معركة أولي البأس

خاص العهد

هل في لبنان مُجتمع حرب؟
10/01/2024

هل في لبنان مُجتمع حرب؟

لطيفة الحسيني

شهرٌ رابع من المواجهة وقتال العدوّ في الجبهة اللبنانية الجنوبية. كما في عدوان تموز 2006، وكلّ المعارك التي خاضتها المقاومة منذ ولادتها في الثمانينيات والتسعينيات، لم يظهر لبنان كبلدٍ موحّد يصدّ الاجتياح والاعتداءات. كان على المقاومة أن تُكمل الطريق مهما علا الصخب، فالدفاع عن الوطن وتحرير أرضه أوْلى.

الوضع الراهن اليوم يقود إلى سؤال: هل نعيش في مجتمع حرب حقيقي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أم أننا أمام جماعات مُتناقضة من الشعب؟ أستاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية د. غسان طه يشرح لموقع "العهد" الإخباري صِفات مجتمع الحرب التي يجزم بأنها غائبة في لبنان، فيقول "المجتمع الذي يتجهّز عسكريًا هو مجتمع الحرب فيشمل كلّ المكوّنات والفئات السياسية والاقتصادية والثقافية والتربوية، ويستعدّ لمواجهة العدوّ عبر استنفار كلّ طاقاته على الأقلّ ثقافيًّا حتّى ينظّم مسألة كيف يبدو أبناؤه مُجهّزين مقابل الخصم".

بحسب الدكتور طه، في المجتمع اللبناني البعض يعتبر "إسرائيل" عدوًّا، والدستور كذلك، لكن هناك من يدعو إلى الحياد ويسأل دائمًا عن جدوى الدفاع والقتال في ظلّ وجود قوانين دولية وأمم متحدة. وعليه، الانقسام في التوجّه الثقافي موجود في المجتمع اللبناني، فيما ينبغي أن يكون هناك أفقٌ نظريّ موحّد لدى كلّ اللبنانيين، وهو ما يجب أن تضطلع به المؤسسات الإعلامية والتربوية على صعيد التنشئة الوطنية للعمل على حثّ الطلاب على التعلّق بأرضهم، غير أنها لا تُحاكي الحالة الموجودة اليوم وما يتعرّض له لبنان من اعتداءات إسرائيلية.

ولأنّ الثقافة مُختلفة في المجتمع اللبناني، يقسّم الدكتور طه ما يجب أن يُتّخذ حتّى نضمن وجود مجتمع حرب فعليّ على ثلاثة مُستويات:

اقتصاديًا: يجب أن تتجنّد كلّ الطاقات في الحرب في خدمة الوطن، ويوظّف الاقتصاد للنازحين عبر إيجاد مراكز إيواء وتأمين المدارس والتعويض على الناس، وبهذه الطريقة تتهيّأ الدولة للحرب فعليًّا.

سياسيًا: يجب أن تكون موحّدة وليست مُتباينة كما هو الواقع اليوم إزاء ما يحصل في الجنوب، وأن يكون الثناء على الشهداء غالبًا وكذلك لغة الدفاع وتعزيز مفهوم المقاومة هي السائدة.

إعلاميًا: أن يكون الخطاب واحدًا تجاه العداء لـ"اسرائيل" وداعمًا لجبهة القتال.

وإذ يتوقّف الدكتور طه عند رسالة إحدى الإعلاميات في صحيفة "نداء الوطن" مؤخرًا لمدير فرع في الجامعة اللبنانية على خلفية إعطاء شهادة الإجازة الفخرية لأحد الطلاب الذي استشهدوا دفاعًا عن الوطن سائلةً لماذا يُمنح وحده هذه الشهادة وهل باتت الجامعة تشجّع على الموت"، يُشدّد على أهمية أن تتجنّد كلّ الفئات الاجتماعية بمُختلف مستوياتها في خدمة القضية، على غرار الاستعداد الواضح لدى الكيان الصهيوني لمجتمع الحرب لديه على صعيد البنى التحتية والاحتياط المدرّب والاقتصاد والطاقات كافّة.

الدكتور طه يذكّر بأن فكرة "مجتمع الحرب" أُطلقت منذ السبعينيات عندما دعا الإمام المغيّب السيد موسى الصدر إلى تكوين مجتمع حرب في لبنان حتّى لا يبقى جنوبه متألّمًا وحده، إلّا أنه يضرب أمثلة عن محطّات عرفها لبنان بيّنت التناقض بين فئاته أثناء ظروف وطنية صعبة كحرب الأيام السبعة عام 1993 (تصفية الحساب) وعدوان نيسان عام 1996 (عناقيد الغضب) وحتّى حرب تموز 2006، وفي كلّ هذه المواجهة كان هناك من يُدير ظهره لما يجري وتقوم به "إسرائيل" ما يؤكد أننا لسنا مجتمع حرب.
 
برأي الدكتور طه، بيئة المقاومة اليوم مُجهّزة ثقافيًا، وقد اختُبرت لنحو 40 عامًا فظلّت تقدّم الشهداء وتُسخّر منازلها وتقول نحن على الدرب وفي هذا الخيار، وأحسَنَت في إظهار الصبر والتحلّي به والشدّ على أيدي المقاومين وتأييدهم، فأضحت متماسكةً وحافظةً للمقاومة جيلًا بعد جيل.

لأجل ذلك، ينصح الدكتور طه بتوخّي الحذر ومداراة الأوضاع الحسّاسة اليوم على صعيد تناقل المعلومات بالعمل على رفع منسوب الوعي السياسي لدى فئات الشعب ولا سيّما على مواقع التواصل الاجتماعي.

إقرأ المزيد في: خاص العهد