خاص العهد
الكمأة.. النعمة التي تحولت إلى نقمة
دمشق - علي حسن
مع نهاية الشتاء من كلّ عام تتحول رحلة البحث عن الكمأة في البادية السورية إلى حمام دم يكون ضحيتها سكان البادية والمناطق المجاورة لها والذين ضاقت بهم سبل العيش فقرروا البحث عن الكمأة في الأماكن التي يتسلل إليها تنظيم داعش الإرهابي الذي جعل من المواطنين الأبرياء هدفًا رئيسيًّا لعملياته.
مئات الأبرياء ضحايا جمع الكمأة في كلّ عام
وحول جمع الكمأة والأعداد الكبيرة من الضحايا الذين يسقطون نتيجة ذلك قال المحلل السياسي خالد عامر لموقع "العهد" الإخباري إن موسم جني الكمأة بات مرتبطًا في كلّ عام بالمجازر الدموية الرهيبة التي يرتكبها إرهابيو داعش بحق المواطنين الذين يبحثون عن مصدر رزق في ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد. وبالرغم من أن موسم الكمأة قد بدأ منذ فترة وجيزة إلا أن البادية السورية شهدت عدة مجازر بحق جامعي الكمأة ومنها مجزرتان خلال أقل من يومين الأولى ذهب ضحيتها خمسة شبان في ريف تدمر برصاص داعش أثناء جمعهم للكمأة فيما تمكّن شاب صغير من النجاة ليخبر ذوي الضحايا بمكان سقوطهم، والثانية تفجير لغم بحافلة كانت تقل عددًا كبيرًا من المواطنين أثناء بحثهم عن الكمأة مما أسفر عن سقوط ٢٣ شهيدًا من بينهم ٦ نساء جنوب بلدة الرصافة الأثرية التابعة لمحافظة الرقة، جميعهم من أبناء قبيلة البوخميس
وتوقع عامر أن لا يختلف سيناريو هذا العام عن الأعوام السابقة من حيث عدد الضحايا لأن أسباب استمرار هذا التهديد لم تتغير، فتنظيم داعش الإرهابي يستغل المساحات الشاسعة للبادية السورية والحماية الأميركية له انطلاقًا من منطقة التنف ويستمر بشن هجماته على كلّ ما هو حيّ في البادية السورية في حين أن ظروف الحياة القاسية لن تثني الناس عن المغامرة من أجل الحصول على الكمأة مهما كانت الخطورة كبيرة، وهذا ما أدى إلى سقوط مئات الضحايا كلّ عام وبمجازر مروعة كما حصل في الـ١٧ من شباط من العام الماضي عندما استشهد نحو سبعين مدنيًّا بنيران داعش جنوب مدينة السخنة التابعة لمحافظة حمص.
مخلفات الحرب سبب إضافي لارتفاع عدد الضحايا
وعن الألغام ومخلفات الحرب أكد عامر أن ضحايا جمع الكمأة لا يسقطون كلهم بالنيران المباشرة لداعش وإنما يسقط عدد كبير منهم بالألغام التي زرعوها سابقًا أو الذخائر التي لم تنفجر وهي منتشرة بكثافة في البادية السورية نتيجة حدة المعارك التي شهدتها من جهة واتساعها وعدم حلول الأمن فيها مما يجعل من المتعذر القيام بحملة واسعه لإزالة الألغام والأجسام التي لم تنفجر والحل الوحيد لهذه المأساة المتواصلة هو تطهير المنطقة من الفصيل الإرهابي والشروع بتنظيفها من مخلفات الحرب.
هل تستحق الكمأة كلّ هذه التضحيات؟
وعن أهمية الكمأة وقيمتها الغذائية والاقتصادية أكد الخبير الزراعي محمد الخليل أن الكمأة أو ما تسمى بالفقع هي ثمرة غنية جدًّا بقيمتها الغذائية، وبالإضافة إلى مذاقها الطيب فإنها غالية الثمن ويتراوح سعر الكيلوغرام الواحد ما بين خمسة وخمسة وعشرين دولارًا حسب نوعها وجودتها، كما أنها نادرة ولا تزرع فليس لها جذر أو بذور بل إنها تنمو نتيجة الرعد والبرق. وقد خص الله البادية السورية بهذه الثمرة الغالية وهي تلعب دورًا مهمًّا في تنشيط عجلة الاقتصاد السوري. وقد قدرت قيمة الانتاج السوري من هذه الثمرة في بعض السنوات بنحو نصف مليار دولار وهو مبلغ مهول بالنسبة لاقتصاد يعاني من مشاكل كبيرة كالاقتصاد السوري، لذلك رأى الخبير الزراعي أن هجمات داعش وتعمدها قتل أكبر عدد من العاملين في مجال جمع الكمأة ليست مجرد إشباع لشهوة القتل المجبولين عليها وإنما تعكس أيضًا تنفيذًا لأجندة خارجية وضعت نصب عينيها تدمير سورية وخنق اقتصادها منذ زمن بعيد.