خاص العهد
نكبة لغة الضادّ.. عقوق أبنائها تُضاعفها
لطيفة الحسيني
هل هي غيمةٌ سوداء ستمرّ عاجلًا أم آجلًا أو هي نكبةٌ حلّت واستقرّت في اللغة العربية؟ سؤال يُطرح اليوم حيال تدهور أحوال اللغة تعليميًّا وصحافيًّا وفي كلّ المجالات التي تتحكّم فيها عربيّتنا وتُديرها. أهلُ الاختصاص يُجمعون على أن الوضع كارثي والأزمة تتعمّق أكثر.
لعدم إهانة اللغة
من موقعهِ كرسولٍ للمعرفة العربية ومُؤلّفٍ لـ٦٠٠ مُجلّد لغويّ وعشرات الكتب والمعاجم والقواميس، يأسف البروفيسور إميل يعقوب لما وصل إليه مستوى لغة الضادّ اليوم، ويقول إنها "في أزرى حالاتها نسبةً الى عقوق أبنائها الذين يضعونها في أسفل السافلين"، ويتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن سلسلة عوامل تُساهم في تراجعه وإهانة العربية بحدّ ذاتها كـ"تكريس اللغة الأجنبية في كلّ المعاملات المصرفية والصناعية والإلكترونية والإعلانية".
بحسب البروفيسور يعقوب، طريقة التعليم في المدارس تؤثّر أيضًا، ولا سيّما أن مواد العلوم والرياضيات باتت اليوم تدرّس باللغة الأجنبية، إمّا الانكليزية أو الفرنسية، بدل أن تُشرح وتُعطى بالعربية وابتداءً من الصفّ السادس وليس من الصفّ الرابع كما يحصل راهنًا.
يرى البروفيسور يعقوب أن "المناهج التربوية وطريقة تقسيم الساعات المخصصة للغة العربية مقابل الأجنبية لها دور أيضًا في إضعاف اللغة وزرْع عُقد نقص تجاهها، لا بل جعلها لغة ثانية لا تشكّل أولوية في مدارسنا"، ويُضيف "في مناهجنا نُخصّص للغة العربية ٦ ساعات وبالمقدار نفسه للغة الأجنبية أي ٦ ساعات، بدل أن نخصّص لها ۸ ساعات، كذلك آلية منح العلامات في اللغتيْن العربية والأجنبية تحتاج الى تعديل، فالأستاذ الذي لا يقدّر الطالب عندما يكتب موضوع إنشاء رائعًا ويكتفي بوضع العلامة القصوى له بحدود 20/15 يدفعه الى بغض اللغة ويُفقده الحماسة لبذل المزيد من الجهد من أجل التمكّن منها، فيما ينال في مادة الرياضيات علامة كاملة أي 60/60". وهنا يسأل "ماذا نفعل اليوم كي نُشجّع الطلّاب على حبّ اللغة العربية؟ هل نُقيم لهم مسابقات في الخطابة العربية أو الإملاء أو الشعر أو الأدب؟".
يُبدي البروفيسور يعقوب الكثير من الملاحظات على التعقيدات التي تُربك الطلاب وكلّ من يكتب نصوصًا عربية، كالإملاء والإعراب والهمزات، فيُشير الى أن "هناك مشاكل كثيرة في اللغة العربية يجب أن نعالجها ونتصدّى لها"، ويُتابع "ما يجب أن نركّز عليه هو التفاهم بشكل سليم عبر الجُمل والكتابة، والإملاء يجب أن نُبسّطها وأيضًا النحو ووسائل التعليم حتى لا يبقى هناك نفور من اللغة العربية".
سؤال آخر يوجّهه البروفيسور يعقوب لأهل الاختصاص عبر "العهد": "أين مجامع اللغة العربية لتُعالج مشاكل الإملاء والخلافات العقيمة حول الهمزات وأين نُقعدها؟ ماذا يضير اللغة لو أصدر مجمع اللغة العربية قرارًا بوضع الهمزة على الألف دائمًا وكفى؟ هكذا نُعفي طلّابنا من ساعات طوال يقضونها لحفظ طُرق كتابة الهمزة، وكذلك بالنسبة لطرق كتابة الألف الممدودة والألف المقصورة".
برأي البروفيسور يعقوب، تكريم اللغة في عيدها لا يكون بإقامة مسابقة في الإملاء تُحشر فيها الكلمات الصعبة والخاصّة والمليئة بالهمزات وكأننا نُشير الى عورات اللغة العربية بدل أن نُبيّن حسناتها.
يُشدّد البروفيسور يعقوب على أهمية أن تواكب اللغة العربية العصر وكلّ التحديثات الجارية من حولنا. من هنا، ينصح أهل اللغة ومُجامعها بالمُبادرة الى الاتفاق على وضع مُرادف عربي يوازي معنى الكلمات التي تُبتكر باللغة الأجنبية عند أيّ اكتشاف جديد في العالم إمّا بالاشتقاق وإمّا بالترجمة، لكي لا يُصار الى استخدام المصطلح الأجنبي كما هو.
من البروفيسور يعقوب نصيحة ثانية الى أساتذة الصحافة والإعلام لإبعاد طلّابهم عن العامية، فيلفت الى أن عليهم مخاطبة تلامذتهم باللغة الفُصحى والتدرّب عليها، كي لا يصلوا يومًا الى وقت يعجزون فيه عن صياغة مقالاتهم أو التحدّث بالفصحى. أمّا المذيعون فعليهم أن يعتادوا على التكلّم بالفصحى المُبسّطة، وليس شرطًا أن يُعربوا أواخر الكلمات بل بإمكانهم أن يسكّنوها وهذه تسمّى اللغة الثالثة، أي تلك المُسكّنة في أواخر الكلمات منعًا لوقوع أخطاء في التحريك.
اللغة وعاء إبداع الأمة ومُكوّن لهويّتها
يُشاطر أستاذ الأدب العربي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة اللبنانية الدكتور أحمد نزال البروفيسور يعقوب غيرته على لغة الضادّ، ويُحيل ضعف المستوى اليوم الى "تهميش اللغة العربية في المدارس وخصوصًا في المدارس الخاصة"، ويشدّد على أن "اللغة ليست لغة تواصل وتخاطب فحسب، بل هي مكوِّن من مكوِّنات الهوية، وحافظ لتراث الأمة، ووعاء لإبداعها الحضاري".
يوضح الدكتور نزال لـ"العهد" أن "اللغة الأجنبية هي لغة التعليم في الجامعات، ولا سيّما في الأقسام العلمية والتجريبية، وبعض الأقسام الأخرى"، ويُبيّن أن "لغة التداول اليومية هي التي تسود بين طلّاب الآداب"، مُسجّلًا ضعف المستوى "الذي يرجع إلى طريقة اكتساب اللغة، إذ إنَّ الأجدى أن تُكتسب من طريق المُمارسة التي تجعلها سليقة، لا من خلال القواعد، وهذا يقتضي عددًا من الخطوات التي يجب اتباعها لتحقيق هذا الهدف: تخصيص حصص كافية لتعليم اللغة العربية في المدارس والجامعات، وجعلها مقرَّرًا إلزاميًّا في السنة الجامعية الأولى لكلِّ الاختصاصات، وجعل علامة اللغة العربية علامة لاغية في كلِّ المباريات وفي أيِّ مجالٍ كان".
وفق الدكتور نزال، الترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية هي عامل مهمّ في صون العربية، والدفع إلى إغنائها بمصطلحاتٍ جديدة، خاصةً مصطلحات العلوم الحديثة، شريطة مراعاة الفصاحة وصياغة المصطلحات صياغة عربية ملائمة لقواعد العربية تكون موحَّدة في الترجمات، وهذا يستلزم، بالضرورة، صدورها عن مرجع لغويّ واحد، يتمثَّل بمجمع اللغة العربية، الذي ينبغي أن يكون واحدًا على مستوى الأمة، ليكون المرجع الرسمي الأوحد الذي يعرِّب المصطلحات أو يترجمها في هيئة "قرارات" لغوية تكون مُلزمة لأبناء الأمة وباحثيها ومُترجميها.
الالتزام بقواعد النحو والصرف يقرِّب المسافات بين أبناء العربية من وُجهة نظر الدكتور نزال، وإن اختلفت اللهجات المحلية، غير أنه يقدّر أن "المشكلة تكمن في طريقة تعليم هذه القواعد".
يُحدّد الدكتور نزال سبب خلْط الفصحى بالعامية بالمُفردات الأجنبية لدى كثير من الطلاب وبعض الأساتذة ، إذ يرى أنه يكمن في "عدم امتلاك المهارات اللغوية الكافية التي تُتيح التواصل السليم الفصيح، وهذه مشكلة ينبغي معالجتها من خلال مراكز تدريب إلزامية في كل مرحلة".
أمّا العاملون في مجال الإعلام والصحافة حيث تكثر الأخطاء النحوية والصرفية فتقع عليهم مسؤولية حفظ اللغة الفصحى الصحيحة الخالية من الخطأ، القادرة على إيصال المعلومة بطرق سليمة، بحسب الدكتور نزال.
ويخلص الى "ضرورة اعتماد متخصِّصين لإخراج هذا النوع من الكتابة في صيغة سليمة وفصيحة تتيح التواصل السليم".