خاص العهد
ردع العدو يتآكل أمام ضربات المقاومة بعد الهدنة.. تصاعد وتيرة عمليات حزب الله
حسن شريم
يتآكل الردع الصهيوني أمام ضربات المقاومين عند الحدود مع لبنان. تلك الضربات أصابت العدو في الصميم وشتّتت قدراته واستنزفتها. أما الخسائر والأضرار التي تلقاها فباهظة رغم محاولات التكتم والتعتيم وعدم الاعتراف سوى بجزء قليل، الأمر الذي جعل الجبهة الشمالية تُحرّك دبلوماسيي الدول لإيجاد مخرج يُنزل العدو عن الشجرة. وعليه، كانت جهود أميركية وفرنسية وغربية وصولات وجولات لوفود إلى لبنان لإقناع حزب الله بتهدئة الجبهة الجنوبية على الحدود، يقابلها تحريك الداخل وتقليب الرأي العام اللبناني على المقاومة، الأمر الذي يعكس رعب "إسرائيل" وعجزها أمام تعاظم قدرات حزب الله وقدرته على تغيير وجه المنطقة في أي حرب مقبلة. ورغم كل أصوات النشاز تمضي المقاومة قدمًا في الدفاع عن لبنان.
الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية العميد الدكتور أمين حطيط يوضح لـ"العهد" أهمية عمليات المقاومة على الحدود ونقلتها النوعية عما عداها قبل الهدنة، فيقول: "يبدو أن المقاومة استفادت من مهلة الأسبوع التي كانت فيها الهدنة لتُراجع آلية ونظام معركتها بشكل يحقق ثلاثة أهداف رئيسية:
الهدف الأول: الفاعلية والتأثير في الميدان.
الهدف الثاني: الاستمرار بتحييد الأماكن الآهلة عن مخاطر الحرب.
الهدف الثالث: التقليل من خسائر المقاومين.
وبحسب العميد حطيط، يبدو هذا الأمر واضحًا من خلال الصيغة التي اعتمدتها المقاومة والتي تقوم أيضًا على أركان رئيسية عدّة:
الركن الأول: فتح المعركة على طول الجبهة الحدودية، والتنسيق في استهداف عدّة أهداف في الآن نفسه، ومن يدرس معركة المقاومة يجد على سبيل المثال أنها تَستهدف في توقيت واحد من 3 إلى 4 أهداف، وهذه نقطة تُربك العدو وتُشوّش قدرته على تحليل الفعل وقدرته على اتّقاء الخطر وتُربكه في عملية الإنقاذ.
والركن الثاني هو تركيز ضربات المقاومة على التجمعات أو الآليات العسكرية لجيش العدو بشكل يؤدي إلى إنزال الأضرار الجسيمة بها حتى وصلت بعض الضربات في خسائرها إلى 11 إصابة معظمها إصابات مميتة.
والركن الثالث هو في التخفّي والتسلّل والاقتراب من الشريط الشائك بما يضمن فعالية المراقبة الأرضية وفعالية التأثير عند الرمي.
والركن الرابع وهو الأهم يتمثّل في دقة استعمال السلاح المناسب، ولذلك "أرى أنّ تكرار عبارة "استهداف بالسلاح المناسب" التي ترِد في بيانات المقاومة هي فعلًا عبارة في محلّها وفي موضوعها وتشكل توصيفًا حقيقيًا لما يجري لأنّنا شاهدنا كيف أنّ المقاومة تختار السلاح المناسب للهدف عملًا بقاعدة "التناسب والضرورة" وهذا أمر مهم أربك العدو الصهيوني لدرجة أنّ أحد المراكز البالغة التحصين تمّ النيل منه بشكل مؤثر رغم أنّ العدو كان مطمئنًا إلى التدابير الوقائية التي اتخذها لتحصينه، فبالتالي قدرة المقاومة على المراقبة الدقيقة والتحليل العميق واختيار السلاح المناسب كانت إحدى خصائص المعركة الجديدة، لذلك نحن نرى أنّ المقاومة ارتقت بين المعركة ما قبل الهدنة والمعركة ما بعد الهدنة بشكل ملحوظ أدّى بشكل مؤكد إلى التقليل من الخسائر بنسبة تتراوح بين 85% و90%، وزيادة الفعالية بنسبة تتراوح بين 70% و80%، وإرباك العدو بنسبة تصل إلى 100%، حيث بات ينظر إلى المخاطر على جبهة الشمال بمقدار ما ينظر إلى المخاطر في المعركة الرئيسية وهذا أمر فاجأ الجميع.
عمليات المقاومة ردعية
العمليات القتالية التي تنفذها المقاومة الإسلامية عند الحدود، بحسب العميد حطيط، ترتكز على ثلاث وظائف حسبما بات واضحًا:
الوظيفة الأولى والتي باتت تتقدّم كل الوظائف وهي الوظيفة الردعية لأنها أظهرت قدرات للمقاومة كانت خفية بالنسبة للعدو كونها اعتمدت الاستراتيجية الهجومية المنسقة والعميقة التأثير.
الوظيفة الثانية: هي أنّ هذه العمليات بحرفيتها وباتّساع جبهتها ألزمت العدو بمراجعة كل خططه الدفاعية التي كانت قائمة وألزمته بإعادة النظر بها وبأساس هيكلية الأحزمة الأمنية وجدواها. وكما يعلم الجميع فإنّ الدفاع الأرضي الحدودي للعدو يقوم على نظرية الأحزمة الأمنية التي تُشارك فيها القوة النظامية مع قوَى الاحتياط مع حراس الـ"كيبوتسات". كل هذا انهار أمام ضربات المقاومة التي اعتمدت صيغة تجعل نظرية العدو الدفاعية غير قابلة للاحتواء، ما أدى إلى رفض المستوطنين الصهاينة العودة إلى منازلهم نظرًا لهذه المخاطر.
الوظيفة الثالثة: أكدت وجوب تخصيص القدر الكافي من الجنود والقدرات القتالية العسكرية الصهيونية لجبهة الشمال وهذا ما منع "إسرائيل" من استعمال وحدات النُّخبة المنتشرة في مواجهة جبهة الشمال في جبهة الجنوب واضطرّها فتحها لجبهة جنوبي القطاع أن تسحب 70% من القِوى العاملة في شمال القطاع، ولو لم تكن جبهة الشمال مفتوحة بهذه الطريقة التي برع حزب الله في تنظمها وقيادتها لكان سهلًا على العدو أن ينقل 100 ألف عسكري من الشمال إلى الجنوب وأن يكون مرتاحًا في معركته بقطاع غزة. ولكن هذا لم يحصل لأنّ مقاومة حزب الله ألزمته بأن يخصّص هذا الجهد ولا يحرّكه من جبهة الشمال نظرًا لحجم المخاطر التي تأتيه من لبنان".
تلويح نتنياهو بحملة عسكرية برية مجرّد تهويل
العميد حطيط لفت إلى أنّ "العملية العسكرية الإسرائيلية ضد لبنان موضوعة على الطاولة منذ العام 2006 ولكن تنتظر ظروفها". وقال: "أعتقد أنّ العميات العسكرية التي قام بها حزب الله ساهمت في تعزيز المعادلة الرادعة لأنها أشعرت الإسرائيلي بأنّ القدرات التي يملكها حزب الله في الهجوم وفي الدفاع هي أكبر بكثير مما كان يتوقّع، لذلك أعتقد أنّ قول نتنياهو بشنّ عملية عسكرية بريّة هو نوع من أنواع التهويل".
تحرير المناطق اللبنانية المحتلة أمرٌ وارد
يرى العميد حطيط أنّ "للمقاومة هدفين من حمل وامتشاق السلاح الأول هو تحرير الأرض والثاني تأمين الحماية، وفي ظل ما يحصل اليوم لا يمكن لـ"إسرائيل" أن تُطالب بتدابير أمنية على شمال الحدود في الوقت الذي تحتل فيه أرضًا لبنانية وهذا منطق الأمور، ولذلك أعتقد أنّ "إسرائيل" ستكون مُلزمة بالخروج والاندحار من الأرض التي يُطالب بها لبنان حتى يُتاح لها بعد ذلك طرح مسألة التدابير الأمنية، أما قبل ذلك فلا أعتقد أنّ الأمر وارد لا من قريب ولا من بعيد، لا عند الدولة اللبنانية ولا عند المقاومة، لذلك إمكانية خروج "إسرائيل" من بعض الأراضي اللبنانية المحتلة هي فرضية مطروحة جديًا الآن وقد نصل إليها بسرعة كبيرة، وإذا حصل هذا الأمر سيكون من ثمار أعمال المقاومة التي آلمت "إسرائيل" وألزمتها بالتراجع حتى تبحث عن شيء من الأمن.
الحدود البرية اللبنانيةامين حطيط