خاص العهد
الضفة والقدس.. كابوس الاحتلال الأكبر
مصطفى عواضة
عمدت حكومة الاحتلال الصهيوني إلى اتخاذ إجراءات أمنية تحسبًا لأي تطورات وسط تحذيرات من انفجار متوقع في الضفة الغربية و القدس المحتلتين بسبب العدوان المستمر على قطاع غزة، حيث نشر الاحتلال 23 كتيبة في أنحاء الضفة الغربية والقدس وأقام نحو 750 حاجزًا أمنيًا.
وبحسب وسائل إعلام العدو فإن إجمالي عدد الجنود الذين سيعملون في مختلف أنحاء الضفة في رمضان سيزيد عن 15 ألفًا تحسبًا لتحديات أمنية كبيرة من قبل المقاومة خلال شهر رمضان في الضفة الغربية والقدس، خاصة مع استمرار الحرب على غزة والتوتر المتوقع في القدس المحتلة.
الخبير في الشؤون الصهيونية إسماعيل مسلماني رأى في حديث لموقع العهد الإخباري أن حكومة العدو لا تكفُّ عن السعي إلى توتير الأوضاع في القدس والضفة الغربية خلال شهر رمضان، ساعية لردع المقدسيين وفلسطينيي الضفة والداخل من أي تحركات فدائية أو رافضة لما يجري في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان تحت طائلة الاتهام بدعم المقاومة الفلسطينية في غزة.
وأضاف: "لم تؤثر تدبيرات الاحتلال التعسفيَّة على استعدادات الفلسطينيين للشهر الفضيل، ولا يبدو في الأفق أن هذه التهديدات نجحت في ردع أو إرهاب الفلسطينيين في الضفة والداخل، ببساطة لأن الاحتقان الشعبي بلغ أقصاه في هذه المرحلة، ولأن العدو يغذي هذا الاحتقان منذ أكثر من خمسة أشهر في حربه على غزة، فليس من المنطق أن تتوقع أن يؤدي هذا الضغط الشديد إلى لا شيء".
واعتبر مسلماني أنَّ التخوفات والتوقعات الصهيونية بدأت تؤثر على الكيان نفسه، بعد أن برزت في الأسابيع الماضية الخلافات داخل حكومة الاحتلال بشكل غير مسبوق حول كيفية التعامل مع شهر رمضان، خصوصًا في المكان الأكثر حساسيةً، وهو المسجد الأقصى.
ولفت إلى أنَّه في الوقت الذي يدفع فيه وزير "الأمن القومي" المتطرف، إيتمار بن غفير، المسؤول عن الشرطة الإسرائيلية التي تسيطر على مداخل وبوابات المسجد الأقصى، باتجاه التشدد في منع الفلسطينيين من الوصول إلى الأقصى خلال شهر رمضان ضمن سياسة "صفر فلسطينيين"، فإن أجهزة الاستخبارات الداخلية، ومعها الجيش العامل في الضفة الغربية، يضغطان باتجاه تخفيف القيود خلال شهر رمضان، مركزَّين على مسألة "تخفيف" وليس "إلغاء" القيود لأنها مسألةٌ لا نقاش فيها لدى جميع الدوائر الإسرائيلية.
وأشار مسلماني في حديثه لـ"العهد" إلى أنَّ هذا الأمر لا يعجب تيار الصهيونية الدينية المتطرف بقيادة بن غفير وسموتريتش اللذين أعلنا معارضتهما هذه التوجهات، خصوصًاً بعد قرار حكومة نتنياهو استبعاد بن غفير من اجتماعات وقرارت الحكومة في ما يتعلق بشهر رمضان، رغم أنَّه المسؤول عن شرطة الاحتلال المعنيَّة مباشرةً بما يجري في الأقصى، وهذا أمر غير مسبوق في التاريخ الإسرائيلي، ولعل هذا ما جعل وزير التراث المتطرف عميخاي إلياهو يصف ما يجري بـ"إعلان هزيمةٍ لإسرائيل" أمام الفلسطينيين.
ويبدو أن نتنياهو بحسب الخبير بالشؤون الصهيونية يحاول التلاعب بالفريقين السياسيين الصهيونيين والفلسطينيين على حد سواء من خلال اللعب بالألفاظ، ففي الوقت الذي أعلن فيه تقييد حركة الفلسطينيين باتجاه "الأقصى" في رمضان، فإنه أعلن أن لا قيود على سكان القدس والداخل الفلسطيني في الوصول إلى المسجد الأقصى في رمضان، بما يوحي بأنه شيء من التراجع
ولفت إلى أن "إسرائيل" لا تعتبر أن سكان القدس والداخل فلسطينيين، بل تعتبر أن سكان القدس مواطنين "أردنيين" أجانب، وأن فلسطينيي الداخل هم مواطنون "إسرائيليون" عرب، أما عندما يتكلم هؤلاء الساسة عن "الفلسطينيين" فإنهم يقصرونهم على أهل الضفة الغربية وقطاع غزة لا غير، ما يعني أن نتنياهو يريد أن يلعب على وترين في الوقت نفسه:
الأول- تقييد حركة سكان الضفة الغربية، والسماح لسكان القدس والداخل بالوصول إلى المسجد لتفريغ الغضب تدريجيًّا، وصولاً إلى زرع إسفين بينهم وبين سكان الضفة الغربية.
والثاني- ربط هذا التلاعب بالوضع الأمني والتقييمات الأمنية المستمرة، محاولًا التلويح بالعصا والجزَرة للفلسطينيين في القدس والداخل والضفة كذلك، لأنه لا يستطيع المناورة اليوم إلا ضمن نطاقٍ محدود فهو لا يزال يعتمد على قاعدته اليمينية التي يتحكم بها بن غفير، لكنه يعلم أن انفجار القدس، ومن ثم الضفة الغربية، سيشكِّل بالنسبة له كابوسًا أكبر من الحرب على غزة.
وتابع القول، لن يستطيع نتنياهو توجيه جيشه وقوته بالكامل إلى غزة، مما سيسهم في تخفيف الضغط على المقاومة الفلسطينية بشكل ملحوظ، وهذا الأمر بالنسبة لنتنياهو هو الفشل والسقوط ذاته، إذًا فهو في الحالتين سيسقط، وما يفعله لا يتجاوز محاولة شراء الوقت لعله يتجاوز شهر رمضان بأقل الأضرار، ما يظهر أن الكرة الآن في ملعب الشعب الفلسطيني في القدس والضفة والداخل خلال شهر رمضان المبارك، فإن حصل ما يخشاه العدو من اضطرابات حقيقية في المسجد الأقصى، فإن الثمن سيكون نتنياهو نفسه.
وبين مسلماني في ختام حديثه لـ "العهد" أنَّه على الرغم من أن تيار الصهيونية الدينية يريد الوصول بالفعل إلى حافة الحرب ضمن رؤيته الدينية الخَاصة، لكنه في الوقت نفسه يدرك أن سقوط نتنياهو يعني سقوطه هو من الحكم بلا رجعة في الوقت المنظور، في مقابل ذلك يحاول التخلص من هذه الأزمة بتوسيع رقعة الصراع دون إسقاط نتنياهو، بما قد يعني اضطراره إلى الاصطدام بالتيار اليساري المعارض له أولاً ليضمن بقاءه في الحكم، الأمر الذي يمثل مشنقة سياسية له ولحكومته.