خاص العهد
معاقبة "اسرائيل" في المحاكم الدولية: الجهود تؤثّر
لطيفة الحسيني - زينب عبد الله
تتّخذ الخطوات القضائية لمحاكمة الكيان الصهيوني أهمية استثنائية اليوم. صورة العدو تتغيّر لدى الرأي لعام الغربي ولم تعد السردية الصهيونية هي المسيطرة. العدوان المستمرّ على قطاع غزة وحجم الإجرام والوحشية الذي ظهر خلال الشهريْن الماضييْن، دفعا كلّ من يؤمن بحقوق الإنسان الى التحرّك للتضامن ودعم وإسناد الشعب الفلسطيني الذي يُباد بلا توقّف.
المحامي الجنوب أفريقي زياد ابراهيم باتل الذي يتمتّع بحقّ المثول أمام المحكمة العليا في جنوب أفريقيا تحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن أهمية تفعيل مُعاقبة العدو الاسرائيلي في ظلّ كلّ الانحياز الدولي التامّ له ودعمه إعلاميًا وعسكريًا، وعن واقع النضال الحقوقي في المحافل الدولية بوجه الكيان الغاصب.
وفيما يلي نصّ المقابلة:
1- أنتم تنشطون على خطّ حقوق الإنسان في المحاكم، كيف تتحرّكون اليوم من أجل محاكمة "اسرائيل" على جرائمها الوحشية في قطاع غزة بحقّ الأطفال والنساء وكبار السنّ؟
في جنوب أفريقيا، نتّخذ إجراءات مُختلفة لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين على الجرائم التي يرتكبونها وإفلاتهم التامّ من العقاب. منذ عاميْ 2008 و2009، حرب غزة الأولى، والتي سُميّت بعملية "الرصاص المصبوب"، طرحنا موضوع غزة أمام سلطة التحقيق والادعاء في جنوب أفريقيا، وكان ذلك أمام الحكومة "الإسرائيلية" بأكملها في ذلك الوقت ومجلس وزراء الحرب المسؤولين عن جرائم الحرب.
في عام 2010، رفعنا قضايا أخرى بشأن "سفينة مرمرة"، أيْ أسطول الحرية الذي كانت مهمّته إيصال مساعدات الى قطاع غزة، حيث كان مواطنون من جنوب إفريقيا مشاركين في تلك المهمة، ثم تمّ اختطاف السفينة في المياه الدولية من قبل الجيش الاسرائيلي، وتم نقلها إلى ميناء أشدود، فيما قضى 10 مدنيين في تلك الحادثة. حينها استخدمنا القوانين لمحاسبة القادة الإسرائيليين وكان ذلك بالتعاون بين سلطات جنوب أفريقيا والقضية التي كانت تجري في تركيا في ذلك الوقت في المحكمة الجنائية التركية.
نحن نعتمد على القانون المسمّى قانون تنظيم المساعدات العسكرية الأجنبية، وكذلك حماية الديمقراطية الدستورية ضد الإرهاب والأنشطة ذات الصلة. قدّمنا مذكرات جوهرية إلى سلطات التحقيق والادّعاء العام، ووجّهنا اتهامات لعدد من مواطني جنوب إفريقيا فيما يتعلق بالخدمة في الجيش الإسرائيلي خلال حرب غزة عام 2014، وحذّرنا أمن الدولة من تدريب مواطني جنوب إفريقيا بشكل شبه عسكري للخدمة في الجيش الإسرائيلي. وترتبط بذلك أيضًا المؤسسات الصهيونية مثل الاتحاد الصهيوني في جنوب إفريقيا، والصندوق القومي اليهودي، وغيرهما من المؤسسات الصهيونية التي تساعد وتحرض على الإبادة الجماعية الحالية التي تتكشّف في قطاع غزة في الوقت الحالي.
لذلك، نحن نستخدم قوانين مختلفة، وهناك أيضًا جزء من التشريع الذي قمت بإعداده يسمى IPPSRABill [تنفيذ وحماية حقوق التضامن الفلسطيني] والذي يحاول جمع جميع القوانين التي كنّا نستخدمها ضد "إسرائيل" تحت مظلّة واحدة لمحاسبتهم، إذ يمكننا أيضًا تضمين المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات والعقوبات التلقائية ضد المؤسسات التمكينية التي تساعد في التحريض على الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
2- هل التحرّكات والدعوات القانونية لدى الهيئات القضائية الدولية في العديد من دول العالم تستطيع برأيكم ردع "اسرائيل"؟
نحن نُدرك جميعًا أن هناك تأثيرات قوية في الأمم المتحدة وكذلك في المحكمة الجنائية الدولية ولا سيّما أن الولايات المتحدة هي الحليف القوي لـ "إسرائيل". حتى الآن، لم يصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان أبدًا أي حكم على الرغم من التحقيق المفتوح في الفظائع الحالية، ولم يدن أيّ مسؤول إسرائيلي أو حتى رئيس الكيان يستحاق هرتسوغ أو رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو أو مجرم الحرب يوآف غالانت وحزبه اليميني المتطرف. على الرغم من هذا الوضع، الذي لا يصبّ في مصلحة القضية الفلسطينية، فإن المهم هو أن نستمرّ في الدفع بأننا نريد محكمة جنائية دولية غير متحيّزة. رأينا في الأمم المتحدة مؤخرًا أن غالبية الدول دعت إلى وقف إطلاق النار، وهذا يظهر إرادة المجتمع الدولي. إن الولايات المتحدة وعددًا قليلًا من الدول الأوروبية فقط هي التي لا تزال تدعم "إسرائيل"، لكن غالبية الدول تتحدث بصوت واحد واضح، أن وقف إطلاق النار يجب أن يكون فوريًا، وأنه يجب على "إسرائيل" أن توقف مذابحها الجماعية وفظائعها ضد الفلسطينيين.
نحن بحاجة أيضًا إلى تعزيز الولاية القضائية الوطنية فيما يتعلق بالقانون الذي نتطلّع إليه لإنشاء مشروع قانون IPPSRA، والذي كنا نعمل عليه، أيْ "تنفيذ وحماية حقوق التضامن الفلسطيني"، ويجب استخدامه عبر الولايات القضائية الوطنية للبلدان الأخرى، حتى نتمكّن من تعزيز محكمتنا الجنائية الوطنية، كما يجب علينا أيضًا أن نحصل على فرصة التوقيع على اتفاقيات ثنائية مع بعضنا البعض لإنشاء محاكم جرائم الحرب، لتتمكن تلك الدول ذات التفكير المماثل من الحصول على منتدى منفصل لمحاسبة الإسرائيليين.
نحن نشجّع الدول الأخرى على الانضمام إلى إحالة "اسرائيل" إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوفير مصادر للمحكمة الجنائية الدولية حتى تتمكّن من إجراء تحقيقاتها الخاصة، وبمجرد الانتهاء من هذه التحقيقات، سنكون أمام محاكمة ناجحة.
واحدة من الآليات السياسية الأخرى في جنوب أفريقيا مؤخرًا في البرلمان هو قرار بالإجماع. لن أقول إنه من قبل حزب الأغلبية، لكن هناك قرار مُرّرَ وينصّ على أنه يجب على جنوب أفريقيا وقف العلاقات الدبلوماسية مع "إسرائيل" حتى تلتزم بحلّ قانوني، السلام الملزم والحل العادل عبر آليات الأمم المتحدة. وإلى أن يحدث ذلك، لا يمكن أن تكون هناك أيّة علاقات دبلوماسية أو أي نوع آخر من العلاقات الاقتصادية مع "إسرائيل". وهذا أمر يجب على الدول الأخرى أيضًا أن تحذو حذوه في برلماناتها، وأن يكون لديها هذا النوع من التعاون والتضامن مع الفلسطينيين.
3- كيف يمكن تفعيل مُعاقبة "إسرائيل" في ظلّ الانحياز الدولي التامّ لها ودعمها؟
أعتقد بأنه يجب معاقبة مجرمي الحرب الإسرائيليين. الحكومة "الإسرائيلية" هي نظام سلبي يميني متطرف يرأسه بنيامين نتنياهو. لقد رأينا هؤلاء الأفراد، سموتريتش وآخرين، يُدلون بتصريحات مفادها أن الوضع هو السائد الآن، ويفهمون الآن ما كنا نتشاركه حول التطهير العرقي، والطرد الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب. كانت هناك تصريحات مفادها أن الفلسطينيين سيكونون آمنين في الممرّات المؤدية إلى جنوب غزة، ولكن تمّ قصف الممرّ المؤدي إلى الجنوب، وكذلك المستشفيات وسيارات الإسعاف والمرافق الطبية ومباني الأونروا والمؤسسات المحمية بموجب القانون الإنساني الدولي. هناك خطر كبير للغاية. هذا دليلٌ واضح على الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وعلى العقاب الجماعي، والتطهير العرقي والطرد القسري للسكان المدنيين، وهذا دليلٌ أيضًا على أن الجيش الاسرائيلي صاحب العسكرة المفرطة في استخدام أسلحة الدمار الشامل في منطقة مكتظّة بالسكان.
مؤخرًا في المستشفى الأهلي العربي كان هناك طبيب قدم تقريرًا بأن الضحايا جاؤوا إلى المستشفى مع بتر واضح للأطراف. هذا كلّه غير إنساني على الإطلاق. وليس لدي شك في أنه عندما يظهر التقرير وعندما يظهر الشهود، فإن هذا كلّه سيتم تأكيده ودعمه وتأييده. هناك حاجة إلى إنشاء آلية دولية لاعتقال قادة الحرب والقادة "الإسرائيليين" الذين أيّدوا هذا النوع من المعاملة اللاإنسانية والاستخدام اللاإنساني لأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الحربية العسكرية على السكان المدنيين في الغالب. يجب أن يخضعوا للمساءلة من حيث الآليات القانونية الدولية وكذلك من حيث الولايات القضائية الوطنية التي تحدثنا عنها سابقًا.
الضفة الغربية المحتلة تعاني أيضًا من جرائم مروّعة لا نهاية لها على يد قوات الاحتلال، فيما يتحدّث آلاف الفلسطينيين الذين تمّ اعتقالهم وسجنهم الآن عن الكثير من التعذيب وسوء المعاملة. الآباء الفلسطينيون لا يعرفون حتى متى تمّ اعتقال أطفالهم من قبل قوات الاحتلال.
هناك دراسة مهمة جدًا صدرت من الولايات المتحدة، من هيئة دستورية معنية بالإبادة الجماعية، تقول إنه عندما يشعر الظالم بالإحباط جراء مقاومة المُضطهدين، فإنه قد ينغمس في الإبادة الجماعية المتزايدة.
4- كيف تُقيّمون النضال الحقوقي في المحافل الدولية بوجه "اسرائيل"؟
من الإيجابي للغاية أن يقف المجتمع المدني الآن مع الفلسطينيين. لقد شهدنا احتجاجات واسعة النطاق في العديد من البلدان، وخاصة في الدول الأوروبية والولايات المتحدة، وهما حليفتان قويّتان لـ"إسرائيل". لقد خرج المواطنون بالآلاف في نيويورك وواشنطن ولندن وباريس ومدن أوروبية أخرى، وتذكروا أن هذه الحكومات كانت مُلتبسة في دعمها لـ"إسرائيل"، وأظهرت دائمًا معاييرها المزدوجة.
في الواقع، يمكننا أن نتحدث عن مفهوم غير عادل وغير إنساني للغاية، حيث يجب أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار، ويجب حماية المدنيين في جميع الأوقات بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. نحن بحاجة إلى ممارسة الضغط المُطبق على الدول العربية. نحن بحاجة إلى وقف عملية التطبيع مع "إسرائيل"، وخاصة بالنسبة للدولة العربية. ويجب على الدول العربية أن تتحمل مسؤولياتها تجاه الأمة الإسلامية والشعب الفلسطيني الذي يعاني بشكل غير إنساني. هذه الفظائع تسلّط الضوء فقط على أن "إسرائيل" تقف في الجانب الخاطئ، وكل يوم يصبح من الواضح أن الاحتلال هو وضع غير مقبول.
القانون الدولي لا يزال مصرًّا على حل الدولتين الذي فشل منذ فترة طويلة، لكن يجب أن يتحدث الناس والناشطون عن حلّ الدولة الواحدة مع حق الفلسطينيين في تقرير المصير وفلسطينيي الشتات في العودة إلى وطنهم. لا يمكننا أبدًا أن نرى مفاوضات مع نظام يميني متطرّف في "إسرائيل" بعد هذه الحرب في غزة
5 - أي نوع من القضايا سترفعونها في محكمة لاهاي؟ وما هي التحديات والمصاعب التي تواجهونها؟ وما هي العقوبة التي تتطلّعون الى فرضها إذا سارت الآلية القضائية كما يجب؟ أم أن الهدف انتزاع إدانة؟
بالتأكيد هناك هدف أكبر من إدانة "إسرائيل" في المحكمة الجنائية الدولية. في عام 2009، بعد عملية "الرصاص المصبوب"، كنت جزءًا من فريق من المُحامين الذين أُلزموا بقضية غزة. وبعيدًا عمّا قُمنا به في ولاياتنا القضائية الوطنية، حصل المحامون على أدلّة حول الإصابات التي تعرّض لها الفلسطينيون من الأطباء في مصر عندما تم نقل الضحايا من غزة إلى القاهرة لتلقي العلاج.
وقد تم تقديم شكوى واسعة النطاق تناولت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الفصل العنصري، والاستعمار، وما تعرّض له الفلسطينيون من جرائم ضد الإنسانية. لقد عرضنا ذلك على المحكمة الجنائية الدولية، وفي عام 2021، اعترفت المحكمة الجنائية الدولية بفلسطين كدولة، وطلب الفلسطينيون فتح تحقيقات في الجرائم التي ارتكبت في حرب 2014. بالتأكيد، اعتبارًا من عام 2014 وما بعده هناك تحقيقٌ مفتوح في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإلى أن تكون هناك عدالة، لن يكون هناك سلام. نحن نصرّ على هذه النقطة، ونؤكد أيضًا على استمرار الولاية القضائية الوطنية فيما يتعلق ببعض التشريعات التي نتطلع إلى تنفيذها، وكذلك حصلنا على كتاب القوانين الخاص بإيقاف المجرمين "الإسرائيليين" عن الذهاب للخدمة، وخاصة الشباب اليهود الصهاينة الذين يذهبون للخدمة في القوات الإسرائيلية ليس لارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية في قطاع غزة، بل أيضًا في الضفة الغربية بغية الاستمرار في ممارسات الفصل العنصري الاستيطاني القمعية ضد الشعب الفلسطيني.
6- هكذا نوع من القضايا برأيكم ألا تستغرق وقتًا طويلًا للوصول الى نتيجة مُرضية؟
علينا الاستمرار كناشطين وحركات تضامنية. نحن ندعو إلى انضمام العديد من البلدان الأخرى إلى خطوة إحالة "إسرائيل" إلى المحكمة الجنائية الدولية. من الواضح للغاية أن نيّة "إسرائيل" هي إجبار الشعب الفلسطيني على الخروج من قطاع غزة إلى صحراء سيناء، وهذه ستكون فعليًا النكبة الثانية. إن هذا السلوك إجرامي ويجب بالتأكيد تحميل "إسرائيل" مسؤوليته. وعلينا أن نستمر في الدعوة على المستوى السياسي، وكذلك على المستوى الأكاديمي والقانوني والدولي، بين العلماء الدوليين، والقانونيين الدوليين، للمطالبة بمحاسبة "إسرائيل". ويجب أيضًا أن تكون هناك حملة اقتصادية متزايدة لعزل "إسرائيل". كما يجب علينا أن ننبّه إلى دعم المقاومة.
في الواقع، يتم ارتكاب الإرهاب من قبل "إسرائيل" والولايات المتحدة. علينا أن نستمر في دحض فكرة أن المقاومة الإسلامية والمقاومة الفلسطينية هما عمل إرهابي. إنه ليس عملًا إرهابيًا، بل من المعترف به في القانون الدولي أن هؤلاء الأشخاص الذين يسعون إلى التحرر والحرية يحقّ لهم حمل السلاح والمقاومة لصد الاحتلال القمعي.
افريقياجرائم الحربالمحكمة الجنائية الدولية