتكار قد تطال السوق خصوصاً أنّ القرار الحكومي لم يحصر الضريبة بالسلع التي تنافس الانتاج المحلي أو بالسلع الكمالية فقط. فكيف يرد وزير الاقتصاد على هذه المخاوف؟
يُشدّد بطيش في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أنّ مديرية حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد على أهبة الاستعداد لمحاربة أي احتكار محتمل حصوله في السوق اللبناني. يلفت بطيش الى أنّ الاجراء الذي اتخذ بفرض ضريبة 2 بالمئة على الاستيراد هو اجراء مؤقّت حتى نهاية العام 2022، هدفه الأساس حماية المالية العامة وتخفيض العجز فضلاً عن تحفيز الانتاج المحلي. وفق حساباته، فإنّ لبنان يستهلك 105 بالمئة من ناتجه المحلي. يقول الوزير ذلك ليشير الى أنّ التدبير المذكور لن يؤثّر على الانتاج المحلي، بل على العكس سيعمل على زيادته وتحسين أوضاعه وسيكون له انعكاسات مهمة لناحية إيجاد فرص عمل والحد من الهجرة. فلسفة بطيش تقوم على زيادة حجم الانتاج وتوسيع الاقتصاد اللبناني بعد أن استُنزف نتيجة الحاجة الملحة الى العملات الأجنبية الصعبة بسبب العجز الكبير في الميزان التجاري والذي بلغ 17 مليار دولار. هنا بيت القصيد -وفق بطيش- فبقدر ما نُخفّض الاستيراد بقدر ما تقل حاجتنا للعملات الصعبة ونُعزّز انتاجنا.
يُطمئن وزير الاقتصاد اللبنانيين إلى أنّ الضريبة على الاستيراد لن تُترجم كضريبة على الاستهلاك كما يُشاع. لدينا منتجات لبنانية كثيرة لن تتأثر، وإذا ما كان هناك من تأثير فسيكون زهيداً، ولن يمس الطبقات الفقيرة ومحدودة الدخل التي تعتمد في جزء كبير من استهلاكها على ما ينتجه لبنان. وهنا يُشدّد المتحدّث على أن الأمن الغذائي فوق كل اعتبار ومديرية حماية المستهلك ستتحرّك بشكل دائم في كافة الأبواب الواقعة ضمن مهامها. ويختم بطيش: علينا أن نتشارك جميعاً في المسؤوليات لإنقاذ الاقتصاد وإزالة العبء عن الطبقات الفقيرة.
يشوعي: لإلغاء الحصرية الداخلية
الخبير الاقتصادي إيلي يشوعي يُقارب مسألة ضبط الأسعار وضمان عدم الاحتكار بالتشديد على ضرورة تشريع أبواب المنافسة في السوق اللبناني. هذا الأمر يتم -برأي يشوعي- عبر إلغاء "الحصرية" الداخلية في التمثيل أولاً وإقرار قانون المنافسة ثانياً. إلغاء "الحصرية" الداخلية في التمثيل التجاري ضروري -بالنسبة ليشوعي في بلد يقوم على الاقتصاد الحر، أي في بلد يجب أن تُشكّل المنافسة الداعم الأساسي له. وفي هذا الصدد، يؤكّد يشوعي أنّ فتح المجال أمام المنافسة سيؤدي حكماً الى خفض هامش الربح وبالتالي خفض الأسعار، ما يُبعد المواطنين عن شر الاحتكار ونيران الأسعار.