خاص العهد
الشيخ علي سلمان والعدالة المُغيّبة: حُكم الجائر الخاسر
لطيفة الحسيني
3285 يومًا من عُمر الأمين العام لجمعية "الوفاق" في البحرين الشيخ علي سلمان مرّ في السجن. باحتسابِ هذه الأيّام، يكون شيخ المُعارضة قد قضى تسعَ سنوات مُعتقلًا سياسيًّا في أكثر الملفّات القضائية افتقارًا للأدلّة، وأوضحها تلفيقًا وبَغيًا. المصالحة مع قطر تمّت، الأزمة الخليجية حُلّت، لكنّ نظام الحُكم في المنامة يُصرّ على إبقاء صوت الإصلاح الأقوى في البلد قيْد الاحتجاز.
تُشير مسيرة الرجل الخمسينيّ الى أن الصبر على الاستبداد والتفرّد والطغيان مَعدِنُه، يقوى به، ويمنح من خلاله مؤيّديه ومُناصريه وعائلته الصُغرى والكُبرى شحناتٍ من العزيمة والتصميم على النضال بلا هوادة. صحيحٌ أن الظروف باتت أقسى، وعِناد الملك أغلظ، لكنّ العارفين يتلمّسون منه دومًا أملًا في قُرب الفرج الآن أو بعد حين.
في أحد خطاباته، يقول الشيخ علي سلمان "سيأتي يوم وتُشرق العدالة في البحرين، وسيتمتّع أبناء الشعب بالكرامة والحريّات الإنسانية وسيُديرون بلدهم، ولا بدّ أن نصل الى قهر فكرة العبودية والاستغلال والاستئثار، والى نظام إنساني يتساوى به الجميع ويقوم على أساس العقل والمحاسبة بدلًا من النظام العبثي السائد". كلامٌ ما يزال يصلح اليوم في البحرين على الرغم من مرور أعوامٍ عدّة عليه، ليس لأنه شعار وكفى، بل لأن الواقع المتردّي سياسيًا واقتصاديًا وحقوقيًا واجتماعيًا يفرض الركون الى هذا المنطق.
الإصلاح المُغيّب
مشهد البحرين الداخلي في ظلّ سجن الشيخ سلمان المستمرّ اليوم يبدو مُعقّدًا. تغيب خطط الإصلاح تمامًا، ويحضر العزل السياسي والاستفراد بقرارات الدولة من ألفها الى يائها. كلّ شيء اليوم بيد الملك، من أصغر إجراء الى أعظمه. أخذ البلد الى التطبيع قرار الملك. نسف الحياة السياسية واقتصارها على الأحزاب الموالية أو المرضيّ عنها قرار الملك. الضريبة المُتصاعدة والعطايا المتواضعة جدًا التي تقدّم بين فترة وأخرى الى الشعب قرار الملك. التضييق المعيشي أيضًا يعود له، والتحكّم بهيكليات المؤسسّات الدينية المختلفة يرجع له. التجنيس، الانتخابات، مجلس النواب، الحكومة، الرياضة، النوادي، كلّ شيء بيد الملك. ماذا بقي للشعب؟ العثور على شيء واحد لا يُسيطر عليه الملك مستحيلٌ.
ثمّة من يرى أن إبقاء الشيخ علي سلمان في السجن الى اليوم يخدم مشروع الملك لناحية السيْر قُدمًا في خيار التطبيع مع الصهاينة، وكذلك بالنسبة الى الملفّات الإقليمية الأخرى وأحدثها الانضمام الى تحالف حماية السفن الاسرائيلية في البحر الأحمر بدفعٍ سعودي إماراتي. لو كان أمين "الوفاق" حرًّا سيفعل ما يقدر عليه لعرقلة هذه المخطّطات، وحركة الشارع تشهد.
الشيخ المحُصّن بالعزيمة
على ضفّة الشيخ الكثير من السكينة رغم حجم الجوْر المتفاقم. يُدرك من داخل زنزاناته أن البحرين وقطر تصالحتا وتصافحتا، وأن ملفّه المُفبرك (قضية التخابر مع الدوحة والتحضير لانقلاب مزمع) لم يتحرّك، لكنّه لا يكترث، ولا يترك للإحباط مكانًا يتسرّب إليه.
الحديث مع زوجته، السيدة علياء رضي، يقود الى نتيجة بارزة: الشيخ مُحصّنٌ بالصمود واليقين الذي يبثّه في نفوس الأحبّاء والأصدقاء والعائلة.
تنقل السيدة علياء عبر "العهد" حرص الشيخ سلمان على ضرورة الحوار والإصلاح في كلّ أحاديثه طيلة فترة سجنه، وتشديده على أهمية أن "يكون التعايش والسلام مع الشعب أوّلًا وليس فقط مع الديانات الأخرى"، وهو يرى أن كلّ بَذله لا يُساوي ذرّةً أمام تضحيات هذا الشعب، على اعتبار أن الشرف الأسمى هو التضحية من أجلهم والمطالبة بحقوقهم، ولو كلّفه ذلك ثمنًا باهظًا من البُعد عن أطفاله وعائلته.
تستعيد السيدة علياء لحظة إبلاغ الشيخ علي إحضارية السجن الطويل. يومها، أي في 27/12/2014، وبعد ساعات من احتفاله بميلاد ابنته نبأ سمع اصوات طرقات الشرطة لباب المنزل وتسلّم الورقة ثمّ قرّر في اليوم التالي 28/12/20214، أن يسير بالآلية القانونية المُتّبعة مُتوقّعًا السيناريو السيّئ، فذهب الى إدارة المباحث العامة بعد تحقيق دام ساعات ومن هناك اعتُقل.
النظام الخاسر
بعد هذا الوقت والمعاناة والوجع، بعد أن أصبح الشيخ علي جَدًّا للمرة الأولى وهو وراء القضبان، بعد أن كَبُر وكبر أولاده، وتراكمت ملفّات الأزمة الداخلية، تعتبر السيدة علياء أن الخاسر الأكبر في كلّ هذه الدوّامة هو النظام البحريني، فهو باعتقال الشيخ قد خسر ثقة شعبه والمعارضة، وبات محلّ انتقاد حتى من حلفائه لما هو معروف للجميع من اعتدال الشيخ وسلميّته وحبّه لوطنه وخوفه على مصلحته حتى من حلفاء النظام وصولًا الى أعدائه.
برأي السيدة علياء، خسر النظام كثيرًا بسجن الشيخ علي، لم يتمكّن من إيقاف الحِراك بقمعه واعتقاله أصحاب الرأي وكلمة الحق، ولم يستطع كسب استقرار البلاد وثقة الشعب.
تؤمن السيدة علياء بأن الحقّ لن يضيع، كما كان يُردّد الشيخ علي، وأصحاب الحقّ لن يسكتوا عن الظلم مهما فعل النظام وسجن ونفى، وسيولد ألف حرّ وستستمر المسيرة حتى النصر.
صورة البحرين اليوم ليست ضبابية. كلّ شيء مُغلق ومأزوم، لكنّ هذه السوداوية قد تتبخّر في لحظةٍ واحدة، يُبادر فيها الحكم الى مدّ اليد للطرف الآخر في البلد، لطيّ صفحة الـ2011، والإفراج عن الشيخ علي سلمان فورًا بلا مُساومات، وتصفير السجون من المُعتقلين السياسيين على غرار العفو الذي أصدره أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح قبل وفاته، وتطبيق المُصالحة الوطنية فعلًا لا قولًا، كما وعد الملك حين تسلّم العرش، لتستعيد المملكة الخليجية عافيتها السياسية والاجتماعية.
جمعية الوفاق البحرينيةالشيخ علي سلمان