معركة أولي البأس

خاص العهد

بالوقائع.. هل الجيش اللبناني جاهز لتسلم مهمّة الدفاع عن لبنان؟
22/11/2023

بالوقائع.. هل الجيش اللبناني جاهز لتسلم مهمّة الدفاع عن لبنان؟

فاطمة سلامة

منذ سنوات ونحن نسمع معزوفة: "فليتسلم الجيش اللبناني مهمّة الدفاع عن لبنان، وتتنحَّ المقاومة جانبًا". يطرح البعض في لبنان ممّن يُطلقون على أنفسهم لقب "سياديين" هذه الفكرة التي أقل ما يُقال فيها إنها "انتحارية". طبعًا، هي ليست كذلك من بوابة التقليل من مكانة الجيش لا سمح الله، بل لأنّ البعض حرم الجيش من امتلاك أبسط مقوّمات الدفاع عن هذا الوطن. المعزوفة المذكورة تشتدّ كلما لاح خطر "إسرائيلي" على لبنان وتصدّت له المقاومة. وبدل أن يرفع هؤلاء القبّعة لتلك المقاومة التي لا تنتظر حمدًا ولا شكورًا، يذهبون بعيدًا في المزايدات. يريدون للجيش أن يتسلم زمام الأمور، يُحارب بلا سلاح، يُقاوم بلا عتاد، فيُهزم لبنان وكأنه لم يكن. نعم بهذه البساطة يريد البعض تسليم رقبة لبنان الى العدو الإسرائيلي، وهم يعلمون جيدًا أنّ ما يطرحونه لا يعدو كونه أضغاث أحلام. ما يطرحونه أقرب الى "السوريالية" في بلد تاريخه يشهد على تقصير رسمي فاضح مع المؤسسة العسكرية، تقصير من المفيد تسليط الضوء عليه في الذكرى الثمانين لاستقلال لبنان، حيث لا يزال تجهيز تلك المؤسسة ورغم تضحياتها الجسام نسيًا منسيًا.  

الحديث عن تسلم الجيش مهمّة الدفاع عن الوطن لطالما تزامن مع حملة نزع سلاح المقاومة. الفكرتان وجهان لعملة واحدة، تتكاملان في المشروع والهدف والأجندة. مشروع خبيث جدًا تقف وراءه بلا شك الولايات المتحدة الأميركية ربيبة "إسرائيل" التي أعطت قبل سنوات طِوال تعليمتها لتنفيذ الأجندة المذكورة، ورسم السيناريو التالي: بلد بلا مقاومة، جيش بلا سلاح، شعب يرفع الراية البيضاء، ووطن غير قادر على الدفاع عن نفسه ليُستباح كل ما فيه. كان يُراد لهذا المشروع أن يمُر بتوقيع البعض من الداخل اللبناني الذي يلعب دور الوكيل والمعروف الأهداف، البعض الذي يتحدّث عن الحرية والسيادة والاستقلال وهو لا يفقه من الاستقلالية شيئًا. 

ولكي لا نذهب بعيدًا في الأهداف والغايات الواضحة وضوح الشمس، ثمّة سؤال أساسي من المفيد أن يسأله لأنفسهم السياديون ــ ودُعاة استقلال الجيش عن المقاومة، دُعاة "فرط" عقد الثلاثية الذهبية (الجيش، الشعب، والمقاومة) ــ قبل أن يطرحوا فكرتهم "الجهمنية" للتداول: هل العتاد والأسلحة الموجودة لدى الجيش اللبناني تخوله الدفاع عن لبنان دون مساندة من المقاومة؟. وزير الدفاع الأسبق يعقوب الصراف الذي خبِر قدرات الجيش اللبناني وكان شاهدًا حيًا على ظروفه وأوضاعه يستهل حديثه بالإشارة الى أنه لا يوجد وطن عربي أو إقليمي في المحيط اللبناني من تركيا شمالًا الى المغرب غربًا الى إيران شرقًا، يمتلك جيشًا لديه القدرات العسكرية التقنية والمعدات والعتاد الموجودة لدى الجيش الإسرائيلي. حتى الجيش المصري الذي يُعد من أهم الجيوش العربية، ليس لديه الإمكانية لربح معركة ضد الصهاينة. وفق الصراف، كان لدينا جيش في العراق قادر على المقاومة والإيذاء الى حد ما، لكن تم إلغاؤه. وعليه، يرى الصراف أنه لا يمكننا إجراء مقارنة بين قدرات أي من هذه الجيوش والجيش الإسرائيلي، فما بالنا بالجيش اللبناني الذي يعاني فعلًا من تقصير فاضح بحقه لجهة تجهيزه بالسلاح والعتاد؟

آخر صفقة تسليح رسمي للجيش تعود للتسعينيات 

بلغة الأرقام، يُقرّش الصراف ممتلكات الجيش اللبناني. أقل من 4 بالمئة فقط من موازنة وزارة الدفاع تذهب الى التجهيز العسكري من سلاح وعتاد وذخائر، وهي تجهيزات "أكل الدهر عليها وشرب". على سبيل المثال، يعود أحدث "مدفع" تم شراؤه لفترة التسعينيات. ثمّة "مدافع" تعود الى عام 1945. الصواريخ الموجودة لدى الجيش لا تتعدى الـ 5000 صاروخ فقط، وهي كمية تُطلقها المقاومة في يوم واحد. أما الدبابات فيعود تاريخ صناعتها الى عام 1959. هذا ما يثبت أن لدينا تقصيرًا كبيرًا في مهمّة تجهيز الجيش الوطني. وفق الصراف، فإنّ آخر صفقة تسليح رسمية للجيش تمّت في عهد رئيس الجمهورية الأسبق إميل لحود عندما كان قائدًا للجيش أي في التسعينيات. خلال العامين الماضيين، اشترت المؤسسة العسكرية ألف صاروخ فقط. أما الأسلحة الخفيفة فحدّث ولا حرج. في حوزة الجيش الكثير من تلك الأسلحة. تلقّى هبات سلاح "M16"، كما أجريت صفقات خفيفة تتعلّق بخوذ، "رنجرات" وما الى هنالك. بالنسبة للصراف، لا يملك الجيش سلاحًا قادرًا على مقاومة العدو يُخولنا الصمود في الحرب ليومين فقط ريثما يتم الاتصال بالأمم المتحدة. يدعو الصراف الله ليحمي عناصر الجيش الذين يُفرزون الى المعركة دون إعطائهم أقل مقوّم للمقاومة، فيذهبون بلا حيلة. 

يستغرب الصراف كيف يطلب البعض من الجيش تسلم زمام الدفاع عن لبنان بمفرده، وهو لا يملك اتصالات مشفّرة، الواقع الذي يجعل الاتصالات تتوقف بين عسكري وآخر في حال استهدف الإسرائيلي "آنتين" للهاتف. لا يوجد جيش في العالم ليس لديه شبكة اتصالات مستقلة عن الشبكة العادية، يقول الصراف الذي يلفت الى أنّ الاتصالات بين عناصر الجيش اللبناني تتم على الخليوي، وهذا يعرّض لبنان والقيادة للخطر. وهذا ما حصل في غزة حيث يبحث العدو عن مركز القيادة، وهو في هذا الإطار عمد الى قطع الكهرباء لشل الاتصالات. وفي هذا السياق، يوضح الصراف أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان عملت على ضرب الاتصالات وأبراج المراقبة لدى العدو انطلاقًا من حقيقة أنها اذا شلّت الاتصالات بين المركز والقيادة تشل المركز بكامله. 

الهبات تأتي لمصلحة الواهب

لا يُخفي الصراف أن ثمة هبات يتلقاها الجيش اللبناني ولكنها غالبًا ما تأتي لمصلحة الواهب. على سبيل المثال، يوجد لدينا سرب طائرات "سوبر توكانو" جاء هبة من الولايات المتحدة الأميركية، ولكن هذه الطائرات لا تصلح للحرب وللدفاع عن لبنان مقابل قدرات الجيش الإسرائيلي. لا يُنكر الصراف أنّ هذه الطائرات ساعدت الجيش في معركة فجر الجرود، لكن هذا لا يُقارن مع حرب في وجه قوة نظامية. تلك الطائرات تصلح لمعالجة قسم من المشكلة التي هي السيطرة على مجموعات صغيرة، أما الدفاع عن لبنان فأكبر بكثير من هذه الطائرات. الأمر ذاته ينطبق على القوات البحرية، تلقى الجيش مساعدات بحرية ولكن هدفها كان مساعدة لبنان بتأدية قسم من واجبه في الدفاع عن مياهه الإقليمية، ولكنها حُكمًا لا تُقارن مع قوة البحرية الإسرائيلية. وهنا، يشدّد الصراف على أنه لا يمكن الطلب من عسكري أن يذهب الى المعركة دون سلاح وهو الذي يعيش في الأصل ظروفًا حياتية صعبة بعد أن بات راتبه منخفضًا جدًا. 

لا توجد لائحة حتى اليوم بالمساعدات الأميركية

ولم يكن يكفي الجيش اللبناني قلّة التجهيزات، حتى يتعرّض لضغوط خارجية تمنعه من قبول أي هبة لا تُعجب واشنطن. ثمّة هبة "رصاص" روسية عُرضت على المؤسسة العسكرية فرفضتها لأنها مضغوط على أمرها، يقول الصراف، الذي يلفت الى تحذيرات مستمرة للوقوف على خاطر أميركا التي تهدّد بوقف المساعدات علمًا أنه لا توجد لائحة حتى اليوم بالمساعدات الأميركية. يُريدون أن نقول إن أميركا تساعدنا كثيرًا ولا نقول حدود مساعدتها والكمية والنوعية. كما يُذكّر الصراف بالهبة السعودية التي روّج لها منذ نحو 9 سنوات لدعم الجيش اللبناني، وقد أنشئت  شركة خاصة ومكتب استشاري لاختيار ما يريد الواهب، بدل أن يُعطى لبنان الأموال ليتسلّح الجيش بما يريد، ورغم ذلك لم يتقاض لبنان الهبة التي توقفت. يشدّد الصراف على أنّ المطلوب من لبنان أن يسلّح جيشه وأن لا يتكل على أحد، يجب أن ينجز خطة لتجهيزه بالسلاح وليس بالسيارات أو الرادارات ولا الكاميرات ولا "الخوذ". عدم التسليح يعتبر تقصيرًا فاضحًا، وقد يكون وراءه هدف سياسي كي لا يملك الجيش القدرة للدفاع عن لبنان. 

على الدولة تأمين من 20 الى 25 بالمئة أقله من موازنتها لتسليح جيشها 

في عيد الاستقلال، يتمنى الصراف أن يرسل لبنان جيشه الى الجبهة بكامل عتاده وأسلحته وذخيرته، لا كما يبدو الجيش اليوم بلا سلاح. يتمنى أن يتم تجهيز الجيش اللبناني من الموازنة اللبنانية أو حتى اذا اضطررنا الى الاستدانة لتجهيز الجيش. المهم تجهيزه، والمهم أن يفرض لبنان على الواهب ماذا تريد المؤسسة العسكرية لا ماذا يريد هو. كما يدعو الصراف الجيش اللبناني للطلب من الدولة تضخيم موازنته، شرط أن لا يكون على حساب العسكري. لا يجوز حرمان العسكري الفقير من حقوقه لشراء السلاح. واجب على كل دولة تأمين من 20 الى 25 بالمئة أقله من موازنتها لتجهيز الجيش بالسلاح، وهذا ما لا يحصل في لبنان منذ عام 1995. لا بد من تجهيز الجيش الللبناني بالعتاد والذخيرة الكافية، وقتها يُصبح بإمكان رجل السياسة اللبناني القول: "جيشي بإمكانه أن يردع "إسرائيل" ولم يعد هناك حاجة لمقاومة رديفة بل مقاومة شريكة، ووقتها تصبح المقاومة داعمة للجيش اللبناني وليست رائدة في الدفاع عن لبنان". برأيه، كل مقاومة لمعتد وغاز هي حاجة، وطالما أنّ الجيش لا يملك العتاد والذخيرة فالمقاومة ستستمر في مهمتها. عندما تنتفي الحاجة للمقاومة بإمكاننا أن نفاوض ونُدخل المقاومة الى الجيش شرط أن يكون الجيش مجهزًا للدفاع عن لبنان. 

أوهام 

وفي ختام حديثه، يُشدّد المتحدّث على أنّ مطالبة البعض الجيش بتسلم زمام الأمور لا يعدو كونه أوهامًا، قائلًا: "قبل أن يطرحوا الفكرة فليطلبوا أولًا رأي قيادة الجيش اذا ما كانت تريد الاستلام أصلًا". وفق الوزير السابق، لم ولن يسلَّم زمام الأمور للجيش، هذا المشروع لا يمكن أن يرى النور، وطرحه فقط للاستهلاك الداخلي ولاستمالة بعض التمويل الأجنبي من السفارات والمنظمات والجمعيات غير الحكومية وغيرها.

إذًا، لا تعدو دعوة البعض لإلغاء دور المقاومة سوى صوت نشاز لا يقدّم ولا يؤخّر، وها هي المقاومة تسطّر ــ في عيد الاستقلال ــ عند الحدود أبهى صور الاستقلال في وجه محتل غادر، وهي توجّه له الضربات تلو الضربات، ليكتمل مشهد المعادلة الذهبية "جيش، شعب، ومقاومة"، ولتبقى توأم الجيش في الدفاع عن لبنان.
 

التسليح

إقرأ المزيد في: خاص العهد