معركة أولي البأس

خاص العهد

التفرغ في الجامعة اللبنانية أسير زواريب السياسة 
06/03/2024

التفرغ في الجامعة اللبنانية أسير زواريب السياسة 

حسن شريم

كغيره من الملفات، لا يزال ملف التفرغ لأساتذة الجامعة اللبنانية أسير زواريب السياسة الضيّقة. عالقٌ، تتقاذفه أروقة الوزارات المعنية، بين مراوغة وتسويف، وتجاوز للدستور والقوانين، تحت ذرائع ما يُعرف بالتوزيع الطائفي. وعليه، بات التفرغ لأستاذ جامعي ــ بهذه العقلية الطائفية ــ أمرًا في غاية الصعوبة في بلد يُكرّس العُرف على حساب الدستور والقوانين، ليمنح الحقوق لمن لا يستحق على حساب من يستحق، ما يعني حُكمًا "اللا عدالة" لمئات الأساتذة الذين يتمتعون بالأهلية والكفاءة اللتين تخولّهما اللحاق بقطار التفرغ. 

الواقع المذكور كان دافعًا لتنفيذ عدد من الأساتذة المتعاقدين، في الجامعة اللبنانية، وقفة أمام وزارة التربية أمس الثلاثاء، للمطالبة بحقّهم في التفرغ بعد 10 سنوات من الانتظار، وقفة أعلنوا فيها الإضراب عن التعليم، طوال هذا الأسبوع، الأمر الذي طالما انعكس سلبًا على مصلحة الطلاب ومستقبلهم.

حمادة: من المعيب مقاربة الملف الجامعي بخلفية طائفية

وللوقوف على تفاصيل هذا الملف كان لموقع "العهد" الإخباري حديث مع النائب إيهاب حمادة، الذي يعتبر أنّ ملف تفرغ الأساتذة في الجامعة اللبنانية، والبالغ عددهم نحو 1610، يخضع للدستور والقوانين المرعية الإجراء بحيث لم ينصّا على ما يسمّى بـ"المناصفة"، إنّما ذُكر في النصوص القانونية أنّ رئيس الجامعة هو فئة أولى فقط، وبالتالي لا يوجد أي شرط متعلّق بالتوازن الطائفي قانونًا.

ويلفت حمادة إلى أنّه من المعيب مقاربة الملف الجامعي من خلفية طائفية، خاصة وأنّ القطاع التعليمي والتربوي مرتبط بمستقبل الطلاب، ويُعتبر من أسمى الملفات الإنسانية والأخلاقية، وكل من يقارب الموضوع بهذا المنظار يمسّ بمستقبل الجامعة والطلاب والأساتذة، خاصة ممن لديهم الأقدمية والخبرة.

يضيف حمادة: "من هنا، كان لدينا شرطان أساسيان بهذا الملف، أولًا، شرط النصاب الكامل وهو ما يوضح الحاجة الفعلية للأستاذ (والنصاب هو 200 ساعة) وهذا يؤكد حاجة الجامعة له، والشرط الثاني هو الأقدمية، الأمر الذي يُنصف الأساتذة في الجامعة اللبنانية وليس كلية على حساب كلية أخرى، وهذا ما طالبنا به وهو الأمر القانوني والمنطقي".

حمادة يدعو إلى إنصاف كل المستحقين بعيدًا عن أي أمر آخر، ويضيف "ننسق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير التربية عباس الحلبي بهذا الملف ونعمل جهدنا للوصول إلى خواتيم ترضي الجميع".

عثمان: للتعامل مع الأمر بشفافية

عضو لجنة الأساتذة المتعاقدين الدكتور فريد عثمان يرى أنّ ملف التفرغ للأساتذة المتعاقدين، الذين يقارب عددهم الـ 70% من عدد الأساتذة، لم يُبت به حتى اليوم، والسبب أنّه يشوبه بعض المفاهيم والمعايير غير المفهومة والمغايرة للبعض، وهذا أساس الاعتراض عليه من قبل البعض. ومن جملة المعاييرالأقدمية والنصاب. ولكن موضوع الحاجة (أي حاجة الجامعة للأساتذة المتعاقدين فيها) بحسب عثمان كان السبب في إقصاء عدد كبير من الأساتذة ذوي الأقدمية في التفرغ وممن يملكون عددًا كبيرًا من الساعات.

ويتابع عثمان أنّه "مع مراعاة حاجات كل كلية، لكن أن يحصل هذا الأمر بطريقة أكثر شفافية ومن دون ظلم ومع الأخذ بعين الاعتبار وقوف الأساتذة إلى جانب الجامعة مع وقبل الأزمة التي عصفت بالبلاد وكانت أوضاع الأساتذة حينها حالكة".

السبب الرئيسي عدم وجود مجلس للجامعة

وبحسب عثمان، فإنّ عدم وجود مجلس للجامعة هو السبب الأساسي لمشكلة التفرغ، فبعد سحب صلاحيتها بموجب قرار مجلس وزراي عام 1997 لم يعد بإمكان الجامعة أن تحدّد حاجتها، وإلا لكان بإمكان كل كلية أن تحدّد حاجاتها الفعلية وتعمل على تفريغ الأساتذة سنويًا، بحسب ما تراه ضروريًا ومناسبًا. بالنسبة لعثمان، كل ما نراه اليوم من مشاكل تعتري وتشوب هذا الملف مردّه لعدم وجود مجلس جامعة وعدم تمتع الجامعة بأي من الصلاحيات بهذا الشأن، وبعد أن سُحبت منها وأصبحت من صلاحيات مجلس الوزراء القائم على الأحزاب والسياسة فمن الطبيعي أن يخضع هذا الملف للتجاذبات غير العادية بهذا الخصوص.

المتظاهرون

وأشار عثمان إلى أنّ الأساتذة يتظاهرون في الشارع للمطالبة بحقوقهم منذ العام 2014، وهناك من هو متعاقد منذ أكثر من 20 عامًا. ولفت إلى أن معظم الأساتذة المتعاقدين لم يتقاضوا رواتبهم للعام الدراسي 2021 - 2022 والتي بلغ الحد الأقصى فيها 1$ للساعة على سعر 1500 ليرة، ويضيف "معظمنا لم يتقاضَ رواتبه حتى اليوم، كذلك هي الحال للعام الدراسي 2022 - 2023 حيث قرّر مجلس الوزراء أن نتقاضى رواتبنا شهريًا، بدءًا من 200، 250، 300 ألف ليرة، مع بدل نقل ومع الانتساب إلى الضمان الاجتماعي لحين التفرّغ، إلا أنّ هذا الأمر لم يُطبق ولم نتقاضَ أية رواتب أيضًا، وعن هذا العام 2023 - 2024 لم نعلم حتى اليوم قيمة الساعة الفعلية ولم نحصل على بدل إنتاجية لأنهم اعتبروها غير قانونية".

شمس الدين: الكفاءة معيار أساسي للتفرّغ

الدكتورة في علم الاجتماع ليلى شمس الدين ــ وهي أستاذة متعاقدة في الجامعة اللبنانية ــ تعتبر أنّ هناك غبنًا لحق بالأساتذة المتعاقدين في الجامعة الوطنية منذ العام 2014 بحيث إنّه كان من المفترض أن يتفرغوا، لكنهم استثنوا لاعتبارات بعيدة عن الكفاءة، فملف التفرغ يخضع للمحاصصات التي يصفونها حسب النظام اللبناني بمقولة "6 و6 مكرر".

وبحسب شمس الدين، لا بدّ أن تؤخذ الأقدمية والنصاب بعين الاعتبار، لكنّ الكفاءة أيضًا مهمة ويجب أن نوليها اهتمامًا بهذا الخصوص، لا سيما أنّه ليس هناك من تقييمات أو رسائل سنوية توجه لوزارة التربية عن الأساتذة في الجامعة اللبنانية، تُظهر الكفاءة والمؤهلات، فعندما فُتح الحديث في هذا الملف أصبحوا يريدون تطبيق معيار التوازن الطائفي بعد أن حدّدوا نسبة وتَناسُب كل طائفة ومذهب بغض النظر عن الكفاءة.

وهنا تسأل شمس الدين: "أنا كأستاذة في الجامعة اللبنانية أتوجه بالسؤال إلى الجامعة لماذا تضعين في كوادرك التعليمية أساتذة ليسوا أكْفاء؟ فهل أقبل بهم قبل التفرغ وعند التفرغ أعتبرهم غير أكفاء؟ وإذا لم يكونوا أكفاء فلماذا أُدخلوا إلى الهيئة التعليمية في الجامعة اللبنانية؟". 

سؤال آخر تتوجّه به شمس الدين: "هل ذنبنا كأكبر نسبة من حملة الدكتوراه أننا شيعة في هذا الوطن؟". وتضيف: "أنا اليوم أطالب وأتكلم عن معيار عادل إذ من أجل "التوازن" استُبعد عدد كبير من القدامى والكفوئين بسبب ديانتهم". وهنا تستغرب شمس الدين أن يُعمل على إقرار ملف غير عادل يأخذ بعين الاعتبار المحاصصة الطائفية والمذهبية والزبائنية السياسية. برأيها، كيف يتفرغ أساتذة على هذا الأساس ليعلّموا الطلاب الوطنية في الجامعة اللبنانية؟ ومن أجل هذا الأمر، اعتبرت شمس الدين أنها غير معنية بالإضراب طالما يؤخذ هذا الملف على أساس مذهبي وعلى أساس المحاصصة.

وكشفت شمس الدين أنّ هناك أعدادًا من الدكاترة في عدد من الكليات اللبنانية كانوا يسافرون ولا يداومون إلا بمعدل 5 إلى 7 أيام في الشهر، وكانت تسجل لهم كامل ساعات الحضور من قبل الإدارة، وهؤلاء مرشحون اليوم للتفرغ. فهل يُعقل هذا الأمر؟

الجامعة اللبنانيةوزارة التربية والتعليم العالي في لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة